طالب الكاتب الأمريكي توماس فريدمان العالم بعدم التسرع في الحكم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ضمه لشبه جزيرة القرم ، والتروي لحين الوقوف على تداعيات الحدث . وقال فريدمان - في مقال معنون "بوتين وقوانين الجاذبية" نشرته النيويورك تايمز اليوم الأربعاء- قد تعلمت شيئا من تغطيتي لأحداث الشرق الأوسط على مدى سنوات عديدة وهو أن دائما هناك "استفاقة" بعد كل صخب وأن ثمة "استفاقة بعد الاستفاقة" ، ولا يجب الخلط بين الاثنتين . وأوضح فريدمان " تكون الاستفاقة" من الحدث الضخم عند اندفاع الحمقى معلنين أن انتصار أحدهم أو هزيمته في إحدى المعارك قد "غير كل شيء للأبد".. أما "الاستفاقة بعد الاستفاقة" فتكون عندما تبدأ قوانين الجاذبية في مباشرة عملها ؛ عادة لا تبدو الأشياء على ما يظن المرء من الخير أو السوء ، وهذا يقودني إلى حادث ضم بوتين للقرم ؛ بحسب "الاستفاقة" ، تم اعتبار بوتين بطلا روسيا .. حتى في أمريكا ، تمنى بعض المعلقين المغفلين لو أن ثمة قائدا أمريكا "حاسما" على غرار القائد الروسي". وعلق فريدمان "حسنا ، ولكن كيف سيبدو بوتين في "الاستفاقة بعد الاستفاقة" ، وليكن بعد ستة أشهر .. لا أريد عمل تنبؤات ، ولكن سأحاول : إن بوتين يتحدى ثلاثا من أعظم القوى على سطح الكوكب الأرضي دفعة واحدة : وهي الطبيعة البشرية والطبيعة الأم و"قانون مور" .. حظا سعيدا للسيد بوتين" . ويرى الكاتب الأمريكي أن بوتين بمحاصرة القرم إنما يؤكد استمرار تأثير الجغرافيا في علم الجغرافيا السياسية ؛ يقول فريدمان "إن روسيا دولة قارية تمتد سلطتها على مساحة أرضية كبرى لا يحدها سوى قليل من الحواجز الطبيعية لحمايتها .. وقد انصب اهتمام كل قادة الكرملين - ابتداء من القياصرة ومرورا بالمفوضين وانتهاء بالمحتالين - على العمل على حماية محيط روسيا من المغيرين المحتملين.. روسيا لديها مصالح أمنية مشروعة، لكن هذا الحادث لا يتعلق بتلك المصالح". ويؤكد فريدمان "إن هذه الدراما الأوكرانية الأخيرة لم تبدأ بالجغرافيا - بقوة خارجية تحاول اقتحام روسيا ، كما تظاهر بوتين .. إنما بدأت القصة بشعوب داخل المجال الروسي تحاول الخروج منه عدد كبير من الأوكرانيين أراد ربط مستقبل الاقتصاد الأوكراني بالاتحاد الأوروبي وليس بالاتحاد الأوراسي الذي يبشر به بوتين .. هذه القصة في لبها بدأتها الطبيعة البشرية - التساؤل المستمر من جانب الناس لضمان مستقبل أفضل لأنفسهم ولأطفالهم - ولم تبدأها الجغرافيا السياسية ، ولا حتى النزعة القومية المبالغ فيها .. وهي ليست قصة "اجتياح" إنما قصة "خروج" . وتعجب فريدمان من اندهاش المتعجبين من رغبة الأوكرانيين في الخروج عن المدار الروسي والانضمام للاتحاد الأوروبي ، مقارنا بين معدل دخل الفرد في أوكرانيا 394ر6 دولار ونظيره في أربع دول مجاورة كانت تتبع المعسكر الشيوعي لكنها انضمت إلى الاتحاد الأوروبي هي بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا حيث متوسط معدل دخل الفرد فيها حوالي 17 ألف دولار بحسب دراسة أجريت عام 2012. ويتابع صاحب المقال بالقول "لكن بوتين كذلك يعول على صمت العالم إزاء الطبعية الأم .. نحو 70 بالمئة من الصادرات الروسية نفط وغاز بما يمثل نصف عائدات الدولة (ما هي آخر مرة اشتريت شيئا مكتوب عليه عبارة "صنع في روسيا"؟) .. إن بوتين يراهن بحاضر اقتصاد دولته ومستقبلها على الهيدروكربونات في وقت أجمع فيه كبار الاقتصاديين في الوكالة الدولية للطاقة على أن "نحو ثلثي احتياطي النفط والغاز والفحم في العالم سيتم إهماله إذا تمكن العالم من الحد من الاحتباس الحراري بمقدار درجتين مئويتين"، وأن تخطي هاتين الدرجتين سيزيد بشكل دراماتيكي من احتمالية ذوبان المنطقة القطبية الشمالية كما سيؤدي إلى ارتفاعات خطيرة في مستوى مياه البحر وإلى المزيد من العواصف الكبرى المدمرة وغيرها من ظواهر التغير المناخي الخارجة عن السيطرة البشرية". وحول "قانون جوردون مور" وصلته بروسيا ، يوضح فريدمان أن أي شخص في ظل صناعة الطاقة النظيفة يستطيع القول أن نظرية مور يتم تطبيقها الآن فيما يتعلق بالطاقة الشمسية التي يهبط سعرها على نحو سريع للغاية بحيث أصبح المزيد والمزيد من المنازل والمرافق يجدها في رخص الغاز الطبيعي.. والرياح على مسار مشابه". ويرى فريدمان أن الصين وحدها على الطريق لتحقيق نسبة 15 بالمئة من إجمالي إنتاجها من الكهرباء عام 2020 من مصادر الطاقة المتجددة ، ويرجح أنها لن تتوقف عند هذا الحد حتى يستطيع الصينيون قادة وشعبا التنفس.. ويقول الكاتب الأمريكي إن شرعية قادة الصين اليوم تعتمد، في جزء منها، على قدرتهم على جعل نظام الطاقة في دولتهم أكثر اخضرارا حتى تستطيع شعوبهم التنفس.. أما شرعية بوتين فتعتمد على حفاظه على إدمان روسيا والعالم على النفط والغاز.. وتساءل فريدمان: "أيهما تريد الرهان عليه؟" وعليه ، قبل تتويج بوتين بلقب "شخصية العام" مرة أخرى ، فلننظر ونرى تداعيات "الاستفاقة بعد الاستفاقة" .