صدرت الطبعة العربية الأولى من كتاب "يوميات كارباخ أخضر وأسود" للكاتب طاطول هاكوبيان وهو صحفي متخصص فى شئون النزاعات الإقليمية ، والذي صدر من قبل باللغات الإنجليزية والروسية والأرمينية. تعود فكرة عنوان الكتاب إلى المخرج السينمائي ديكران خزماليان كما يقول مؤلف الكتاب حيث أن الأسود هو لباس الأمهات اللواتي استشهد أبناؤهن فى الحرب ، والأخضر هو اللباس العسكري فى أيام الحرب ، ومع ازدياد الحرب يزدادان هذان اللونين فى كاراباخ الجبلية كل يوم ، وقد قامت الباحثة والمترجمة د. نورا أريسيان –عضو اتحاد الكتاب العرب- بترجمة الكتاب من الأرمينية إلى العربية . حوى الكتاب على واحد وثلاثون فصلاً، رصد فيه الكاتب بداية من الفصل الأول والذي حمل عنوان "الحرب دخلت بيتنا" بعين الباحث والمدقق الإرهاصات الأولى للإطلاق الشرارة الأولى من الحرب وكيف أن الحرب فى كاراباخ الجبلية دفع فيها الطرفان المتنازعان ثمناً باهظاً ، وكيف أن الشعبان الجاران (الأرمن والأذريون) لم يتمكنا قادتهما من تجنب إراقة الدماء والتهجير الجماعي وهدم المنازل واليوم أيضاَ بعد 17 عام من انتهاء العمليات العسكرية لم يفهم الأرمن ولا الأذريون لغة بعضهما . على مدار صفحات الكتاب يستعرض الكتاب بطريقة شيقة ومنظمة تطور الصراع فى تلك المنطقة الجبلية والصراعات التحررية فى منطقة القوقاز منذ عام 1988 مع انهيار الاتحاد السوفيتي وسعي الدول والقوميات إلى التحرر، ويحاول الكاتب توصيف حالة النزاع داخل كارباخ الجبلية بعد سنوات من الحرب الطويلة ،مستنداً لمقال للرئيس الأرميني الأسبق دير بيدروسيان بعنوان "حرب أم سلام؟ لحظة الجد" والذي يعتبر من أهم التحليلات المهمة لحل نزاع كاراباخ ، وقد أثارت انتقادات حادة ، حيث حاول بيدروسيان طرح جدال فى الإعلام عن المساءلة الأكثر تعقيداً فى أمام الشعب الأرميني بخصوص الأفق الممكن لحل النزاع فى كاراباخ . وعرض الكاتب لطرح بيدروسيان الذي طرح تساؤلات مثيرة حول النزاع منها :هل يجب حل النزاع بالحرب أم بالمفاوضات؟، هل يمكن الحفاظ على الوضع الراهن إلى الأبد أو حتى فترة طويلة؟، هل يلاءم كاراباخ الجبلية وأرمينيا حل المسالة أم عدم الحل، هل ستنتهي المسألة بالتسوية أم بخسارة طرف ما ، وفى تلك الحالة من سيكون الخاسر؟، ينبغي أن تحل المسألة فقط وفقط بالمفاوضات السلمية، لا يمكن إبقاء الوضع الراهن زمناً طويلاً لان المجتمع الدولي لن يسمح بذلك ، ولا القدرة الاقتصادية لأرمينيا، والوضع من دون حل لا يلاءم كاراباخ الجبلية وأرمينيا ، لأن ذلك يعرقل على نحو ملحوظ التطور الاقتصادي فى أرمينيا، ومن ثم اقتصاد كاراباخ الجبلية، ويري بيدروسان أنه لا خيار آخر عدا التسوية، فالخيار الآخر للتسوية هو الحرب، حيث أن رفض التسوية من الجانبين هو الطريق الأقصر لدمار كاراباخ الجبلية برمتها، وتأزم الوضع فى أرمينيا. واختتم هاكوبيان كتابه الرائع الماتع بخاتمة غير مكتملة بعنوان "أخضر وأسود" ، بأنه بعد 18 عاماً من الهدنة أنه لا سبيل عن الحوار الأرميني الأذري، حيث أن حالة اللا حرب واللا سلم" مازال يسبب معاناة وعذاب مئات العائلات الأرمينية الأذرية تنظر حل ، ومئات الأمهات الأرمينيات والأذريات ينتظرن عودة أبنائهن من الأسر. وقد شكلت قضية كاراباخ أحد أهم القضايا الأرمينية الكبرى تبدأ جذور الصراع في الحقبة السوفيتية في عشرينات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين بتطبيق سياسته في التفريق بين الإثنيات وإشعال نار العداء بينها وتفتيت قواها، فقد تعمدت السلطة السوفيتية في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان كاراباخ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانيا رغم رغبة السكان في التبعية الأرمينية، وفى المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم "ناختشيفان" معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفيتية منحت "كاراباخ" صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة. واشتعل النزاع منذ عام 1988 عندما قامت سلطات أذربيجان السوفيتية بتنظيم عمليات القتل والتصفية العرقية على نطاق واسع وذلك رداً على الطلب العادل لسكان كاراباخ حول تقرير المصير. وفي النهاية ونتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وعلى أساس قوانين الاتحاد السوفيتي ومعايير الحق الدولي أعلنت كاراباخ عن استقلالها. ردت باكو على ذلك بعمليات حربية واسعة النطاق ضد كاراباخ ، وتبادل الطرفان إطلاق النار حتى توقف بعد توفيع اتفاقية وقف إطلاق النار فى مايو 1994 وبدأت المفاوضات السلمية حتى وصلت إلى حالة اللا حرب واللا سلم. ولا يزال الشعب الكاراباخي ما بين لجيء وشريد ومن حبيس وطنه لا يستطيع الخروج أو الدخول إلى وطنه إلا من خلال ممر ضيق تشرف عليه القوات الأرمينية وسط حالة حصار شديد فى ظل ترقب شديد من الطرفين ، يشوبها اختراق لإطلاق النيران بين حين وآخر.