سألت شيخي رحمه الله يوما في موسم حج عن المعاني الروحية للطواف ببيت الله الحرام وإستلام الحجر عند بدء الطواف وعن الحكمة في الطواف من جهة اليسار مع أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله قال..تيمنوا فإن في اليمن بركة .. وسألته عن الحكمة من عدد أشواط الطواف السبعة .. وعن إستلام الحجر وتقبيله عند بدء الطواف وعن صلاة الركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام.. وعن السعى بين الصفا والمروة ..فأجابني قائلا..إعلم يابني أن لكل منسك وشعيرة من شعائر مناسك الحج معاني روحية يدركها أرباب البصائر وأصحاب القلوب المستنيرة ويجهلها عامة المسلمين ..وقد تحدثنا من قبل عن الطهارة والاغتسال قبل الإحرام وقلنا إن المعني منها طهارة النفس والقلب قبل طهارة الجسد حتى يصح للعبد الإحرام والتلبية فلا إحرام ولا تلبية إلا لصاحب نفس نقية وقلب طاهر سليم .. وذكرنا أن الإحرام فيه إشارة إلى الخلع والتجرد والخروج من متع الدنيا وزينتها ومن الأهل والمال والجاه والسلطان والتجرد من الأنا والإقبال على الله تعالى بالكلية من حيثية العبودية الخالصة المتجردة من الحول والقوة والمسقطة للتدبير والإختيار بحال العجز والإفتقار والذل والإنكسار والعوز الكامل إليه عز وجل.. هذا والمعنى من إستلام الحجر وتقبيله في الظاهر عملا بالسنة المحمدية حيث إستلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وقبله عند بدء الطواف وهو يرمز إلى اليمين المادي لله تعالى في الأرض وقد جاء في الأثر أن سيدنا عمر إبن الخطاب رضي الله عنه عندما هم بتقبيله قال..أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أن قبلك رسول الله ما قبلتك ..فقال له الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ..ياعمر إنه يأتي يوم القيامة بلسان فصيح شاهدا بين يدي الله لكل من قبله .. هذا وأما بالنسبة إلى إتجاه الحاج بشقه الأيسر عند طوافه الحكمة منها حتى يكون قلب العبد أقرب إلتصاقا بالبيت والمراد بالقرب من الإنسان قلبه لا قالبه والقلب يقع في الجهة اليسرى من صدر الإنسان ..هذا وأما بالنسبة إلى عدد الأشواط السبعة في الطواف وما الحكمة من هذا العدد..الحكمة هي مقابلة الأشواط السبعة لصفات النفس البشرية السبعة وهي....الأمارة.واللوامة.والملهمة.والمطمئنة.والراضية.والمرضية..والنفس الكاملة المتحققة بالعبودية الخالصة لله تعالى والمعنى هنا هو ترقى نفس الحاج من صفة إلى أخرى مع كل شوط من الأشواط حتى يصل إلى النفس الكاملة وهذا من معاني التحقيق الذي قد لا يعلمه الكثير من الحجيج لانه من علوم الفتح الرباني والمكاشفة وخارج عن علوم الرسوم في الشريعة.. فالشريعة علومها متعلقة بالظاهر وحركة وفعل الأبدان والمعارف والحقائق علومها باطنة متعلقة بالقلوب والأرواح .. نأتي بعد الطواف إلى صلاة ركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام إئتمارا لقوله تعالى..وإتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. والمعنى هنا ..دعوة الحق سبحانه للحاج أن يقيم نفسه في مقام الخلة حتى يقام تحت لواء سيدنا إبراهيم خليل الرحمن ومنزلته عند ربه تعالى.. يقول عز وجل إشارة إلى ذلك ..وإتخذ الله إبراهيم خليلا.. ومقام الخلة هو المقام الثاني في مقامات القرب من الله تعالى بعد مقام المحبوب وهو المقام الذي تفرد به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فهو الحبيب الأعظم والخليل الأكرم.. هنا كأنما الله تعالى يقول للحجيج..كونوا أخلاء لي كما كان إبراهيم من قبل .. عزيزي القارئ..ماذا عن السقيا من زمزم والسعي بين الصفا والمروة وباقي المناسك والشعائر..هذا ما سوف نتحدث عنه في المقالات التالية بمشيئة الله تعالى..