أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير الجاري، وسط تكهنات باحتمال قضاء اليوم في منتجعه الخاص بولاية فلوريدا. ولا يُعد قرار ترامب سابقة أولى من نوعها، إذ تكررت تجربة غياب رؤساء أمريكيين عن حفلات تنصيب خصومهم 3 مرات من قبل، وفي المرات الثلاث كان غياب الرؤساء المنتهية ولاياتهم فأل خير بالنسبة للرؤساء الجدد، ففي كل مرة وقع فيها ذلك تصادف أن قضى الرؤساء الجدد فترتين رئاسيتين تمتعوا خلالهما بشعبية كبيرة. جون آدامز وتوماس جيفرسون وكانت المرة الأولى التي يتغيب فيها رئيس أمريكي منتهية ولايته عن حفل تنصيب خلفه خلال الانتخابات التي أجريت عام 1800 وسعى خلالها الرئيس جون آدامز للفوز بفترة رئاسية ثانية، لكنه واجه منافسة شرسة من نائبه توماس جيفرسون الذي فاز بالانتخابات بفضل تراجع شعبية جون آدامز بعد تبنيه قانونًا يقيد حريات الأجانب وحرية التعبير والصحافة. وفي تلك الفترة، قبل تبني التعديل الثاني عشر للدستور الأمريكي عام 1803، لم يكن الناخبون يصوتون للمرشحين الرئاسيين ونوابهم في بطاقة واحدة كما هو معمول به اليوم، وإنما كانوا يصوتون في بطاقتين، ويفوز بالرئاسة المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات، ويصبح المرشح التالي له من حيث عدد الأصوات نائبًا للرئيس حتى وإن لم يكن من اختيار الأخير. لكن انتخابات العام 1800 انتهت بموقف عجيب، حيث حصل توماس جيفرسون ورفيقه الانتخابي آرون بور على عدد متساو من أصوات الناخبين، وأصبح على مجلس النواب إجراء تصويت على اختيار أحدهما رئيسًا والآخر نائبًا، وخلال الفترة الانتقالية كانت العلاقات بين جيفرسون والرئيس الخاسر جون آدامز ودية إلى حد كبير، وقد طلب جيفرسون من آدامز التدخل في تصويت مجلس النواب لترجيح كفته، لكن الأخير رفض، وبعد إجراء أكثر من 30 تصويتًا في مجلس النواب حُسمت النتيجة لصالح تنصيب توماس جيفرسون رئيسًا وآرون بور نائبًا. وفي اليوم المحدد لحفل تنصيب جيفرسون في 4 مارس 1801، غادر جون آدامز العاصمة واشنطن عند الساعة الرابعة فجرًا، ولم يكن ذلك بدافع من النقمة أو الحقد على جيفرسون، وإنما فضّل آدامز الغياب عن حفل التنصيب لتهدئة الأجواء المحتقنة في واشنطن بسبب أزمة تساوي الأصوات. وخلال يوم تنصيب جيفرسون رئيسًا، دشن الأخير تقليدًا ساريًا حتى الآن، يقتضي أن يسير الرئيس المنتخب من الكونجرس إلى البيت الأبيض بعد إلقائه خطاب التنصيب. جون كوينسي آدامز وأندرو جاكسون من المفارقات أن المرة الثانية في التاريخ الأمريكي التي يتخلف فيها رئيس مهزوم عن حفل تنصيب رئيس منتخب كانت من نصيب الرئيس جون كوينسي آدامز، ابن الرئيس جون آدامز صاحب السابقة الأولى، حيث رشح كوينسي آدامز نفسه لفترة رئاسية ثانية عام 1828، وهُزم أمام منافسه أندرو جاكسون، الذي كان بدوره قد انهزم أمام جون كوينسي آدامز في الانتخابات السابقة عام 1824. وقبل انتخابات عام 1824، كانت صداقة ودية تجمع جون كوينسي آدامز وأندرو جاكسون، لكن العلاقة بينهما فترت بشكل كبير بعد فوز كوينسي آدامز، وإن لم تتحول إلى خصومة صريحة. وبعد فوز أندرو جاكسون في انتخابات 1828 ظلت بقايا علاقة ودية تجمع الرجلين، وعرض جون كوينسي آدامز استضافة حفل تنصيب جاكسون في البيت الأبيض بدلًا من الكونجرس لكن الأخير رفض الاقتراح. وفي مساء 3 مارس 1829 عشية حفل تنصيب جاكسون، غادر جون كوينسي آدامز البيت الأبيض وتغيب عن حفل التنصيب في اليوم التالي. أندرو جونسون وأوليسيس جرانت لم يصل الرئيس الأمريكي أندرو جونسون إلى رئاسة الولاياتالمتحدة عبر انتخابات كالمعتاد، وإنما تولاها بعد اغتيال سلفه أبراهام لينكولن، الذي كان جونسون نائبًا له، عام 1865. وطوال فترة رئاسته التي لم تكمل 4 سنوات، ظل جونسون على علاقة سيئة مفعمة بالشد والجذب مع الكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية، وفي عام 1868 اتُهم جونسون بمخالفة قانون فترة الرئاسة، بسبب مساعيه لعزل وزير الحربية إدوين ستانتون واستبداله بالجنرال لورنزو توماس، وكان قانون فترة الرئاسة قد صدر عام 1867 رغم اعتراض جونسون عليه. وفي 3 مارس 1868، تبنى مجلس النواب الأمريكي بالأغلبية قرارًا بعزل جونسون، بعد اتهامه بمخالفات واردة في 11 مادة من قانون عزل الرؤساء. لكن في 6 مارس 1868، فشل مجلس الشيوخ في تأمين أغلبية الثلثين المطلوبة لتمرير قرار عزل جونسون، كما فشل في جلستين لاحقتين في تمرير القرار أيضًا. ولكن في نوفمبر من نفس العام، أجريت الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها جونسون على فترة رئاسية ثانية أمام خصمه اللدود الجنرال أوليسيس جرانت، الذي فاز في الانتخابات بفارق أصوات كبير عن جونسون. وفي اليوم المحدد لحفل تنصيب جرانت في الكونجرس في 4 مارس 1870، تغيب جونسون عن الحفل وفضّل البقاء في البيت الأبيض بحجة انشغاله بالتصديق على تشريعات، وبدوره رفض جرانت ركوب العربة التي تحرك فيها جونسون من الكونجرس إلى البيت الأبيض بعد أدائه اليمين الدستورية خلفًا للينكولن عام 1865.