في خضم انشغالك في الحياة وفي سعيك الدائم نحو بعض من أهدافك سوءً طويلة الأجل أو قصيرة الأجل قد تخرج منك الأمور عن تخطيطك – هذا في حال أنك تهتم بتخطيط حياتك – وتصبح في حالة من الانشغال حتى إنك تكاد تغرق في تفاصيل دقيقة تتعلق ببعض الصعوبات اليومية والتي قد تنسيك بعضًا من أهدافك المهمة. لذا فإني أحب أن أتخذ من لعبة الشطرنج – على الرغم من كوني من غير محترفيها – مثالاً جيدًا على الحياة وكيف تسير فيها الأمور كما أنها أيضًا مثال جيد لتقييم نفسك وقياس مدى تقدمك في أهدافك. لعبة الشطرنج من الألعاب العالمية الشهيرة التي تعتمد على الذهن والتفكير وهي منتشرة في جميع دول العالم وقلما تجد أحدًا لم يمارسها على الأقل وهو صغير، ولمن لا يذكر اللعبة فإنها تحتوي على لوحة مقسمة إلى 64 مربعًا من لونين بحيث يكون كل مربع من لون وبجانبه مربع من اللون الثاني التي غالبًا بالأبيض والأسود ويملك كل لاعب 16 قطعة تتحرك كل منها باتجاهات محددة، والأحجار هي 8 جنود، وقلعتان وأحيانًا تسمى رخ، وحصانين، وفيلين، ووزيروملك. ويعود تاريخ بداية اللعبة على أغلب الآراء أنها نشأت في الهند كما يقال إنها عربية الأصل اخترعها أحد الخدم المتواجدين عند شاه يسمّى طرنج وأطلق اسمه عليها "الشاه طرنج" وبعد أن اخترعها الخادم أعجب بها الشاه طرنج بها وطلب منه أن يختار هو المكافأة مهما كانك قيمتها فطلب الخادم أن يوضع له في مربع الرقعة حبة قمح واحدة ثم يضاعف الرقم في المربع الثاني ثم يرفع القيمة (التي هي 2) مربع فتصبح في المربع الثالث 4 حبات ثم ترفع القيمة مربع في المربع الرابع وهكذا حتى ينتهي عدد المربعات على رقعة الشطرنج. فاستغرب الملك هذا الزهد في الطلب، إلا أن مكتشف اللعبة أصر على طلبه، وعند تنفيذ رغبته تبين للملك بان محتويات كل مخازنه من القمح لا تكفي تسديد هذه الهدية التي بلغت مايعادل 36 مليون ترليون حبة قمح. بالعودة للحياة فإنه من السهل جداً تشبيهها برقعة الشطرنج حيث تتكون من لونين مختلفين وهما في الحقيقة يدلان على التنوع وأن الحياة قد تمنحك فكرة مختلفة يكون مصدرها قريبًا منك، أما عن القطع فإن الجنود تكون في المقدمة، حيث يكون المنوط بهم تلقي الأوامر والتفيذ فقط، وفي الحقيقة قد يبدأ معظمنا - وأنت وأنا وكثيرون – الحياة في موقع الجنود بدءًا من البيت، حيث يرأس توجيهنا الوالدان مرورًا بالمراحل الدراسية حتى مرحلة بدء الحياة العملية، قد تتقبل فكرة وجودك في موقع الجندي ولكن هذا لا يجب أن يطول ويجب أن تعمل على أن تنتهي من هذه المرحلة قدر ما تستطيع بزيادة العلم والعمل وتدوين خبراتك وخبرات المحيطين بك، أن فكرة وجود محيطين بك هي أيضًا مستواحها من تواجد القطع الخاصة بكل فريق متجاورة وقد يحدث أن يحرك اللعب قطعة لإنقاذ قطعة أخرى أو للمناورة لتفيذ عملية، إنك تلاحظ من اللعبة أنه في الغالب أول ما يقع من القطع يكونون من الجنود ولكن الجندي الذي ينجح في الإفلات والوصول للخطوط النهائية للعدو فإنه يتحول إلى مستوى أرقى كأن يكون وزير مثلاً. أن ما يميز اللعبة أن كل القطع مكشوفة لكلا الطرفين وهو ما يعني أن كل شيء مهما طال في الحياة سوف يُعرف وينكشف، إن لم يكن معروفًا من الأساس دون أن تدري. أيضًا تحمل اللعبة قدرًا كبيرًا من المناورة والكر والفر وهو ما قد تطلبه الحياة منك في وجود مرجعيات سليمة لتحركاتك، وهي أيضًا تعمل على زيادة القدرة على التصرف في الأوقات الحرجة، حيث تكون في أصعب الظروف. إن من أجمل الحكم في اللعبة هي عدم اليأس لأن سقوط قطعة من أحد اللعبين ليس معناه النهاية بل قد تزيد القدرة على التصرف وهي من الأشياء المهمة في الحياة أن تعمل على الاستفادة من كل فشل وتجعل منه فرصة لشحذ همتك لتتغلب على مشكلاتك. أن اللعب يقوم بحساب كل تحركاته بدقة قبل أن يقوم بها، بل إنه قد يحاول استنتاج ما قد يترتب على الحركة التي سوف يقوم بها ولو أنك استخدمت تفس المبدأ في الحياة وقدمت بحساب تحركات بدقة وفكرة فيما يمكن أن تترتب عليها أقوالك وأفعالك فإنني أعتقد أنك وببعض الاجتهاد سوف تحقق نجاحًا عظيمًا.