اعتاد الصوماليون أن يستقبلوا شهر رمضان بكل حفاوة وترحاب، ومنذ زمن بعيد يصوم الصوماليون شهر رمضان بالكامل مضافاً إليه 6 أيام من شهر شوال كما أنهم يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع على طوال العام. مع بداية شهر رمضان تتسابق الأسر الصومالية لإقامة سهرات قرآنية على الطريقة الصومالية التقليدية المعروفة ب «السُّبَع»، وهي عبارة عن حلقة قرآنية يقيمها 10-15 قارئاً، يتبارك بها الصوماليون، ويتم على هامشها تقديم الطعام للفقراء وطلبة العلم غير القادرين. وحتى الأسر متوسطة المستوى المادي فهي تنظم 3 جلسات على الأقل خلال الشهر الكريم، ويشارك في هذا «السُّبَع» المعلمون وطلبة العلم وحفظة القرآن حيث يقرأ كل منهم ربعاً من آيات القرآن، ويردد جميع المشاركين آخر آية في كل ربع بصورة جماعية. وقد اعتاد الصوماليون وضع إناء فيه ماء وقليل من الملح وسط الحلقة ويدار على القراء حتى آخر القراءة، ويعتقد الصوماليون أن هذا الماء الذي قرئ عليه القرآن يجلب الشفاء للمرضى ويطرد العين! وبعد انتهاء القراءة والتهليل يشرب أعضاء الأسرة التي استضافت تلك الحلقة ذلك الماء الذي يعرف ب «ماء التهليل». ويستفيد الفقراء بشكل كبير من تلك المأدبة الرمضانية حيث يتناولون طعام الإفطار في المنازل التي تقيم «السبع»، ويهتدون إلى ذلك بالصوت الجماعي المرتفع الذي ينبعث من المكان المقامة به «السبع». وتكرم العائلات ميسورة الحال التي تقيم حلقات «السُّبَع» حفظة القرآن الكريم وطلاب العلم، وتقيم موائد عامرة طوال شهر رمضان، وتوزع عليهم كسوة العيد التي تتكون عادة من فوطة صومالية أو ما يسمى ب «المعوز» وقميص ومسبحة ومصحف، بالإضافة إلى مبلغ رمزي من المال. وفي رمضان تكفل كل أسرة طالباً أو اثنين حسب الإمكانات ويتناول الطلاب مع تلك الأسر وجبتي الفطور والسحور، وينامون في الزوايا الصوفية في المساجد، وتحظي هذه الفئة من الطلبة بتعاطف كبير داخل المجتمع التقليدي الصومالي، إذ يعرفون بهيئتهم وهي غالباً فوطة وعمامة وكتاب، حتى إن وسائل المواصلات لا تحصل منهم على رسوم. وتقام العبادات الدينية في الصومال في رمضان كل يوم كما أن الصومال فيه أكبر عدد من حفظة القرآن على مستوى العالم الإسلامي كله وتكاد تكون الدولة بالكامل هي الدولة الأولي في حفظ القرآن. ومن اشهر الطقوس الصومالية عند استقبال الشهر الكريم أن يستقبلوه بالطلقات النارية وما زالت تلك العادة الصومالية تحدث حتى الآن. وفي رمضان تقدم على مائدة الفطور مشروبات ومأكولات خفيفة ويتناول الصائم مشروبات من عصير المانجو والجوافة وكذلك يتم تناول الموز الموجود بكثرة في الصومال وأيضاً البطيخ والباباي واللبن الذي يشكل وجبة أساسية في الصومال خاصة في المناطق الجنوبية وحتى في العاصمة الصومالية يداوم الصوماليون الذين يشكل الرعاة أكثر من 70% منهم في رمضان على تعليق قِرَبٍ مملوءة بالحليب أمام أكواخهم وبيوتهم لإفطار الضيوف، ولا يحتاج المسافر أو الصائم إلى إذن مسبق للشرب من هذه القرب ثم يجلس بعد ذلك في الأماكن المخصصة للضيوف حتى يأتي فرد من العائلة ليدبر له طعاماً. وتلقى المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان تشدداً كبيراً لدى المجتمع الصومالي؛ حتى إن الفئات المسموح لها بالإفطار تتناول طعامها في سرية تامة، ولا يجرؤ أي مطعم على مخالفة ذلك المظهر. وتتشكل في رمضان جماعات مسلحة من الشباب المتطوعين تحاول منع أي محاولة لتقديم الطعام للمفطرين، وتمارس الميليشيات نشاطها تحت سمع وبصر الشرطة الصومالية نفسها. ويتوجه الصائم الصومالي بعد إفطاره إلى المسجد لأداء صلاة المغرب وبعد العودة من الصلاة يتناول الصائم فطوراً مكوناً من الأرز والخضراوات والشعرية والمكرونة والعصيدة واللحوم. ويفطر الصوماليون على أكلة العركيك «اللحوح» مع السمن والحليب، ويفطرون على السمبوسة مع تناول لحم الجِمَال والأرز والخضراوات. كذلك يؤدي الصوماليون صلاة التهجد، ومن أهم ما يميز الصوماليين أن كل وجبة من وجبات شهر رمضان المعظم تطبخ في موعدها على أن تكون عملية الطبيخ جديدة بمعنى ألا يأكل الصوماليون بقية الوجبة الماضية بل يطبخون من جديد كل وجبة. أما السحور في الصومال فيعتمد الناس فيه على الحليب والشعرية والمكرونة حيث تبدأ مراسم السحور، وتكون كالتالي: بداية تقوم مجموعة من الشباب يتجولون في الطرقات ويضربون الدفوف ويقولون سحور.. سحور.. سحور.. وذلك يحدث قبل الفجر حتى يتمكن الناس من أداء فريضة صلاة الصبح وأحياناً يطوف أحد الرجال في الشوارع ليضرب بعصاه على الطبل ليوقظ النائمين للسحور وفي سحورهم يتناولون «الهريس» وهو من لحم الجمل والبطاطا، والطماطم بشكل مرق مع شرب عصير التفاح والبرتقال. أما عن العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم فإن الصوماليين يقومون هذه الليالي بكل جد وتكثر الاعتكافات في المساجد بدءاً من يوم 21 رمضان وحتى نهاية الشهر الكريم مع نشاط كبير لحلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم وتفسير الأحاديث، كما يقوم الوعاظ بترجمة فورية للقرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الصومالية ويحرص الصوماليون أيضاً على دفع زكاة أموالهم في شهر رمضان المبارك، حيث يعتبر الرعاة أكبر الفئات التي تدفع الزكاة في المجتمع الصومالي باعتبارهم يمثلون أغلبية المجتمع، فيما تشهد المناطق الريفية تزاحماً كثيفاً من جانب الفقراء في مناطق الرعي من أجل تسلم الزكاة من المزكين. أما الرعاة فيدفعون الزكاة من مواشيهم في الماضي في شهر محرم من كل عام الذي كان يعرف محليا ب «شهر الزكاة»، وأخيراً آثرت فئة كبيرة من المزكين تغيير توقيت إخراجها في رمضان بعد صدور فتاوى من عدد كبير من علماء الدين الصوماليين بأن الزكاة التي تدفع في رمضان يكون لها أجران.. أجر الزكاة الواجبة وأجر رمضان.