رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    على رأسها البتكوين، انخفاض أسعار العملات المشفرة اليوم الجمعة    الديكتاتور!    أخبار الرياضة اليوم: الأهلي يكتسح البنزرتي التونسي بخماسية.. الزمالك يسقط بهدف أمام وادي دجلة.. أحمد عبد القادر يرفض عرضا أجنبيا جديدا لهذا السبب    فوت ميركاتو: سعود عبد الحميد إلى تولوز الفرنسي    البدري يتصدر.. أهلي طرابلس ينتصر في بداية مرحلة سداسي تتويج الدوري الليبي وخسارة كهربا    "ناصر" يلحق بأبنائه الستة بالمنيا.. وقبر العائلة يُفتح للمرة السابعة في 14 يومًا    فيديو وصور- الجمهور يحاصر أمير كرارة وهنا الزاهد بالعرض الخاص لفيلم "الشاطر" في دبي    وزير الخارجية يفتتح مصنع «سيلتال» المصري لإنتاج الأجهزة الكهربائية في السنغال    محافظ قنا يزور أديرة نقادة استعدادًا لانطلاق مهرجان الحرف التراثية    خارجية فلسطين تثمن دور مصر الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى    «الخطيب هو إللي عمل كدة».. نقاش حاد على الهواء بين إكرامي وأحمد سليمان    التحالف الوطني: جاهزون لاستئناف قوافل دعم الأشقاء في غزة فور عودة حركة المعابر لطبيعتها    زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من التمويل لمواصلة الحرب ضد روسيا    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء.. والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يتابع جهود الفرق الطبية باحتفالات العيد القومي    علاقة التوتر بارتفاع ضغط الدم وتأثيره على صحة القلب    لدمج ذوي الهمم في سوق العمل| فرص جديدة بمنشآت القطاع الخاص في الإسكندرية    أحمد سعد ل علياء بسيوني: «كل سنة وانتي فاكهة حياتي» | شاهد    الشيوخ اختبار الأحزاب    «الجوز» ومرض السكري.. وجبة مثالية بفوائد عديدة    حدث في 8ساعات| دخول 161 شاحنة مساعدات لقطاع غزة.. وموعد انكسار الموجة شديدة الحرارة    بالأسماء.. إصابة 8 عمال زراعيين في انقلاب سيارة على صحراوي البحيرة    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    ترامب: لم نركز على اتفاقية تجارية مع كندا    ضبط مواد غذائية غير صالحة وسجائر مجهولة ودقيق مهرب بالإسكندرية    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    ترامب: أُفضل الدولار القوي رغم فوائد انخفاضه لقطاع التصنيع    أنوشكا: تخوفت من فارق السن مع كريم فهمي في «وتقابل حبيب» (فيديو)    «ابتدينا» لعمرو دياب يواصل اكتساح منصات الموسيقى العربية    أسعار حديد التسليح مساء اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    «كونغرس العربية والصناعات الإبداعية» يعقد فعالياته في أبوظبي    مهرجان البحرين السينمائي يكشف عن هويته الجديدة ويستعد لدورة خامسة تحت شعار قصص عظيمة    معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية يواصل جهودة لدعم التصنيع الغذائي في مصر    جيسوس يوجه رسالة إلى جماهير النصر    الجيش اللبناني يُشارك في إخماد حرائق بقبرص    نيابة باب شرقي تطلب تحريات اتهام شخص بهتك عرض طفل في الإسكندرية    ثلاثي وادي دجلة إلى نصف نهائي بطولة العالم لناشئي الاسكواش    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    برنامج تأهيلي مكثف لنجم الهلال السعودي    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    شرطة النقل تضبط 1411 قضية متنوعة في 24 ساعة    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لكى تتنبه لجنة الخمسين إلى ما أغفلته لجنة العشرة
نشر في صدى البلد يوم 27 - 08 - 2013

كان إهدار حرية الصحافة والإعلام إحدى أهم القضايا التى أثارت جدلاً واسعاً تجاوز حدود الجمعية التأسيسية التى وضعت مشروع دستور 2012، بل قبل أن تبدأ هذه الجمعية عملها فى 18 يونيو من ذلك العام، ولذلك كان واجبا أن توضع هذه القضية فى مقدمة جدول أعمال لجنة الخبراء التى أجرت التعديلات الأولية لهذا الدستور، ولكنها أغفلتها تماما، ولم تقترب من المواد المتعلقة بها رغم أن التعديلات التى أجرتها شملت نحو 130 مادة أخرى.
وقد أصبح هذا الواجب الوطنى والديمقراطى على عاتق لجنة الخمسين فى الأيام القادمة، وتسهيلاً لدور هذه اللجنة فى توفير الضمانات اللازمة لحرية الصحافة والإعلام، نضع بين أيديها وأمام الشعب صاحب المصلحة الأولى فى حماية هذه الحرية، أهم ملامح المعركة الكبرى التى دارت حولها فى الجمعية التأسيسية لدستور 2012.
فكان المجلس الأعلى للصحافة قد بادر فى مارس 2012 بوضع الضمانات الأساسية التى يُفترض أن يتضمنها أى دستور يحرر الصحافة والإعلام من القيود التى ينتشر فى ظلها الظلم والتسلط والفساد، كما تحرك مجلس نقابة الصحفيين فى الوقت نفسه، وبالتزامن مع بدء أعمال الجمعية التأسيسية، لتقديم تصور لهذه الضمانات تطابق تقريبا مع ما اقترحه المجلس الأعلى للصحافة.
فقد كان التركيز فى كل منهما على خمس ضمانات أساسية:
1- إن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية واعتبارية حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وإصدار الصحف بمجرد الإخطار، ويتضمن هذا الاقتراح مبدئين جديدين لم ينص عليهما دستور 1971، وهما حق الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) فى ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وأن يكون إصدار الصحف بالإخطار.
2- حظر فرض رقابة على الصحف وغيرها من وسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها أو إلغائها سواء بالطريق الإدارى أو القضائى، وعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى جرائم النشر باستثناء ما يتعلق منها بالطعن فى أعراض الأفراد والحض على الكراهية والتمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين أو الأصل أو العرق.
3- أن تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية باعتبارها منبراً للحوار الوطنى.
4- أن يقوم على شؤون الصحافة والإعلام مجلس أعلى مستقل عن جميع السلطات ويكون مسؤولاً عن صيانة الحقوق والحريات الصحفية والإعلامية وعن متابعة التزام الصحف ووسائل الإعلام بتقاليد الممارسة المهنية.
5- ضمان حق الحصول على المعلومات بكل أنواعها وتداولها والاطلاع على الوثائق الرسمية التى تتعلق بالمصالح العامة، والتزام مؤسسات الدولة والمجتمع بمبادئ الشفافية والإفصاح.
بداية غير مبشرة
ورغم أننى قدمت هذه المقترحات منذ اليوم الأول الذى بدأت فيه الجمعية عملها وتحدثت بشأنها مع معظم أعضاء لجنة الحقوق والحريات فى هذه الجمعية إلا أنها ضربت عرض الحائط بها عندما أعدت مشروعها المبدئى.
فقد تضمن ذلك المشروع توسعاً شديداً وخطيراً فى العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر التى كنا نطالب بنص على عدم جواز فرضها، كما تم توسيع نطاق هذه العقوبات لتشمل جريمة لا توجد فى قانون العقوبات ولا يمكن تحديد أركانها أصلا، وهى ما أُطلق عليه النيل من سمعة الأشخاص، فهذا تعبير فضفاض للغاية ينطوى على تهديد خطير للعمل الصحفى والإعلامى. كما خلا المشروع من حق الأشخاص الطبيعيين «الأفراد» فى إصدار الصحف، ومن ضمان استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها الدولة أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية.
وفى الوقت الذى كنتُ أحاول فيه تعديل هذا المشروع، نشر الأستاذ صلاح عيسى مقالة فى صحيفة «الأهرام» فى عددها الصادر يوم 24 يوليو 2012 تحت عنوان «حرية الصحافة فى مناقشات تأسيسية الدستور» لفت فيها الانتباه إلى هذه المثالب. واتصلتُ به هاتفيا فور إطلاعى على مقالته وأبلغته بأننى أحاول إنقاذ الموقف.
وعندما لم تفلح هذه المحاولة فى داخل اللجنة التى وضعت المشروع، قمتُ بتقديم مذكرة فى 31 يوليو 2012 إلى لجنة الصياغة التى أُرسل إليها هذا المشروع نبهتُ فيها إلى هذا الخطر على حرية الصحافة والإعلام. وجاء فى هذه المذكرة: « ورد فى مشروع لجنة الحقوق والحريات نص مبدئى شديد الخطر على الحريات بشأن جرائم النشر - المادة 21 فى المشروع - لأنه يتضمن توسعا هائلا وغير منضبط فى الاستثناء من العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر». وطالبت بضرورة «تجنب فضيحة تاريخية يمكن أن تترتب على دسترة حبس كل من يعبر عن رأيه بطريقة من طرق العلانية وليس الصحفيين وحدهم». كما تضمنت المذكرة ضرورة إضافة الاقتراح الذى استبعدته اللجنة بشأن ضمان استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها الدولة أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية، وأهمية النص على حق الأفراد وليس فقط الأشخاص الاعتبارية والأحزاب السياسية فى إصدار الصحف.
وأشار الأستاذ صلاح عيسى إلى هذه المذكرة فى مقالته بصحيفة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر فى 4 أغسطس 2012 تحت عنوان «فضيحة تاريخية فى تأسيسية الدستور».
ولم يكن أى من أعضاء الجمعية المنتمين إلى نقابة الصحفيين قد أبدى اهتماما بهذه القضية حتى ذلك الوقت، وهم الأساتذة فاروق جويدة ومحمد عبد العليم داوود، ود. أيمن نور، فضلاً عن نقيب الصحفيين فى ذلك الوقت ممدوح الولى.
وكان هذا هو بعض ما أردت التنبيه إليه فى مقالتى المنشورة فى «الأهرام» فى عددها الصادر يوم 20 أغسطس 2012 تحت عنوان «حرية الصحافة والرأى فى الدستور».
تحول إيجابى مؤقت
ورغم قلة اهتمام الصحفيين والإعلاميين على هذا النحو، فقد أحدث التحرك الذى قمتُ به والحرص الذى أبداه قليل منهم بعض النتائج الإيجابية التى حدث التفاف عليها بعد ذلك، فقد اتجهت لجنة الصياغة إلى مراجعة صياغة النص الذى جعل الاستثناء من العقوبات السالبة للحرية هوالقاعدة فى جرائم النشر، وإعادته إلى لجنة الحقوق والحريات التى وافقت على تصحيحه وفقا لاقتراح نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة.
فكان النص الوارد فى مشروع لجنة الحقوق والحريات هو: «لا يجوز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الدعاء المباشر، ولا تُوقع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالنيل من سمعة الأشخاص أو أعراضهم أو سبهم أو قذفهم أو الحض على العنف والتمييز». وأصبح النص بعد تصحيحه مقصورا على جزئه الأول وهو «لا يجوز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا تُوقع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم). وقد أثار هذا التصحيح حفيظة بعض أبرز ممثلى «الإخوان» والسلفيين فى الجمعية، ولكنهم فيما يبدو أرجأوا العصف به إلى وقت لاحق، خصوصا بعد أن أسرعتُ بإعلانه يوم 7 أغسطس 2012 فى بيان رسمى أصدرتُه بصفتى متحدثاً باسم الجمعية.
وتضمن ذلك البيان، الذى نُشر ملخصه أو مضمونه فى معظم الصحف الصادرة يوم 8 أغسطس 2012، توضيح التطور الإيجابى الذى حدث بشأن العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر على النحو الذى سبقت الإشارة إليه، وكذلك إقرار حق الأفراد فى إصدار الصحف إلى جانب الأشخاص الاعتبارية والأحزاب السياسية.
غير أنه نظراً لاستمرار التوتر داخل الجمعية بشأن حرية الصحافة والإعلام على وجه التحديد فى مناخ ساده ميل غالب فى أو ساط «الإخوان» والسلفيين إلى تقييدها، كان ضروريا مواصلة الضغط الذى لم يكن لدينا سوى القليل من أدواته. وطُرحت فى هذا السياق فكرة عقد لقاء بين أعضاء لجنة الحقوق والحريات فى الجمعية وعدد من كبار الصحفيين والخبراء فى شؤون الإعلام. وتم هذا اللقاء يوم 8 أغسطس 2012 بحضور الأساتذة صلاح منتصر ورجائى الميرغنى وياسر عبدالعزيز إلى جانب الأستاذ صلاح عيسى. وشهد اللقاء نقاشا أظهر مجدداً أن التقدم الذى حدث عبر إعادة صياغة بعض المواد المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام محفوف بالخطر، وخصوصاً فيما يتعلق بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر.
ولذلك كان تقديرى للموقف هو أن الهجوم قد يكون وسيلة للدفاع عما وصلنا إليه مبدئيا. ولذلك قمتُ بإعداد مذكرة تتضمن مطالب إضافية من واقع ما طرحه الزملاء الذين التقوا لجنة الحقوق والحريات يوم 8 أغسطس. وتضمنت هذه المذكرة التى قدمتُها إلى لجنة الصياغة يوم 12 أغسطس 2012، ملخصاً لأهم المقترحات المستمدة من المناقشات التى حدثت فى ذلك اللقاء، وهى:
1- استبعاد عبارة « بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة أو حقوق الغير»، التى وردت فى نهاية المادة الخاصة بحرية الرأى والفكر، على أساس أن فيها تكراراً معيباً لوجود نص آخر فى مشروع الدستور يؤكد عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة بشكل مطلق سواء فى التعبير عن الرأى والفكر أو غيره.
2- إعادة تأكيد ضرورة إلغاء النص الذى يسمح بوقف الصحف وتعطيلها وإلغائها بالطريق القضائى.
3- ضرورة النص على استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها الدولة أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية. واتبعتُ تلك المذكرة بأخرى قدمتُها فى 16 أغسطس 2012 أوضحت فيها أهمية الإسراع بنظر ما جاء فيها. وقد أسرعتُ بتقديم المذكرة الثانية بعد أربعة أيام فقط لسببين: أولهما أننى لاحظت تباطؤ الأمانة العامة فى توزيع المذكرة الأولى على أعضاء لجنة الصياغة. ولم يكن دور هذه الأمانة فى توجيه العمل فى الجمعية فى اتجاه معين قد اتضح بدرجة كافية فى ذلك الوقت.
أما السبب الثانى فهو السعى إلى إنهاء الموقف الذى يضمره «الإخوان» فى الوقت الذى صدرت فيه تصريحات منسوبة إلى وزير العدل القريب جداً منهم ووزير الإعلام الذى ينتمى إليهم تفيد بعدم إمكان إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر.
أما السبب الثالث، والذى كانت دلالته تؤكد المخاوف من موقف القوى المهيمنة على الجمعية تجاه حرية الصحافة والإعلام، فكان متعلقاً بآخر مسودة صادرة عن لجنة الصياغة حتى ذلك الوقت. فقد بقى النص الذى يجعل الاستثناء عن العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر هو القاعدة فى تلك النسخة مع إشارة إلى إعادته إلى لجنة الحقوق والحريات، رغم أن هذه اللجنة كانت قد وافقت على تعديله لإلغاء هذه العقوبات كما سبقت الإشارة.
وقد نبهتُ فى المذكرة التى قدمتُها إلى رئيس الجمعية وطلبتُ إطلاع هيئة المكتب عليها إلى أن سابقتها «التى طلبتُ من الأمانة العامة توزيعها على أعضاء لجنة الصياغة منذ يوم 12/8/2012 لم تصل إلى بعضهم وربما الكثير منهم». وقُلت مخاطباً رئيس الجمعية: « وإننى إذ أخشى أن تصل الجمعية إلى مشروع دستور مختلف عما نطمح إليه على نحو يسىء إلى الأعضاء الذين يحرصون على تاريخهم ودورهم فى النضال من أجل حرية شعبنا وحقوقه، أدعو سيادتكم إلى التدخل لضبط الأداء من الآن لكى نتجنب ما قد لا يُحمد عقباه فى النهاية».
وقد تعمدتُ الإشارة إلى التاريخ وما يمكن أن يسجله على من كان لهم دور فى النضال من أجل حرية شعبنا وحقوقه عند مخاطبة رئيس الجمعية أملا فى ألاَّ ينسى أنه كان واحداً من هؤلاء.
ورغم معالجة النص الخاص بالعقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر لينسجم مع حرية الصحافة والإعلام فى المسودة الثانية للقراءة الأولى للجنة الصياغة قبيل إجازة عيد الفطر (18 - 20 أغسطس 2012) مباشرة، لم يكن المناخ السائد فى الجمعية مطمئنا بشأن الحريات بوجه عام.
وقد حدث ما توقعتُه بالفعل، حيث ظل الأمر سجالاً داخل الجمعية بشأن قضية حرية الصحافة والإعلام، الأمر الذى دفعنى وعدداً من ممثلى القوى الديمقراطية فى تلك الجمعية إلى وضع هذه القضية ضمن قائمة القضايا التى طالبنا بضرورة التوافق عليها وعدم إخضاعها للتصويت عندما بدأ التفاهم على ضرورة عقد جلسات غير رسمية بين ممثلين للأطراف الأساسية فى الجمعية سعياً إلى هذا التوافق الذى لم يتحقق فى النهاية.
فرغم الاتفاق مع ممثلى «الإخوان» فى المفاوضات التوافقية على ضرورة مراجعة المواد الخاصة بحرية الصحافة والإعلام خلال هذه المفاوضات التى بدأت متعثرة، فوجئنا بوضع مسودة جديدة «ثالثة» لباب الحقوق والحريات العامة على الموقع الإلكترونى للجمعية يوم 17 سبتمبر، بالمخالفة لهذا الاتفاق، الأمر الذى فاقم مخاوفنا بشأن قضايا الحقوق والحريات عموما، وحرية الصحافة والإعلام خصوصاً.
ومما فاجأنا فى تلك المسودة بوجود النص الذى يجيز إنذار الصحف ووقفها وإلغائها بحكم قضائى، ويعيد بالتالى عقوبة سبق رفعها من قانون العقوبات عام 2006 عندما تم إلغاء المادتين اللتين كانتا تجيزان ذلك. كما فوجئنا باستبعاد المادة التى كانت تحمل رقم 12 فى المسودة السابقة، والتى بذلتُ جهداً كبيراً لتمريرها، وهى التى تنص على أنه « لا يجوز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم»، وعدم إدراج المادة التى سبق التفاهم على وضعها والتى تنص على أن «تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام المملوكة لها عن كل السلطات والأحزاب، لتكون ساحة للحوار بين كل التيارات».
وبعد أن كان الأستاذ صلاح عيسى قد عبر فى مقالته بصحيفة «المصرى اليوم» فى 15 سبتمبر عن قدر من الارتياح لوجود هاتين المادتين فى المسودة الثانية لباب الحقوق والحريات العامة، والتى اطلع عليها عندما شارك فى مناقشة لهذه المسودة أجرتها لجنة المقترحات والتواصل الاجتماعى فى الجمعية يوم 9 من الشهر نفسه، عاد يدق ناقوس الخطر مجدداً فى مقالته بالصحيفة نفسها فى 22 سبتمبر.
فقد تم حذف المادة 12 التى كانت تنص على عدم توقيع عقوبات سالبة فى جرائم النشر، وهو ما علق عليه عيسى بقوله: « ومعنى هذا أن أسيادنا الذين فى التأسيسية يصرون على الحفاظ على عقوبة الحبس فى جرائم النشر».
كما أضيف فى هذه المسودة إلى المادة 10 جواز تعطيل الصحف وإغلاقها بغير الطريق الإدارى، رغم أن هذه العقوبة ألغيت من قانون العقوبات وفق التعديل الذى حدث فيه بموجب القانون 147 لسنة 2006.
المحاولة الأخيرة
وما أن عرفتُ بوجود تلك المسودة فى حينها حتى قدمت مذكرة فورية إلى لجنة الصياغة يوم 17 سبتمبر من ثلاث نقاط. فقد أشرت أولاً إلى أن المسودة السابقة لباب الحقوق والحريات كانت أفضل وخصوصاً فى المواد المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام والتعبير. وعبرتُ - ثانيا - عن بالغ الدهشة بسبب الإصرار على تعطيل الصحف وإلغائها بحكم قضائى، رغم أن هذه العقوبة لم تعد موجودة فى التشريع المصرى، وأنها عقوبة جماعية يؤدى تطبيقها إلى تشريد كل العاملين فى صحيفة، لأن واحداً فقط ارتكب خطأ. وأكدتُ - ثالثا - رفض استبعاد المادة 12 التى وردت فى المسودة السابقة وتضمنت النص على عدم توقيع عقوبات سالبة الحرية فى جرائم النشر، موضحا مرة أخرى عدم سلامة الزعم بأن فى هذا النص تمييزاً للصحفيين على غيرهم لأنه ينطبق على كل من يعبرون عن آرائهم بمختلف وسائل العلانية.
والتقيتُ مساء اليوم التالى (18 سبتمبر) بعدد من الزملاء المعنيين بحرية الصحافة والإعلام والمناضلين من أجلها، وهم جمال فهمى ويحيى قلاش وخالد داوود، حيث أطلعتُهم على هذه التطورات السلبية وناشدتُهم التحرك من خلال نقابة الصحفيين ومختلف المنتديات التى يمكن أن تتبنى حملة لإنقاذ هذه الحرية مما يُدبر لتقييدها. ورغم أن الاتجاه إلى هذا التقييد كان قوياً فقد أصر المؤمنون بهذه الحرية على الدفاع عنها حتى النهاية وإلى أن ثبت لهم عدم جدوى الاستمرار فى الجمعية فقرروا الانسحاب منها فى أول نوفمبر 2012، بعد إخفاق المحاولات التى بذلوها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتوجد هذه التعديلات ضمن أو راق الجمعية التأسيسية السابقة فيما يُعرف بالأعمال التحضيرية للدستور بتاريخ 9 أكتوبر 2012 ضمن تصور متكامل للمواد التى طالبنا بضرورة أن يتضمنها مشروع الدستور تحت عنوان: القضايا الأساسية ورؤيتنا للتوافق عليها.
فكانت البنود الرابع والخامس والحادى عشر فى ذلك التصور كالتالى:
وقف الصحف وإغلاقها أو إلغائها:
النص المختلف عليه: «حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على ما تنشره محظورة، ولا يكون إنذارها ولا وقفها ولا إلغائها إلا بحكم قضائى، ويجوز استثناء فى حالة إعلان الحرب أن تفرض عليها رقابة محددة» المادة 10 حقوق وحريات.
النص الذى نقترحه: كما هو مع استبدال عبارة « لا يجوز إنذارها ولا وقفها ولا إلغائها بأى طريق» بالعبارة القائلة «ولا يكون إنذارها ولا وقفها ولا إلغائها إلا بحكم قضائى» المادة 10 حقوق وحريات.
حرية التعبير:
إعادة النص الذى ورد فى القراءة الأولى للجنة الصياغة واستُبعد فى القراءة الثانية، وهو:
«لا يجوز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر إلا عن طريق المجنى عليه، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم» المادة 12 حقوق وحريات.
استقلال وسائل الإعلام المملوكة للدولة:
إضافة عبارة « تضمن الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية، وأن تكون منبراً للحوار الوطنى العام» ضمن النص الخاص بمجلسى الإعلام المرئى والمسموع والصحافة (مادة 218 فى دستور 2012).
وهذه تحديدا هى التعديلات المطلوبة الآن لتحقيق ما ناضلت من أجله أجيال لكى تكون حرية الصحافة والاعلام أداة من أدوات بناء مصر المتحررة من التسلط والظلم والفساد.
نقلاً عن المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.