إنها أصداء من الماضي قصص وحكايات.. وتبدو كومضة.. تلمع في أعماقي.. فجأة.. كل فترة!! فتعود معها ذاكرتي.. لسنوات طفولتي.. وأعيش في نفس اللحظات.. إنها قصص وحكايات ربما تكون مضحكة.. وربما تكون مبكية ولكنها في كل الأحوال تسكن ركنا عزيزا في ذاكرتي ! صفيحة- لا مؤاخذة - الزبالة، صفيحة من الصاج المصدأ، كنا نشتري السمن فيها من الجمعية وعندما تصبح فارغة تستخدمها أمي في وضع القمامة والزبالة، وكانت مهمتي وأنا طفل صغير أن أحمل هذه النفاية كل يومين أو ثلاثة إلى مستودع القمامة الذي يبعد عن بيتنا حوالي 300 متر، فألقيها فيه بصفتي أصغر الأبناء سنا. وكنت لا أتحمل الرائحة المقززة لهذه الصفيحة، فأحاول قدر الإمكان أن أكتم نفَسي وأنا اسير إلى حيث ألقيها.. وغالبا ما كانت الزبالة تتساقط من الصفيحة وأنا أحملها وأسير وسط سخط الناس وتنبيههم بأن أعود لأجمع ما سقط مني في الطريق أمام أبوابهم. وكم كان الصدأ يؤذي يدي.. وكنت أتعجل الأيام حتى نشتري صفيحة سمن جديدة حتى أظفر بصفيحة زبالة غير صدئة كى لا يُتلف الصدأ ملابسي فهو لا يزول بالغسيل أبدًا!! ولكم أن تتخيلوا هذا المشهد البائس.. طفل في العاشرة.. يحمل صفيحة من الصاج المتآكل.. رائحة القمامة تتصاعد منها.. والطفل يكتم أنفاسه طول الطريق.. ومن خلفه تتساقط بقايا القمامة التي تنضح بها الصفيحة.. ولكن الله هداني لأن أستثمر هذا المشوار اليومي الكئيب فأجعله مصدر ثروة لي!!!! فلقد تعلمت منه هواية رائعة. فلقد لاحظت أثناء إلقائي للقمامة في المستودع، أن هناك أظرفًا وخطابات ممزقة تحمل طوابع من مختلف دول العالم، من دول الخليج، أمريكا، أوروبا، أعجبني شكل هذه الطوابع، وبدأت في جمعها من المستودع، كنت في البداية أهملها وأنزعها من على الخطاب بقسوة فأتلفها... ثم عرفت من إخوتي الأكبر مني كيف أغمس الخطاب في الماء حتى استخرج الطابع بدون خدش.. وبدأت في تنسيقها وعمل الألبومات حسب الدول.. وبدأت في التعرف على هواة جمع الطوابع في الحي.. وفي المدرسة، بل تعرفت من بعض المجلات على هواة الطوابع في دول أخرى مثل: السعودية والعراق وإيران والكويت!! وكنت أراسلهم ونتبادل الطوابع والكروت السياحية! واستطعت أن أكون مجموعة ضخمة من الطوابع... وبعضها من الطوابع النادرة.. مثل أول طابع كويتي بعد الاستقلال، طابع صدر من 100 عام في البرازيل.. وغيرها من الطوابع النادرة، كما استفدت من الطوابع في معرفة معلومات مفيدة عن دول العالم وأهم معالمها ومناسباتها العالمية.. وهكذا استفدت من صفيحة الزبالة. وغاية ما أريد أن أقوله: ((إنه ينبغي أن ينظر الإنسان إلى الجوانب المضيئة من الأشياء.. فكل مظلم معتم يجب أن يكون فيه ولو بصيص من نور... هذا البصيص هو الأمل الذي يجعلنا نتمسك بالحياة، هو الخيط الذي نتعلق به كي لا نسقط في دوامة اليأس)). نقلا عن موقع "محاورات المصريين"