"انقاذ غابات الأمازون" ورقة ديسيلفا الرابحة لإحياء علاقات البرازيل مع الاتحاد الأوروبي

تمثل غابات الأمازون التى تمتد عبر دول أمريكا الجنوبية حالة صارخة للآثار المدمرة الناتجة عن التغيرات المناخية ، فوفقا للتقارير الصادرة عن منظمة البيئة العالمية تشهد تلك الغابات التي يمتد الجانب الأعظم منها في أراضي البرازيل حالة من التقحل والتصحر و تراجع المساحات الخضراء فيها ، و هو ما يترتب عليه تراجع مستويات هطول الامطار على الغابات و اشتعال الحرائق فيها بشكل مستمر .
ولم يكن غريبا إذن أن يكون أول تعهد له بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية التى شهدتها البرازيل مؤخرا ، تأكيد رئيسها لولا ديسيلفا أن " انقاذ غابات الأمازون " هو الاولوية الاولى لادارته توازيا مع برنامجه لإنعاش اقتصاد البلاد بالتعاون مع الشركاء الدوليين ، كما تعهد ديسيلفا باتخاذ حزمة من الاجراءات الصارمة لحماية البيئة فى بلاده و العمل على " انقاذ حياة غابات الامازون التى طالتها يد الإهمال فى الفترة الاخيرة و اثر على قدرتها فى انتاج الامطار " .
ويقول المراقبون إن ادارة الرئيس ديسيلفا – المشاركة بلاده بوفد رفيع فى قمة شرم الشيخ للمناخ حاليا – قد اعدت مخططا لمسح غابات الامازون التى تعد احدى الرئات الخضراء فى العالم بما تمتصه اشجارها من انبعاثات ثانى اوكسيد الكربون و تنتج بدلا منه الاكسوجين الى اجواء العالم ، لهذا ترفع ادارة ديسيلفا شعارا يقول " انقاذ شجرة من اشجار غابات الامازون أهم من المال " وهو شعار يقول المراقبون انه يلخص برانامجه السياسى و يحدد عنوان توجهاته القادمة لاعادة ترميم علاقاته بالغرب .
وقد استقبلت الأوساط العالمية المهتمة بالبيئة تلك التعهدات من رئيس البرازيل بترحاب كبير عبر عنه رئيس الوزراء البريطانى الجديد ريتشى سوناك فى تغريدة فى مطلع نوفمبر الجارى مفادها " ان حكومة المملكة المتحدة تضع يدها فى يد البرازيل لحماية غابات الامازون التى تشكل احد الموارد الطبيعية الهامة لكوكب الأرض " .
الأمر الأكثر أهمية هو ما صدر عن مفوضية الاتحاد الأوروبي من ترحيب واضح بتعهدات دويسيلفا البيئية ، حيث قالت رئيستها ارسولا فون دى لين " انها ترحب بالتعاون مع حكومة ديسيلفا لانقاذ غابات الامازون ... " .
و يرى المراقبون أن هذا يعد تحولا في سياسات الاتحاد الأوروبي الذى تحفظ على ابرام اتفاقات للتجارة الحرة مع تجمع دول الميركوسر التى تضم البرازيل و جيرانها من دول أمريكا اللاتينية نتيجة ما اعتبره الجانب الاوروبى " تقصيرا من جانب حكومات تلك الدول في الاهتمام بقضايا البيئة و معالجة اسباب الاحتباس الحرارى " .
وفي العام 2019 قال الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون إن تراجع معدلات هطول الامطار على غابات الامازون نتيجة الاعتداء عليها يشكل تهديدا خطيرا لبيئة كوكب الأرض يتعين على الأوروبيين الانتباه له ، و تشير التقارير الصادرة عن منظمة البيئة العالمية ان مستويات هطور الامطار على غابات الامازون قد تراجع بنسبة 80 فى المائة فيما بين عامى 2004 و 2012 نتيجة انحسار المساحات الخضراء فى تلك الغابات و من ثم زيادة الانبعاثات الكربونية فى الأجواء.
ويقول المراقبون إن التعهدات التى صدرت عن رئيس البرازيل لولا ديسيلفا بانقاذ غابات الامازون ستكون عاملا حاسما لإعادة ترميم العلاقات التجارية و الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي و الغرب تستفيد منه البرازيل اقتصاديا و كذلك تستفيد منه كافة جيرانها من دول أمريكا الجنوبية.
فى السياق ذاته .. رحبت حكومة النرويج بخطة ديسيلفا لانقاذ غابات الامازون مؤكدة استعدادها لاستئناف برامج التعاون النرويجية – البرازيلية فى المجال البيئى حيث كانت النرويج حتى العام 2019 اكبر مانح تمويلى للبرازيل لانقاذ بيئة الأمازون بإجمالى خمسة مليارات كراونة نرويجية ( 485 مليون يورو ) .
يعد تجمع الميركوسر هو خامس اكبر تكتل اقتصادي خارج الاتحاد الأوروبي اذ يقدر حجم الناتج المحلى لدول التكتل بنحو 2ر2 تريليون يورو ، و يصل عدد سكانه الى 260 مليون نسمة ، كما يصل حجم صادرات دول الاتحاد الاوروبى 45 مليار يورو سنويا من المنتجات السلعية و 23 مليار يورو سنويا من الخدمات .
و يشكل هذا التجمع اهمية كبيرة بالنسبة للجانب الأوروبي كسوق كبير يرى الأوروبيين انهم بات عليهم اعادة الانفتاح عليه لا سيما فى ظل اوضاع الاقتصاد العالمي الصعبة فى الوقت الراهن ، ويضم هذا التجمع كل من البرازيل و الارجنتين و اورواجواى و باراجواى .
و تستهدف خطة ديسيلفا لانقاذ غابات الامازون وقف ما تشهده تلك الغابات من تصحر بنسبة لا تقل عن 89 فى المائة خلال الأعوام العشرة القادمة ، الا ان الخبراء يقولون ان الامر قد يستغرق امام ديسيلفا وقتا أطول من ذلك لإصلاح ما افسدته يد الإهمال البئيى لتلك الغابات فى عهد سلفه بولسونار الذى ترأس البرازيل فى العام 2019 ، وهو الإهمال الذى افقده دعم القوى الغربية المنزعجة من تصحر غابات الامازون و ربما افشله فى سباق الرئاسة امام ديسيلفا فى العام 2022 .
و تقول التقارير الصادرة عن وكالة الفضاء البرازيلية ان شهر أغسطس الماضى كان الأسوأ في حرائق غابات الامازون خلال الأعوام العشرة الماضية حيث شهد اغسطس الماضى وقوع 33 الف حريق فى غابات الامازون مقابل 28 الف حريق سجلتها الوكالة فى أغسطس 2021 .
كذلك زاد معدل حدوث الحرائق فى غابات الامازون خلال الفترة من يناير و حتى اغسطس 2022 بواقع 18 فى المائة مقارنة بالفترة المناظرة من العام 2021 ، وهو معدل الارتفاع الاعلى الذى يسجل خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة .