ظاهرة جديدة ظهرت في المجتمع المصري، آلا وهي حالة العبوس والجهامة والتقطيب.. لماذا أضحي الجميع كباراً، وصغاراً في حالة جمود، ويأس غريب عن طبيعة المواطن المصري، والمعروف بخفه الروح؟ وإذا غابت الابتسامة عن الكبار نتيجة الشعور بعدم الاستقرار السياسي والأمني، وضيق ذات اليد، فلماذا غابت الابتسامة عن الأطفال والشباب؟ بل لماذا غابت ابتسامة مصر؟ غابت عن الشمس .. والقمر.. والنيل.. والشجر؟ في الواقع أن الحالة الراهنة التي يمر بها الوطن تجعل الجميع علي كافة الأصعدة يشعر بأنه في حالة قلق وترقب!! حالة من عدم الرضا، وعدم القدرة علي التركيز لإتقان أي شيء، لا وقت حتي للتفكير في سبب حالة الجمود، واليأس الذي يصعب معه الابتكار والعمل.. وبالتالي حب الوطن، والإخلاص له.. وعليه تغيب من خلاله الابتسامة.. الابتسامة التي تساعد علي تخطي الصعاب والمشاكل!! كان لمصر طبيعة، وروح خاصة، نراها دائماً، وعلي وجه الخصوص في المواسم.. فلكل موسم ومناسبة طبيعتهما ونكهتهما الخاصة.. بل ورائحتهما الخاصة.. وهو ما أختفي تماماً اليوم.. فاليوم تتوالي المواسم بعد المواسم ..صيف، خريف، شتاء، ربيع.. أعياد ومناسبات وطنية.. لا فرق! ولا تغيير علي وجه المواطن المصري، وعلاقته بالآخرين!.. وهنا نتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أمرنا فيه بالابتسام وبشاشه الوجوه " وهو يقول لنا إن تبسمك فى وجه أخيك صدقة".. هل العبوس بسبب صعوبة المناهج الدراسية؟ أو بسبب الزحام؟ أو بسبب تفاقم حالات العنف المجتمعي، والجرائم؟ أو بسبب الهجمات الإرهابية شبه اليومية، وسقوط الشهداء والجرحي؟ ماذا حدث؟ ولماذا هذا اللون الباهت للوطن؟ فاليوم بعد أن غابت الابتسامة، قست معها القلوب وغابت الرحمة، والكياسة، وهو ما أدي إلي ظهور حالات مختلفة من قلة الصبر علي الآخرين، والميول العدوانية، والنزاعات المستمرة، في كل مكان.. وهو ما يختلف معه الحال إذا كان الأنسان مبتسماً ضاحكاً..مستبشراً بأن لكل مشكلة حل.. كطبيعتنا الماضية... انعكست ثقافة الزحام، و متاعب الحياة علي الجميع.. فتراجعت المودة والإنسانية، وحل محلها روح التسابق، والتنافس علي كل شيء، وأي شيء، وقد تجد ذلك أثناء الخروج من الباب الضيق، فالجميع يتنافس علي الخروج قبل الأخر، والمرور بالسيارة قبل الأخر، وكذلك الجري للجلوس علي المقعد الوحيد بغض النظر عن وجود مسنين، أو نساء أو أطفال.." أنا الأول".. " وأنا فقط".. هل أفقدتنا الابتسامة الانسانية، والذوق، والاخلاق؟ حاولت أحلل بعض الأسباب التي ساهمت في غياب الابتسامة.. وجدتها متباينة ومختلفة، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر.. الأسباب التي تتصل بالتحولات العديدة التي حدثت في السنوات الماضية.. وتوقفت عند التحولات التكنولوجية، وعالم السموات المفتوحة، والذي ساهم في العديد من الايجابيات والسلبيات.. ومن هذه السلبيات الانطواء، والعزلة، والانفراد بالتكنولوجيا بكافة أشكالها لساعات طويلة!! وقد لاحظت ذلك أثناء الجلوس بأحد الأماكن العامة مع مجموعة من الأصدقاء منهم الأطفال في الفئة العمرية من 12- 18 سنة، والشباب والكبار في الفئة العمرية من 20- 50 سنة.. لاحظت حالة الجميع، والجالسين سوياً ظاهرياً، وكلن بمفرده وعالمه الخاص واقعياً.. القليل مبتسم ابتسامة غير صادقة ولا تنبع من القلب!! ولماذا يجلسون سوياً إذا كان كلن في عالمة الخاص؟.. و المفترض أنهم يجلسون سوياً للتنزه، والترفيه، وتجاذب أطراف الحديث، والمناقشة والسمر.. الكل مشغول في عالمه الخاص.. الجميع يحمل في يده وسيلة من وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.. من يحمل المحمول قد يقضي الوقت كله في التحدث إلي أشخاص آخرين، متناسياً المجموعة التي يجلس معها.. وقد يكون حديثه مع زملائه في المدرسة، أو في الجامعة أو في العمل.. أو مع أصدقاء آخرين!! الجميع مشغولون بالمحمول..بغض النظر عن التكلفة المادية، أو خطورة استخدام المحمول لفترات طويلة، وتأثيره علي المدي الطويل، والذي لم يظهر علمياً حتي الآن فيما عدا بعض التأثيرات السلبية علي المخ وأبسطها الصداع!!.. وقد يكون المحمول هو السبب في العصبية وغياب الابتسامة! وقد لاحظت أيضاً في نفس هذا اللقاء مع المجموعة، وفي المكان الذي ذهبنا سوياً لنلتقي فيه، ونروح عن أنفسنا، أن هناك مجموعة أخري من الأصدقاء الجالسين معنا تشاهد شاشة التليفزيون العملاقة التي باتت تتصدر المشهد في كافة الأماكن المخصصة للتنزه.. وهنا قد تجد أثنين أو ثلاثة من الجلوس قد دخلوا في حديث طويل سوياً، قد ينتهي إلي خلاف سياسي،وعبوس نتيجة اختلاف في الرأي حول القضية المطروحة من قبل مقدمي برنامج التوك شو.. ورغم ارتفاع حدة الصوت نتيجة الاختلاف في الرأي بين المشاهدين لبرنامج التوك شو، إلا أن حدة الصوت لا تحرك باقي الجلوس المشغولين باللعب علي المحمول، أو التابلت، كانهم في عالم ومكان أخر.. وقد يتدخل أحد الحضور، أثناء تفقده مواقع الاخبار الالكترونية، أو الفيس بوك أو التويتر، ليختلف أو يتفق مع المختلفين حول الموضوع الذي يناقشه برنامج التوك شو! وينفي أو يؤكد ما يدور في البرنامج... وتزيد حالة الجهامة، والتقطيب واليأس! يتلاحق هذا التقطيب مع أصوات عالية من الموسيقي والأغاني الغريبة الصادرة من سماعات كبيرة داخل المكان، لتتشابك مع دخان الشيشة والسجائر التي يدخنهم معظم الحضور بطريقة تلقائية، وبدون توقف!!. في النهاية تشعر أنك نادم علي خروجك أساساً وأن الصحبة فقدت الهدف منها، وهو الترفيه والترويح عن القلوب... حيث أمرنا الرسول أيضاً بأن نروح القلوب فقال:(روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت)، فلم تؤتي هذه النزهة "بالابتسامة".. نعم الجميع يشعر بحالة ملل تصل إلي العمي.. نتيجة عدم ترويح القلوب!! بل فقدان ثقافة ترويح القلوب!! فلنحاول سوياً أن نجدد الأمل، ونعلم أن الإحباط والعبوس لن يبني وطن.. فلنعيد النظر في ثقافتنا والطبيعة الجديدة التي نحن بصددها.. والتي إنعكست علينا بشكلاً سلبياً.. بغض النظر عن كونها تتعلق بالتكنولوجيا أو بالحالة السياسية التي تمر بها مصر. من المؤكد أن هذه الثقافة الغريبة علينا قد أفسدت الابتسامة، فلنعيد إلي أنفسنا "ثقافة الابتسامة" لنعيد لمصر ابتسامتها المفقودة..