سأكتب اليوم بأسلوب مختلف عما يخوض به معظم الباحثين والكتاب عن البكتيريا، فالغالبية يتحدثون عن الجانب المظلم من البكتيريا، ولكني سأكون منصفا وسأكتب بكل شفافية عن الوجه الآخر وهو الجانب المضيء في حياة ذلك الكائن المجهري أحادي الخلية الذي لم يرتق حتى ليكون خلية حقيقية، حيث إن محتويات نواته وهي عبارة عن كرموسوم وحيد دائري الشكل, ملقاة في السيتوبلازم دون احاطتها بالغشاء النووي وافتقارها الى الكثير من العضيات التي توجد في الكائنات حقيقية النواة. فهذه الكائنات لها فوائد في حياتنا فمنها ما يساعد في حماية أجسامنا ضد بعض الميكروبات الممرضة من خلال التنافس معها على الموقع والغذاء. والبكتيريا مثل الاشريكية القولونية Escherichia coli تساعد في تخليق فيتامين K والبعض له دوره في إنتاج بعض الأغذية, فالزبادي مثلا والتي لا تخلو موائدنا منه تدخل في تصنيعه بعض أنواع الميكروبات كما تدخل ايضا في تصنيع بعض انواع المخللات وبعض الأجبان. ان الأنزيم الذي يساعد في علاج الجلطات الدموية وهو الستربتوكيناز streptokinase هو في الأساس انزيم تنتجه العقدية المقيحة Streptococcus pyogenes, كمان انه عن طريق الهندسة الوراثية واستخدام الميكروبات تمكن العلماء من انتاج بعض انواع الهرمونات مثل هرمون الانسولين الذي يستخدم في علاج داء السكري Diabetes mellitus فقد كان في السابق يتم اخذ هذا الهرمون من الابقار او الخنازير وهرمون النمو الذي كان يتم استخراجه من جثث الموتى, اصبحا الان متاحين وبكميات مناسبة بفضل الميكروبات, كما ان اخطر انواع السموم البكتيرية على وجه الارض وهو سُم البوتولينم Botulinum toxin الذي تنتجه المِطَثِّيَّةُ الوَشِيْقِيَّة Clostridium botulinum ويتميز بانه سم عديم اللون والرائحة, هذا وبالرغم من خطورته فقد تم ترويضه من قبل الانسان والاستفادة منه في علاج بعض انواع الامراض التي تتطلب ارتخاء العضلات وهي ذات الالية للسم عند دخوله جسم الانسان, كما انه قد دخل عالم التجميل من اوسع ابوابه وذلك من خلال استخدامه في علاج التجاعيد عوضا عن الجراحة وعمليات الشد. وكذلك بعض المضادات الحيوية مثل الباسيتراسين bacitracin والبوليميكسين polymyxin تنتج بواسطة انواع من البكتيريا وايضا انوع من البكتيريا العصوية Bacillus species تستخدم في التخلص من النفايات الحيوية ويدخل بعضها في تصنيع المبيدات الحشرية. ولا ننسى دور البكتيريا الهام في الحفاظ على التوازن على كوكبنا ودورات النيتروجين وغيرها. واذا تكلمنا عن الامراض التي تسببها بعض انواع البكتيريا, فأننا سنجد بعض الانواع تكون مكرهة على احداث المرض وليس بإرادتها وذلك من خلال وجودها في بيئة تشجع على الانحراف ومصاحبة اصدقاء السوء, فبعض البكتيريا تتعرض للغزو من قبل بعض انواع الفيروسات تسمى لاقم البكتيريا Bacteriophage، ولان الاسم لاقم غير منطقية وذلك لان الفيروس اصغر من البكتيريا الا ان لهذه التسميه مبرراتها حيث انه قبل اكتشاف المجهر الالكتروني كان العلماء يلاحظون اختفاء المستعمرات البكتيرية ولكن دون معرفة العامل المسبب لذلك الاختفاء، فكانوا يعتقدوا ان هناك عامل يأكل البكتيريا الا ان تسنى لهم تحديد السبب وراء ذلك وهو الفيروس ولكن ليس بطريقة الاكل بل بحقن جيناته الوراثية في البكتيريا وذلك بطرق مختلفة فهناك انواع من الفيروسات قد تقتل البكتيريا, الان ان هناك انواع اخرى تعمل على انحرافها عن مسارها القويم مما يكسبها المقدرة على احداث المرض, فالوتدية الخناقية Corynebacterium diphtheriae التي تسبب مرض الخناق Diphtheria, هي بكتيريا مسالمة بطبيعتها وليست خطيرة على صحة الانسان الى ان يتم غزوها من قبل ذلك الفيروس اللاقم للبكتيريا الذي يحقن فيها جينات تحمل شفرات لإنتاج سم الخناق diphtheria toxin وهذه الجينات تصبح جزء من تركيب الكرموسوم للبكتيريا وبعدها تكون قادره على انتاج السم واحداث المرض حيث انه السم يوقف تخليق البروتين داخل الخلية للعائل والقضاء عليها وبالتالي يودي الى تكوين غشاء كاذب قد يتسبب في انسداد مجرى الهواء ولهذا السبب سمي بالخناق. والمكورة العقدية المقيحة انفة الذكر وهي بكتيريا ممرضه بطبيعتها ولكنها في معظم الاوقات تسبب امراض ليست مهددة لحياة الانسان مثل اللوزتين tonsillitis والتهاب الهلل cellulitisوغيرها ولكنها تزداد شراستها عند حصولها على جينات اضافية من ذلك الرفيق السيئ وهو فيروس لاقم البكتيريا بحيث تصبح قادرة على انتاج انزيمات حالة للبروتينات في انسجة الجسم ولهذا فقد سماها العلماء باكلات اللحوم Flesh eating. وسأخبركم عن ما يفعله الاختصاصين في اروقة المعامل وما يحدث من تحايل على تلك الميكروبات من خلال استدراجها وذلك بتوفير كل ما لذ وطاب من الغذاء من خلال الاوساط الزراعية وجميع وسائل الراحة والعيش الكريم، وتوفير درجات الحرارة المناسبة, فاذا كانت البكتيريا من النوع الذي يحتاج الاوكسجين يوفر لها وبالنسبة التي تحتاجها تلك البكتيريا واذا كانت البكتيريا من النوع الذي يتأذى من الاكسجين يصرف عنها, وانواع من البكتيريا يتعزز نموها بوجود نسبة من ثاني اكسيد الكاربون يوفر لها ايضا, فالإضافة الى ظروف مناسبة من الرطوبة والاس الهيدروجين وكل هذا لم يكن حبا فيها وانما كي يتسنى لهم معرفة ماهية ذلك الميكروب الذي سيتم عزله من موقع الاصابة في جسم الانسان ليتم بعدها ابادتها وذلك باستخدام كل توفر لديهم من انواع للمضادات الحيوية وبمختلف التراكيز, ولم يكتفوا بذلك بل يتم ملاحقة ما تبقى منها واستخدام تلك الكيماويات ضدها في جسم الانسان، هذا اذا سلمت من هجمات الجهاز المناعي وعلى اثر ذلك فقد انشات شركات عملاقة تعمل ليل نهار وجل هدفها هو ابتكار و تطوير احدث الطرق والاجهزة للتعرف على تلك الميكروبات والقضاء عليها, فالحيوانات بكافة اشكالها والوانها وبالرغم من خطورة الكثير منها على الانسان سواء اكان بالهجمات المباشرة او من خلال نقلها لبعض الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان فقد انشات لها محميات خاصة وجمعيات تهتم بها وتدافع عن حقوقها. وكما نعلم ان الانسان نفسه له دور في تشجيع الميكروبات على احداث المرض من خلال استخدامها كسلاح بيولوجي ضد اخوه الانسان او استهداف للاقتصاد وذلك بالقضاء على الثروات الحيوانية والنباتية, كما ان الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية قد يشجع الكثير من البكتيريا في ان تصبح انتهازية وتسبب المرض, وكذلك تدخل الانسان وتسببه في نقل البكتيريا من موطنها الطبيعي في جسم الانسان الى اماكن اخرى اكثر تعقيما قد يساهم في شراستها واحداثها للمرض, وامثلة على ذلك ادخال البكتيريا الى مجرى الدم عن طريق اجراءات قلع الاسنان او القسطرة غيرها, كما ان الطريقة الخاطئة في نظافة الاعضاء التناسلية (من الخلف الى الامام) قد يساهم في انتقال الميكروبات من الجهاز الاخراجي الى الجهاز البولي والتناسلي وخصوصا في النساء. وبعد كل ما تم ذكره من فوائد لانواع كثيرة من البكتيريا الم تشفع لها بان تعيش بسلام كباقي الكائنات, اليس حريا بنا ان نلتمس لها العذر مقابل ما تقدمه من خدمات تستفيد منها البشرية, اليست بحاجة لجمعية للرفق بها؟!!