* فتاوى تشغل الأذهان * حكم بناء المقابر بالطوب الأحمر الحراري.. دار الإفتاء توضح * ما معنى حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها؟ * ما صحة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن؟ دار الإفتاء ترد
نشر موقع "صدى البلد"، خلال الساعات الماضية، عددا من الفتاوى الدينية المهمة التي تهم المسلم وتشغل أذهان الكثير من الناس. في البداية، وعن حكم بناء المقابر بالطوب الأحمر الحراري، سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية، يقول: "ما حكم الشرع في بناء المقابر بالطوب الأحمر الحراري (الذي به فتحات) والمعتاد استعماله في بناء البيوت؟". وأجابت دار الإفتاء، بأن دفن الميِّت فرض كفاية بالإجماع؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، ولما مات النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم اختلفوا في اللحد والشق وارتفعت أصواتهم، فقال عمر رضي الله عنه: "لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ النّبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ، فَجَاءَ اللَّاحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ دُفِنَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"، أخرجه ابن ماجه؛ فقد دلت هذه الأخبار على أنَّ اللحد أفضل من الشق إلا أن تكون الأرض رخوة يخاف منها انهيار اللحد، فيصار إلى الشق؛ وهو حفرة مستطيلة في وسط القبر تُبْنَى جوانبها باللَّبِن أو غيره يُوضَع فيها الميت، ويُسَقَّف عليه باللبن أو الخشب أو غيرهما، ويُرفَع السقف قليلًا بحيث لا يمس الميت. وتابعت: "وذلك لقول الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كما في حديث جرير رضي الله عنه: «أَلْحِدُوا وَلَا تَشُقُّوا؛ فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا، وَالشَّقَّ لِغَيْرِنَا»، أخرجه أحمد بسند جيد". ويُستَحَبّ توسيع القبر وتحسينه اتفاقًا، وكذا إعماقه عند غير المالكية؛ لقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «احْفِرُوا، وَأَعْمِقُوا، وَأَحْسِنُوا» أخرجه أحمد والبيهقي، على اختلاف بين الفقهاء في قدر الإعماق، ويُسْتَحبّ رفع القبر عن الأرض نحو شبر؛ ليعلم النَّاس أنَّه قبر، ويُكره عند الأئمة الأربعة بناؤه بالآجُر -وهو حجارة صناعية- والجِص والخشب إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية؛ لقول جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَنْ يُجَصَّصَ، وأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ " أخرجه البيهقي والسبعة إلا البخاري. وقد رخَّص بعض أهل العلم في تطيين القبور، وظاهر النهي التحريم، أما إذا كانت الأرض رخوة وبُنِي القبر بالطوب الأحمر ونحوه فلا كراهة. ويُسَنّ عند الحنفية ومالك وأحمد وبعض الشافعية تسنيم القبر؛ أي: جعله مرفوعًا كالسنام نحو شبر. من جانب آخر، ورد سؤال مفاده: "ما معنى حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها؟"، سائل يسأل عمَّا يُفِيدُه حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)، وهل جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا سُئل عن ذلك يدل على وجوب أداء الصلاة في أول الوقت؟ واستشهدت دار الإفتاء المصرية، في إجابتها عن السؤال، بما رواه الإمام البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». وذكرت دار الإفتاء، أن هذا الحديث لا يدل على وجوب الصلاة أول الوقت من قريب ولا بعيد؛ فإن التعبير ب«أفضل» يدل على أن لكلا العملين فضلًا، ويزيد أحدهما على الآخر فيه؛ فغاية المراد أنَّ الصلاة في أول الوقت أفضل ما لم يَعْرِضْ ما يُعَارِضُ هذا الفضلَ، ثم إن الحديث ذكر الصلاة على وقتها ولم يعين أول الوقت لهذا الفضل. وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في كتابه "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/ 163، ط. السنة المحمدية): [ليس فيه ما يقتضي أول الوقت وآخره. وكان المقصود به: الاحتراز عما إذا وقعت خارج الوقت قضاء] اه. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (2/ 9، ط. دار المعرفة): [المشاركة أي في قوله: أفضل إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال، فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال، فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي؛ فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبًا، لكن إيقاعها في الوقت أحب] اه. في سياق آخر، استقبلت دار الإفتاء المصرية، سؤالا عن "مدى وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم؟ وهل وجود هذه الألفاظ في القرآن الكريم يتنافى مع كونه قرآنًا عربيًّا؛ فنرجو منكم بيان الرأى السديد في ذلك؟". وأجابت دار الإفتاء، بأن الله تعالى أنزل القرآن الكريم بلغة العرب، وما ورد فيه من ألفاظ أصلها غير عربيّ فإنَّ العرب قد استعملتها وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم في الإعراب والاشتقاق وغيرها فصارت ألفاظًا عربية صالحةً لوقوعها في القرآن، ولا يقدح ذلك في كون القرآن الكريم كله عربيًّا. وأشارت إلى أن القرآن الكريم هو كلام الله عزَّ وجل المُنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقصد الإعجاز بقدر أقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. ينظر: "دليل الفالحين" للإمام ابن علان (1/ 44، ط. دار المعرفة). وقد أنزله الله تعالى على قلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بلسانٍ عربيٍّ مبين؛ فقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: 192- 195]؛ وقال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الشورى: 7]. ومعنى كون القرآن الكريم عربيًّا؛ أنَّه جاء عربيًّا في ألفاظه ومعانيه وأساليبه، فقد نزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصَّة وأساليبها ومعانيها. ومن المعلوم أنَّ العرب قد استعملت بعض الكلمات التي لم يتواطؤوا على وضعها، وكان أصلها غير عربي مثل: أباريق، وأرائك، وإستبرق؛ فهذه الكلمات مُعَرَّبة: أي: أصلها أعجمي لمعانٍ في غير لغتها على نحو استعمالها لكلامها، وقد انتقلت هذه الألفاظ المُعرَّبة إلى معهود لسان العرب من مخالطتهم لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش وبغيرهما؛ فعلقت العرب عددًا من هذه الألفاظ الأعجمية، غيَّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العُجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها؛ حتَّى جرت مجرى العربي الصريح، ووقع بها البيان، وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم في الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها. قال الإمام النسفي في "تفسيره المسمى مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 295، ط. دار الكلم الطيب): [معنى التعريب أن يُجعل اللفظ عربيًّا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب، فساغ أن يقع في القرآن العربي] اه. وقال العلامة عبد القاهر الجرجاني في "درج الدرر" (1/ 66، ط. دار الفكر): [تتأثَّر اللغات بعضها ببعض، والعربية كغيرها أثَّرت في اللغات المجاورة لها، وتأثَّرت بها، وأهم ناحية يظهر فيها هذا التَّأثير هي تبادل المفردات بين اللغات؛ والألفاظ التي أخذتها العربية من غيرها هي ما يسمَّى بالمعرَّب] اه. وقد اختلف علماء الأمة حول وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم إلى فريقين: أمَّا الفريق الأول: وهم سيدنا علي بن أبي طالب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وبعض التابعين، فقد ذهبوا إلى الإقرار بوجود ألفاظ قليلة غير عربية في القرآن الكريم، إلَّا أنَّهم يرون أنَّ هذه الألفاظ وقعت بالقدر اليسير الذي يأخذ حكم النادر؛ حيث لم يتجاوز عددها مائة وعشرين كلمة، من جملة ألفاظ القرآن الكريم، التي بلغت سبعًا وسبعين ألفًا وأربعمائة وتسعًا وثلاثين كلمة؛ ومن ثمَّ انتهوا إلى أنَّ ورود مثل هذا القدر اليسير من الألفاظ غير العربية في القرآن الكريم لا يجعله غير عربي. قال العلامة ابن الجوزي في "فنون الأفنان" (ص: 341، ط. دار البشائر): [روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: "في هذا القرآن من كل لسان"، وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة رضي الله عنهم "إنَّ في القرآن من غير لسان العرب"، وعن سعيد بن جُبير رضي الله عنه أنَّه قال: "ما في الأرض لغة إلا أنزلها الله تعالى في القرآن"] اه. وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (15/ 369، ط. دار الكتب المصرية): [وروي عن سعيد بن جبير قال: "قالت قريش: لولا أنزل القرآن أعجميًّا وعربيًّا فيكون بعض آياته عجميًّا وبعض آياته عربيًّا فنزلت الآية؛ وأنزل في القرآن من كل لغة فمنه: ﴿السِّجِّيلُ﴾، وهي فارسية، وأصلها سنك كيل، أي طين وحجر، ومنه: ﴿الْفِرْدَوْسُ﴾ رومية، وكذلك: ﴿الْقِسْطَاسُ﴾] اه. وأمَّا الفريق الثاني: وهم جمهرة من الفقهاء والمفسرين؛ كالإمام الشافعي، والطبري، والقاضي أبي بكر بن الطيب؛ واتَّفق معهم من أئمة اللغة العربية: أبو عبيدة، وابن فارس، فذهبوا إلى نفي وجود ألفاظ غير عربية في القرآن. ينظر: "تفسير القرطبي" (1/ 68، ط. دار الكتب المصرية). وحجتهم في ذلك: أنَّ القرآن أنزله الله بلغة العرب، فلا يجوز قراءته وتلاوته إلَّا بها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: 2]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: 44]، وهذا يدلُّ على أنَّه ليس فيه غير العربي، وأنَّ القرآن عربيٌّ صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التي تُنسب إلى سائر اللغات، إنَّما اتَّفق فيها أن تواردت اللغات عليها، فتكلَّمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم. والتحقيق: أنَّ كلا الفريقين قد أصاب الحق استنادًا إلى القاعدة الذهبية التي تقرر أنَّ: كل ما تكلمت به العرب فهو عربي؛ فكون القرآن الكريم جاءت فيه ألفاظٌ من ألفاظ العجم، أو لم يجئ فيه شيء من ذلك، فلا يُحتاج إليه إذا كانت العرب قد تكلَّمت به، وجرى في خطابها، وفهمت معناه، فإنَّ العرب إذا تكلَّمت به صار من كلامها، لأنَّ العرب لا تَدَعُهُ على لفظه الذي كان عليه عند العجم، إلَّا إذا كانت حروفه في المخارج والصفات كحروف العرب، وهذا يقلّ وجوده، وعند ذلك يكون منسوبًا إلى العرب حقيقة. ومن هنا كان الجمع بين القولين كما نقله بعض المفسرين بأنَّ هذه الألفاظ لمَّا تكلمت بها العرب ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، لكنَّهم لمَّا تكلَّموا بها نسبت إليهم وصارت لهم لغة وهو جمع حسن. ينظر: "السراج المنير" للعلامة الخطيب الشربيني (2/ 88، ط. مطبعة بولاق). وقال الإمام ابن عطية في "تفسيره" (1/ 51، ط. دار الكتب العلمية): [فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنَّها في الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها، فهي عربية بهذا الوجه] اه. وبناءً على ما سبق: فما ورد في القرآن الكريم من ألفاظ أصلها غير عربيّ فإنَّ العرب قد استعملتها وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم في الإعراب والاشتقاق وغيرها فصارت ألفاظًا عربية صالحةً لوقوعها في القرآن، ولا يقدح ذلك في كون القرآن عربيًّا.