في هذا النص القرآني الكريم يأمر ربنا - تبارك وتعالى - كل مؤمن به بإعطاء ذوي قرباه الحقوق الواجبة لهم عليه والتي تفرضها صلة الرحم.. وهذه الحقوق تشمل المودة، والتزاور، وحسن المعاملة، والمشاركة في المسرات، والمواساة في الشدائد، ودفع المظالم، وتحمل التبعات، وغير ذلك من أوجه التراحم بين ذوي القربي. وهؤلاء هم - في المقام الأول - أصحاب القرب في الدم، وتتسع دائرتهم لتشمل كل من يجمع بينهم نسب، على أن يكون ذلك طلبا لمرضاة الله، وهذا الأمر الإلهي الذي جاء بعد كل من الأمر بتوحيد الله - تعالى - والخضوع بالعبادة له وحده، والأمر بالإحسان إلى الوالدين، فيه ما يعني أن تتابع هذه الأوامر الإلهية يؤكد ترابطها، فإيتاء ذوي القربي يرضي الوالدين، والإحسان إليهما يرضي الله - سبحانه وتعالى- وإفراد الله بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه، وبالعبادة الخالصة لجلاله هى قاعدة الإيمان الصحيح، وكأن النص القرآني يخاطب كل عبد مسلم قائلا له: كما راعيت حقوق ربك بتوحيده وإخلاص العبادة له، وراعيت حقوق والديك بالإحسان إليهما، فعليك أن ترعى حقوق أقاربك بصلة الرحم. وهذا الأمر الإلهي بصلة الرحم يشمل كلا من الأحياء والأموات من الأقارب، كما يشمل ود الأموات منهم، خاصة ود الوالدين المتوفيين، كما يشمل أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسل صحابته الكرام - عليهم رضوان الله - ثم ينتقل النص القرآني إلى تأكيد حقوق كل مسكين يصادف العبد المسلم، وكل عابر سبيل يلقاه، يحتاج إلى العون والمواساة. وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يد المعطي هى العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك (النسائي)، كذلك ذكر كل من الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد سيدنا عقبة بن عامر - رضى الله عنه - وقال له: يا عقبة! ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ألا ومن أراد أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه فليصل ذا رحم منه، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: الصدقة على المسكين صدقة، وهى على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة (الترمذي). (والمسكين) في اللغة هو العاجز عن توفير احتياجاته الضرورية، لذلك يحمله ذوو قرباه، فإن لم يكونوا قادرين على حمله، فإن على المجتمع المسلم حمله حتى تتم كفايته. فقد أمر الله - تعالي - الأغنياء والموسرين في المجتمع المسلم بأن يعطوا للفقراء والمساكين حتى يكفوهم غيلة الفقر والمسكنة، والإسلام العظيم يحض على أداء حقوق المحتاجين من اليتامى والأرامل والمقعدين، وحقوق غيرهم من الفقراء والمساكين، وجعل لهم نصيبا في كل من الزكوات والصدقات والكفارات، ورعاية الأغنياء للمحتاجين في مجتمعهم هى وسيلة من وسائل ربط الأفراد في المجتمع المسلم برباط من الأخوة والمحبة والمودة. وقد شجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأغنياء على حسن رعاية الفقراء والمساكين فقال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل (البخاري). فإذا لم يكن في مقدور المسلم مساعدة من يقصده من الفقراء والمساكين فعليه أن يصرفه بالحسنى صونا لكرامته. وتعبير ابن السبيل يطلق على المسافر إلى بلد غير بلده، وليس معه ما يستعين به على متطلبات الحياة ولا على دفع تكاليف عودته إلى بلده، والإسلام يأمرنا بجعل حق في الزكاة لابن السبيل، ولذلك يأمرنا النص القرآني الذي نحن بصدده بإعطاء ابن السبيل حقه، وجعل ذلك موازيا للإنفاق على كل من الوالدين والأقربين والمساكين. والدولة الإسلامية تتحمل كل هذه الواجبات من حقوق الفقراء والمساكين وابن السبيل، أما حقوق ذوي القربي فتبقى في دائرة الأسرة، وإذا غاب دور الحكومة الإسلامية فعلى كل مسلم أن يتحمل مسئولياته في مجتمعه، وبذلك يسود المجتمع المسلم معنى الأخوة الإنسانية التي دعا إليها القرآن الكريم بقول ربنا - تبارك وتعالى -: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.. (النساء:1) وهذا كله من قيم الإسلام العظيم الذي يأمر بفعل الخيرات طلبا لمرضاة الله، وتعميقا لروح الأخوة في المجتمع المسلم. نقلا عن "الأهرام اليومى" المزيد من أعمدة زغلول النجار