هناك من يؤمن بنظرية المؤامرة ، ومن لا يؤمن بها . والإيمان من عدمه لا ينفي الوجود . وفي إطار كشف المؤامرة الأمريكية علي منطقة الشرق الأوسط سنجد من يؤمن بذلك ومن لا يؤمن . ومن لا يؤمن يزعم أن نظرية المؤامرة ما هي إلا حيلة عقلية في مواجهة العجز عن إيجاد تفسير موضوعي للأمور . في حين أن من يؤمن بنظرية المؤامرة يجد أن هذا الكلام هو في ذاته الحيلة العقلية للهروب من الواقع أو محاولة لغسل الأيدي مما يكون قد علق بها ، أو هو غسيل لمواقف أطراف قد تكون تورطت في المؤامرة . وأنا أظن أن من يدفع بانعدام المؤامرة تحركه رغبة في دفع المطاعن عن ثورة يناير 2011م ، ومدي مشروعيتها ، لأن القول بوجود مؤامرة أمريكية كانت تدفع الأحداث في اتجاه معين سينسحب بالضرورة علي ثورة يناير باعتبارها جزءاً من المؤامرة الكبري علي المنطقة . وهذا الكلام إن صح فلا يؤخذ علي اطلاقه لأن الثورة لو انطوت علي جانب تآمري مظلم فهناك جوانب أخري مضيئة ، فهي كالقمر له وجهان أحدهما مضيء والأخر مظلم ، ووجود أحدهما لا ينفي وجود الآخر، والناس لا تري إلا جانبه المضيء . وموقع التآمر من الثورة كموقع الإستثناء من القاعدة ، يؤكدها ولا ينفيها ، ويبقي في حدود كونه استثناءاً لا يقاس عليه . ومن هنا وبغض النظر عن الإيمان بنظرية المؤامرة من عدمه كان لابد من الوقوف علي أبعاد المؤامرة الأمريكية ، لأن الوقوف علي أبعادها أصبح ضرورة وجود خاصة بعد بدء تنفيذ مخططاتها علي الأرض والتغافل عنها أصبح يهدد هذا الوجود . فالولاياتالمتحدةالأمريكية تتصرف باعتبارها الوريث الشرعي لتركة الدول الإستعمارية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، إلي حد يمكن معه الذهاب إلي الزعم بأن المخطط الأمريكي للمنطقة ما هو إلا النسخة الأمريكية لاتفاقية سايكي بيكو. فمنذ ما يقارب القرن من الزمان ( 1915 1916 ) اتفقت الدول الإستعمارية الكبري وكان الأحري تسميتها الإستخرابية علي تقسيم المشرق العربي فيما بينها ، حيث يتم تقسيم هذه المنطقة بين فرنساوبريطانيا بمصادقة روسية مقابل غض الطرف عن ضم روسيا لمناطق معينة من آسيا الصغري . وقد مثّل فرنسا في هذا الإتفاق المسيو فرانسوا جورج بيكو ، ومثل بريطانيا السير سايكس بيكو ، ومثل روسيا سازانوفا وزير خارجية روسيا ، ومن هنا جاء اسم الإتفاقية التي كانت في صورة وثائق متبادلة بين هذه الدول . وقد كان الإتفاق علي تقسيم المنطقة إلي خمسة أجزاء ، الأول : يضم السواحل السورية واللبنانية إلي فرنسا . والثاني : يضم العراق والخليج إلي بريطانيا . والثالث : فلسطين ، وقد اتفق علي وضعها تحت إشراف إدارة دولية . والرابع والخامس : هو الإتفاق علي الإعتراف بدولة أو حلف دول عربية تحت رئاسة رئيس عربي واحد . وبطبيعة الحال كان هذا الإتفاق سرياً ، لأن رحي الحرب العالمية الأولي كانت دائرة ، وبريطانيا في حاجة إلي دعم العرب في حربها ضد الدولة العثمانية . من أجل ذلك أوهمت العرب حال مساعدتهم لها بأنها ستعترف لهم بحقهم في تأسيس الدولة العربية . وأوهمت الشريف حسين شريف مكة بأنها ستنصبه ملكاً أو خليفة حال مساعدته في تثوير العرب ضد الحكم التركي . وقد تكشف ذلك من خلال المراسلات المتبادلة بين الشريف حسين والسير هنري مكماهون . وقد ابتلع العرب وشريفهم الطعم ، حتي استيقظوا علي وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا سنة 1917م لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين وانكشفت سوءة الإتفاق السري بعدما قامت الثورة البلشفية في روسيا بنشر وثائق وزارة الخارجية في العهد القيصري . إلا أن تكشف أمر الإتفاق وهتْك ستره لم يحل دون تنفيذ المخطط المرسوم . وبانتهاء الحرب العالمية الثانية آفل نجم الدول الإستعمارية الكبري وغربت شمسها عن المنطقة العربية بفعل حركات التحرر الوطني . وفي القرن الواحد والعشرين بزغ نجم الولاياتالمتحدة كقوة وحيدة ، وقطب واحد بلا منافس بعد انهيار الإتحاد السوفيتي المنافس التقليدي علي مناطق النفوذ في العالم . واستنسخت أمريكا حلم الدول الإستعمارية باعتبارها الوريث الشرعي لها ، وبدأت في رسم مخططها في تقسيم المنطقة وتجزئتها وتفتيتها ، ليس فقط خدمة للكيان الصهيوني اللقيط ، وإنما كذلك للسيطرة علي موارد المنطقة وخاصة مصادر الطاقة والثروات الطبيعية ، واستمرار تدفقها بالأسعار المناسبة ، والسيطرة علي الممرات المائية الرئيسية في العالم ، وضمان بقاء المنطقة ضعيفة مفككة لضمان المصالح الأمريكية . الأول : وهو الجزء المحيط بالكيان الصهيوني ويمثل منطقة القلب ويشمل : العراق ، وسوريا ، ولبنان ، وفلسطين ، ومصر . الثاني : ويمثل الغلاف المحيط بالقلب ويشمل : تركيا ، وإيران ، والسعودية ، والسودان ، وليبيا . الثالث : ويمثل الأطراف ويشمل : الصومال ، وأثيوبيا ، وموريتانيا ، والمغرب ، والجزائر ، وتونس . الرابع : ويشمل باقي دول شبه الجزيرة العربية وهي : الكويت ، والبحرين ، وعمان ، والإمارات ، وقطر ، واليمن . الخامس : ويشمل دولتين أوروبيتين هما : قبرص ، واليونان . السادس : ويشمل دول آسيوية هي : باكستان ، وأفغانستان ، والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطي . ومن خلال هذا التقسيم يتم انشاء دول جديدة باقتطاع أجزاء من الدول القائمة في هذه المنطقة وضمها إلي بعضها البعض ، بخلاف إختفاء دول قائمة . وهذا المخطط منشور بالكامل علي الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) بما في ذلك أسماء الدول المستحدثة . وبالفعل بدأ تنفيذ المخطط بأدواته المحددة سواء كانت السياسية أو الإقتصادية أو العسكرية أو الإعلامية أو التعليمية . فسياسياً جري تطويع بعض الأنظمة السياسية الإقليمية الفاعلة ، كما جري إضعاف الدولة القُطْرية ، وتحييد القوي المناوئة للمشروع . واقتصادياً حوصرت العراق ، وتم ربط الدول والحكومات والمؤسسات والمنظمات بالمعونات ذات الشروط المجحفة . وعسكرياً جري الغزو المباشر للعراق وحوربت كل من لبنان وسوريا ، وتم غزو أفغانستان تحت شعار الحرب علي الإرهاب ، بخلاف الإلتجاء إلي الجيل الرابع من الحروب الذي يهدف إلي كسر الإرادة بحروب لا قتال فيها . وإعلامياً عن طريق وسائل الإعلام المختلفة التابعة أو الممولة سواء كانت خارجية أو محلية . وتعليمياً عن طريق إبرام الإتفاقات والبرامج التي تهدف إلي تغيير المناهج وخاصة في مراحل التعليم الأساسي . وقد بدأ المشروع يؤتي أكله مع اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي وهي تسمية استخباراتية أمريكية وبعد أن وجدت أمريكا الشريك الذي يتفق مع مخططها أيديولوجياً بعدم الإعتراف بالحدود الجغرافية ، إذ لا معني عنده لكلمة وطن سوي وطن العقيدة ، فلا مانع لدي هذا الشريك في تجزئة المجزأ ، وتقسيم المقسم طالما أننا نعيش في ظلال وطن العقيدة . فلا مانع لدي أمريكا من ركوب هذا الشريك موجة هذه الثورات ، وجني ثمارها طالما أنها ستصب في النهاية في صالح مخططها . وفجأة وعلي طريقة أفلام الإثارة ( الأكشن ) اندلعت ثورة يونيه في مصر ، لتطيح بنظام الإخوان ، وتقلب المنضدة ، وتعيد ترتيب أوراق اللعبة بآليات جديدة ، وقواعد جديدة لها تأثيراتها الممتدة علي المنطقة والعالم .