انطلاق احتفالية الأزهر لتكريم أوائل مسابقة «تحدي القراءة العربي»    شركة السويس للأكياس توقع اتفاقية مع نقابة العاملين في صناعات البناء والأخشاب    الأحد 25 مايو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    رئيس الوزراء يشارك في منتدى قادة السياسات بين مصر وأمريكا 2025    نائب وزير الإسكان يستقبل بعثة الوكالة الفرنسية للتنمية لبحث مجالات التعاون    25 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    استشهاد 14 فلسطينيا على الأقل في قصف إسرائيلي بعدة مناطق    في يوم إفريقيا.. مجلس "الشباب المصري": شباب القارة ركيزة تحقيق أجندة 2063    الجيش البولندي: قواتنا الجوية تتأهب بسبب النشاط الروسي قرب الحدود    بيسيرو: حاولت إقناع زيزو بالتجديد.. والأهلي سمعه أفضل من الزمالك    5 فرق تتنافس على 3 مقاعد بدوري الأبطال في ختام الدوري الإنجليزي    ميسي يقود إنتر ميامي لتعادل مثير في الدوري الأمريكي    بعد التعادل مع صن داونز.. بعثة بيراميدز تعود إلى القاهرة    معركة الخمسة الأوائل وسباق المركز الثامن.. ماذا تنتظر الأندية في ختام الدوري الإنجليزي؟    فيديو.. الأرصاد: غدا ذروة الموجة شديدة الحرارة.. ونشاط رياح مثير للأتربة على أغلب الأنحاء    التعليم: انتظام العمل داخل مقرات توزيع أسئلة امتحانات نهاية العام    «أمن المنافذ»: ضبط 2750 مخالفة مرورية وتنفيذ 250 حكمًا خلال 24 ساعة    إجازة عيد الأضحى 2025.. أول أيام العيد الكبير وتوقيت الصلاة    "أُحد".. الجبل الذي أحبه النبي الكريم في المدينة المنورة    هيئة الرعاية الصحية: «اطمن على ابنك» تستهدف إجراء الفحوص الطبية ل257 ألف طالب وطالبة    فوائد بذور دوار الشمس الصحية وتحذيرات من الإفراط في تناولها (تفاصيل)    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادا لعيد الأضحى    بعد قليل.. بدء أولى جلسات محاكمة "سفاح المعمورة" أمام جنايات الإسكندرية    افتتاح أول مصنع لإنتاج كباسات أجهزة التبريد في مصر باستثمارات 5 ملايين دولار    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادًا لعيد الأضحى المبارك    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد.. ويلتقي بعض المرضى للاطمئنان على الخدمات المقدمة لهم    جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    يا رايحين للنبي الغالي.. التضامن تواصل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة.. تيسيرات في إجراءات السفر بالمطارات.. وباصات خاصة لنقل ضيوف الرحمن للفنادق (صور)    اليوم.. نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    بكاء كيت بلانشيت وجعفر بناهي لحظة فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان (فيديو)    الكشف على 680 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية العروبة بالبحيرة    ميدو: هناك مفاوضات جارية لتجديد عقد عبدالله السعيد..وغيابه عن التدريبات لهذا السبب!    نموذج امتحان الأحياء الثانوية الأزهرية 2025 بنظام البوكليت (كل ما تريد معرفته عن الامتحانات)    ليبيا..تسريب نفطي في أحد خطوط الإنتاج جنوب مدينة الزاوية    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    الأردن وجرينادا يوقعان بيانا مشتركا لإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار التوجه إلى بيت الله الحرام .. أمور يغفلها كثيرون
نشر في صدى البلد يوم 06 - 07 - 2022

كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بعضا من أسرار التوجه إلى بيت الله الحرام.
أسرار التوجه إلى بيت الله الحرام
وقال علي جمعة من خلال منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إننا نتوجَّه في الحج والعمرة إلى بيت الله الحرام الذى هو مَحَلُّ نَظَرِ اللهِ، فيه الصلاةُ بمائةِ أَلفِ صَلاةٍ، وفيه يُستَجابُ الدُّعاءُ ، مَن تَعَلَّقَ بأستارِه أو وَقَفَ عندَ ملتزمه فإنَّه يكونُ مُجابَ الدُّعاءِ، بَيتٌ النَّظَرُ إليه عِبادة، وهذه أسرارٌ لا يعرفُها غيرُ المسلمين. فغيرُ المسلمين يَعتَقِدُونَ أنَّها مُجَرَّدُ حِجارة، والمسلمُ يَنظُرُ إليها وفي ذِهنِه ما يُروى عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في شأنِ الكعبةِ: "النظر إلى الكعبة عبادة".
وعن الحسنِ البَصرِيِّ رضى الله عنه -وهو مِن أئمّة التّابعين تَرَبّى في بَيتِ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها-: (إنَّ صَدَقة دِرهَمٍ فيها بمائةِ أَلفٍ)، أي لو تَصَدَّقتَ وأنتَ في مَكّة فلَقِيتَ فَقِيرًا فأعطَيتَه شَيئًا فإنَّه يُحسَبُ لك بمائةِ ألفٍ، (وكذلك كلُّ حسنةٍ بمائةِ ألفٍ)، يعني عندما تُصَلِّي ركعتين فإنَّ أجرَهما يَعدِل أجرَ مائتى ألفِ رَكعة؛ ويُقالُ إنَّ السيئاتِ تَتَضاعَفُ بها كما تَتَضاعَفُ الحسناتُ؛ فلو أتَيتَ بسَيِّئة فإنَّها تُحسَبُ عليك بسَيِّئَتَينِ، سيئةٍ للذَّنبِ، وسيئةٍ لعَدَمِ احتِرامِكَ للمَكانِ.
وجمهور العلماءِ على أنَّ مكةَ أفضلُ مِنَ المدينةِ، وكثيرٌ مِنهم فَضَّلَ المدينةَ على مكةَ، وذلك للجوار الشريف، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مع حُبِّه لمكّة فإنَّه رجعَ مع الأنصارِ وقال: "كيف أنتم والناسُ يذهبون بغنائمِهم وتذهبون برسول الله" ، ففضَّلَ المدينةَ على مكةَ عَمَلاً وفِعلاً، حتى انتَقَلَ إلى جِوارِ الرَّفِيقِ الأَعلى فيها، فبُورِكَت به إلى يَومِ الدِّينِ.
وما بعدَ مكةَ بُقعة أفضَلَ مِن مدينةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، هكذا يقولُ الإمام الغزاليُّ، فالأعمالُ فيها أيضًا مُضاعفةٌ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاةٌ في مَسجِدي هذا خَيرٌ مِن أَلفِ صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجدَ الحرامَ) ؛ لأنَّ الحسنةَ فيه بمائةِ ألفٍ، وبعدَ مدينتِه صلى الله عليه وسلم في الفضل تأتي الأرضُ المُقَدَّسة: أي المَسجِدُ الأقصى، فرَّجَ اللهُ عنه وحَرَّرَه، فإنَّ الصلاةَ فيه بخَمسمائةِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرامَ، وما بعدَ هذه البقاعِ الثلاثَ فالمواضعُ في الفضل مُتَساوِية إلا الثُّغُورَ؛ أي مدن الجهادَ في سبيلِ اللهِ، وأماكنَ صَدِّ العُدوانِ ورَفعِ الطُّغيانِ؛ فإنَّ المُقامَ بها للمُرابَطة فيه فَضلٌُ عظيمٌ. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في شأنِ البَحثِ عن أفضَلِ الأماكنِ ومحاولةِ التِماسِ البَرَكة والثَّوابِ فيها: "لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: المسجدِ الحرامِ ومسجدي هذا والمسجدِ الأقصى"، يَعنِي إذا أرَدتَ تَكثِيرَ الثَّوابِ فيجوز لكَ أن تَنتَقِلَ إلى هذه البلدانَ ابتِغاءَ الثَّوابِ؛ فالمساجد بعدَ المساجدِ الثلاثةِ إنَّما هي مُتَماثِلة في الثَّوابِ.
يوم التروية أول مناسك الحج.. ضيوف الرحمن يتوجهون لمشعر منى غداً
استعدادًا لأداء مناسك الحج.. مفتي الجمهورية بصحبة الشيخ عبدالفتاح الطاروطي|شاهد
وبين علي جمعة من أسرارُ الوَقتُ أي دُخُولُ أَشهُرِ الحَجِّ، وهي شَوّال وذو القَعدة، وذو الحِجة، فعندما تُعلَنُ رُؤية هِلالِ شوال فقد دَخَلَ وَقتُ الحَجِّ؛ فيجوزُ للإنسانِ حينئذٍ أن يُحرِمَ بالحَجِّ، فلَو أَحرَمَ قَبلَ المغربِ مِن آخِرِ يَومٍ مِن رمضانَ، فلا حجّ له.
قال بعضُ الصّالِحينَ: إذا تَقارَبَ الزَّمانُ يُسِّرَ على النّاسِ ثلاثةٌ لعلهم يَهتَبِلُونَها: الحَجُّ والعِلمُ والوِلاية. اه. ثلاثةُ أمورٍ تُيَسَّرُ: فالحجُّ بَدَلاً مِنَ استِغراقِه شُهُورًا حتى يَصِلَ الحاجُّ إلى مكةَ وهو يسيرُ راكِبًا الإبِلَ أصبَحَ الآنَ لا يَستَغرِقُ سِوى ساعاتٍ قليلةٍ، وأصبَحَ هناك الآن ما يُعرَفُ ب"الحج السريع"؛ وفيه لا تستغرقُ رحلةُ الحجِّ كاملةً أكثرَ من ثلاثةِ أيامٍ، إذن فالاختِبارُ هو كَم مِنَ الحجيجِ يكونُ حجُّه مقبولاً، فيجبُ أن يكونَ قلبُك صافيًا وتُقاوِمَ نَفسَك وشَهَواتِك، وتُخلِصَ للهِ الدِّينَ؛ لأنَّه يَسَّرَ لك الحجَّ لهذه الدَّرَجة التي أفادَت جِسمَكَ لكِن ربما لم تُفِد نَفسَك وقَلبَك، ربما ثَقُلَت على نَفسِك لأنَّه يَجِبُ عليك أن تَحمَدَ اللهَ سبحانه وتعالى كثيرًا، فأوَّلُ آياتِ القرآن {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي أنَّ الأمرَ كُلَّه قائِمٌ على حَمدِ اللهِ تعالى على السَّراءِ والضَّرّاءِ وكافّة أمورِنا، أي إنَّ اللهَ مُستَوجِبٌ لكُلِّ حَمدٍ، وأنَّ كُلَّ الحَمدِ حَقِيقَتُه أنَّه للهِ، وعَلامة قَبُولِ الحجِّ أن تُخلِصَ للهِ في نَفسِك.
ومن أسرار الإحرام : التجرُّد والتَّرك .. تَجَرُّدٌ يؤدِّي بنا إلى تَذَكُّرِ البِداياتِ، وتَركٌ يُؤَدِّي بنا إلى تَذَكُّرِ النِّهاياتِ كما ذَكَرنا، وبداياتُ طَرِيقِكَ اللهُ، يعني أنَّنا سَنَبدأ معَ اللهِ، ونهاياتُ طريقِ اللهِ أن يَفتَحَ علينا، ويُنَوِّرَ قُلُوبَنا، ويُعِينَنا على ذِكرِه وشُكرِه وحُسنِ عِبادتِه، ويَتَقَبَّلَنا عندَه، ويجعلَنا مِمَّن يَعبُدُه كأنَّه يَراه.
إذن ففي الحجِّ والعمرة وأنت تَرتَدِي ملابس الإحرامَ تَرتَدِيها بهذه النِّيّة.
وألمح إلى الخروج من العادة كذلك أَخرَجَكَ مِن إلفِكَ: فأخرجك من ثيابِك. لقد نظرَ بعضُهم إلى أنَّ الخروجَ مِنَ العادةِ عِبادة؛ أي أنَّك تَرتَدِي الملابسَ المُختَلِفة وأُمِرتَ بهذا اللباسِ {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فأخرَجَكَ في الحجِّ والعمرة مِن هذه العادةِ إلى لِباسٍ لم تألَفه، هذا يُذَكِّرُك ببِداية مَجِيئِكَ إلى الدُّنيا؛ فإنَّك تَجِيءُ إليها مِن غَيرِ ملابسَ، إنَّما اللهُ سبحانه وتعالى هو الذي جعلَ هناك عورةً يجبُ أن تُستَرَ وجَعَلَها في الرجالِ بينَ السُرّة إلى الرُّكبة، وجعلَها في النساءِ كُلَّ البَدَنِ إلا الوجهَ والكَفَّينِ، فهذه إشارةٌ للبدايةِ.
وأضاف إشارةٌ إلى النهايةِ لأنَّه حين الدَّفنِ لا نَدفِنُ المَيِّتَ عُريانًا معَ أنَّه كان مِنَ المُمكِنِ أن يُقَدِّرَ اللهُ خُرُوجَنا كدُخُولِنا، لكنَّه سبحانه وتعالى كَرَّمَنا وجعلَ لنا ثيابًا، لكنَّ هذه الثيابَ تُشبِه الإحرام، فالإحرامُ أثناءَ تَجَرُّدِك مِن ثِيابِكَ يُذَكِّرُك بالميلادِ ويُذَكِّرُك بأنَّ هذا الحَجَّ سيجعَلُك كيومَِ ولدتك أمُّك، ثمَّ يُذَكِّرُك بالنهايةِ بأنَّك ستعودُ إلى القبرِ مِن غَيرِ ملابسَ فيها جيوب، ويقولون عندنا في الأمثالِ الشَّعبِيّة (الكفن ليس له جيوب)، فأنت تجري في هذه الدنيا كجري الوحوش ولن تَحصُل في النهاية إلا على الرزق الذي قَدَّرَه اللهُ لك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناسُ، اتقوا اللهَ وأَجمِلُوا في الطَّلَبِ؛ فإنَّ نَفسًا لن تَمُوتَ حتى تَستَوفِيَ رِزقَها وإن أَبطَأَ عنها، فاتَّقُوا اللهَ وأَجمِلُوا في الطَّلَبِ؛ خُذُوا ما حَلَّ ودَعُوا ما حَرُم"، أي بألا تَتَكالَب على الدنيا، فإن الميِّتَ لا يأخذُ معه في قَبرِه إلا عملَه، فانظروا إلى مَن يَدَّخِرُ لمَن بعدَه فكأنَّما باعَ دِينَه -إذا كان قد أَتى مِن غيرِ حِلِّه- بدُنيا غيرِه وخرجَ مِنَ الدنيا بلا شيءٍ، فلن يُوضَعَ معه في قبرِه مالٌ ولا جاهٌ. فلا تُدخِل على نفسِك إلا الحلالَ، ولو دخلَ شيءٌ حرامٌ استِكثارًا وبَطَرًا فإنَّك سوف تَترُكُه بالمَوتِ الذي لا تَعلَمُ متى سَيأتِيك.
وحول لبس البياض ويُسَنُّ البَياضُ، يعني أنك لو ارتَدَيتَ غيرَه مِنَ الألوانِ فإنَّه يُجزِئُ؛ إذِ المُهِمُّ أن تَتَخَلَّصَ مِن كُلِّ مَخِيطٍ ومُحِيطٍ، لكن مِنَ السُّنّة أن تَرتَدِيَ الأبيَضَ، وهذا يُذَكِّرُنا بأمورٍ: منها النَّقاءُ؛ لأنَّ البَياضَ يُضرَبُ مثلا للنَّقاءِ، والنَّقاءُ يُذكِّرُكَ بالتَّوبة وأنَّ الحجَّ ستُغفَرُ لكَ فيه الذُّنُوبُ، وتَبدأ فيه نَقِيًّا معَ اللهِ؛ ومنها النُّورُ الأبيَضُ الذي هو ضدُّ الأسوَدِ والظلامِ، والأبيضُ الذي هو عنوانُ النُّورِ ما مَعناه، مَعناه أنَّك على بَصِيرة؛ فإنَّكَ حينما تَحُجُّ فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يَِجعَلُكَ على بَصِيرة ويُذَكِّرُك بالثَّوابِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يَجعَلُ وَجهَكَ أبيَضَ يومَ القيامةِ، فهذا يُذَكِّرُك بأنَّك تسيرُ مِنَ البداياتِ إلى النهاياتِ، بدايةِ الدنيا وبدايةِ طريقِ اللهِ وبدايةِ الكَونِ ميلادًا ووفاةً وهكذا.
وبين من أسرارُ الطواف: فيه حَرَكة تُذَكِّرُك بعبادةِ الملائكةِ وهي تَطُوفُ بالبَيتِ المَعمُورِ، وأنَّك تَتَشَبَّه بعبادِ اللهِ الصالحين؛ لأنَّ الملائكةَ مِن عبادِ اللهِ الصالحين، وأنَّ اللهَ مَنَّ عليك فلم يَحرِمك شيئًا عَلَّمَه لمَلائكتِه، ففَتَحَ لك كُلَّ طريقٍ.
جعلَ ربُّنا سبحانه وتعالى كلَّ شيءٍ يُسبِّحُ في مَجالِه، فجَعَلَ الكَواكِبَ تَطُوفُ حولَ الشَّمسِ، وجَعَلَ الشَّمسَ تَطُوفُ حولَ (فيجا)، وجَعَلَ المَجَرّة بحالِها تَطُوفُ وتَتَحَرَّكُ، وهكذا؛ فأنتَ تَطُوفُ كما طافت الكائناتُ وهي تُسبِّحُ ربَّها، وعلى ذلك فأنت تسيرُ في حركةِ الكَونِ، ولا تسيرُ ضِدَّه؛ ولأنَّ الكعبةَ في شمالِ الأرضِ وليس في جنوبِها كما أوضَحنا مِن قبل، فتَجِدُ نَفسَك تطوفُ كطوافِ حركةِ الماءِ، فالماءُ يَدُورُ بهذه الكَيفِيّة في النِّصفِ الشَّمالِيِّ، فإذ بكَ تفعَل مِثلَما تفعلُ الكائناتُ في كلِّ شيءٍ؛ الكائناتُ الكبيرةُ والكائناتُ الصغيرةُ.
إذن أنت مع الكونِ، وأنت مع عبادِ اللهِ الصالحين، وهكذا يُذَكِّرُكَ الطَّوافُ بالبَيتِ بالحَرَكة، و(الحركة بركة) كما يقول الناس عندنا؛ فهل تَسكُنُ أم تَتَحَرَّكُ في عبادتِك لله؟ لا، بل تَتَحَرَّكُ، هو الذي أمَرَكَ بالحَرَكة في الصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِّ، وهكذا الحجُّ والعمرة يُكَبِّرانُ لك الأشياءَ، ولذلك تَتَّضِحُ لك فيه الحركة وأنت تطوف، والطوافُ ركنٌ مِن أركانِ الحجِّ والعمرة، أظهَرَ لك ما كان خَفِيًّا، فحركتُك في الصلاة وأنت تَقِفُ في مكانِك، وحركتُك في الصيامِ يُمكِنُ أن تكونَ بعَينَيكَ، تَتَرَقَّبُ الفَجرَ مثلاً، وبقلبِك، فتُحَرِّكُ قلبَك في النيّة؛ لأنَّه لا بُدَّ مِنَ النِّيّة قبلَ الفَجرِ؛ لكن كَبُرَت جِدًّا في الحجِّ ووَضُحَت، ما كان خفيًّا مَستُورًا أصبحَ ظاهِرًا بيِّنًا، فالحركةُ في الطوافِ فيها أسرارٌ ظاهرةٌ وباطِنة، مِنَ الأسرارِ الظّاهِرة: استجابةُ الدُّعاءِ؛ لأنَّ هذا المَكانَ مَحَلُّ نَظَرِ اللهِ، ومَحَلُّ مُضاعَفة الأعمالِ في الثَّوابِ، فالمُصَلِّي والطّائِفُ والذّاكِرُ والدّاعِي والقارِئُ له مائةُ ألفٍ مِنَ الثَّوابِ خاصّة في الصَّلاةِ.
وأضاف من أسرار الوقوف بعرفة والوقوفُ بعَرَفة يَنقُلُك إلى بداية الخَلقِ؛ فإنَّ هذا المكانَ هو الذي عَرَفَ فيه آدَمُ حَوّاءَ عندما نَزَلَ إلى الأرضِ، ولذلكَ سُمِّيَ بعرفةَ، وهنا بدأت الحياةُ على هذا الكَوكَبِ، وبدايةُ كُلِّ شيءٍ لا بُدَّ أن نَبدأ فيها بالله؛ ولذلك يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ أَمرٍ ذي بالٍ لا يُبدَأُ فيه ب[بسمِ اللهِ] فهو أَقطَعُ"، أو: "أَبتَرُ" فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز و جل فهو أبتر أو قال اقطع"، أو"أَجذَمُ" كما جاءَ في بعضِ الرِّواياتِ، فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"، فمعنى ذلك أنَّ اللهَ تعالى يُعَلِّمُنا أن نَبدأ ب[باسمِ اللهِ]، ولذلك نقول: [بسم الله] في بدايةِ الأكلِ والشُّربِ، وفي الجُلُوسِ، وعندَ الانصِرافِ، ونذكرُ اسمَ اللهِ عندَ اللقاءِ [السلام عليكم]، وعند الانتِهاءِ مِنَ الصلاةِ، وعندَ البدءِ فيها نَبدأ ب [الله أكبر] ونُنهِي بالسَّلامِ.. وهكذا، فلا بُدَّ أن تَبدأ حياتَك باسمِ اللهِ؛ يعني: أن يَتَعَلَّقَ قَلبُك باللهِ. الوقوفُ بعرفةَ يقولُ لنا ويُعَلِّمُنا: أنَّ بدايةَ هذه الحياةِ -إذا أرَدتَ أن تَكُونَ مُستَقِيمًا- يَجِبُ أن تَكُونَ مِن هنا.
وأكمل مِنَ الأسرارِ الباطِنة: التَّنَزُّلاتُ الإلهيّة فاللهُ سبحانه وتعالى خَلَقَ هذا الكَونَ وأنزَلَ رَحمَتَه مِن دَرَجة إلى دَرَجة إلى دَرَجة كما وَرَدَ في الحديث: "إنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ عبدًا دَعا جِبرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأَحِبَّه، فيُحِبُّه جبريلُ، ثمَّ يُنادِي في السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فأَحِبُّوه، فيُحِبُّه أَهلُ السَّماءِ، ثمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأَرضِ، وإذا أَبغَضَ عَبدًا دَعا جبريلَ فيقولُ: إنِّي أُبغِضُ فُلانًا فأَبغِضه، فيُبغِضُه جبريلُ، ثمَّ يُنادِي في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلانًا فأَبغِضُوه، فيُبغِضُونَه، ثمَّ تُوضَعُ لَه البَغضاءُ في الأرضِ". وهكذا مُسَلسَلٌ في تَنَزُّلاتٍ اسمُها تَنَزُّلاتُ الرَّحمة، واللهُ يَفتَحُ بما شاءَ على مَن شاءَ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.