كم أتمنى أن تكون هذه الكلمات ممنوحة الهبة الإلهية لنفاذهها فى عمق من يقرأها. ومشمولة ومحتوية بسر سريانها داخل الأفئدة. طامعًا فى زيادة التمنى أن تكون ذات تأثير يُسهمُ فى إعادة النظر فى جوانب سلوكياتنا الذاتية الفردية، والجماعية، والبيئية، والمجتمعية على اختلاف أنماط طبقات وفئات مجتمعنا الإسلامى، فى شتى البقاع الجغرافية الخاضعة للقانون السماوى المتمثل فى ديننا الحنيف. الذى جاءت فيه الأخلاق كفرع أصيل وركيزة أساسية وبنية محورية تشربت بها جميع الأصول الدينية من عقيدة وشريعة. فما إن تذهب إلى أصل من أصول الدين إلا وتجد الجانب الأخلاقي متجذر ومتأصل فى حيثيات ذلك الأصل، وهو ما ليس ببعيد لمن أراد أن يتأمل ويتدبر النصوص الشرعية عبر معينها الصافى قرآنًا وسنة رغم عدم الاحتياج إلى التدبر لصراحتها ووضوحها. فلا يخفى علينا جميعًا ما وصلت إليه أخلاقيات الكثيرين منا من انحدار لمستويات يأباها الشرع الحنيف، بل وحث على نبذها فى كثير من النصوص التى يعلمها الكثيرون ولا تخفى عليهم. وكلنا نرى ما أنتجته وسائل التواصل الاجتماعى فى جانبها السيئ من انزلاق وانحدار وتدنى فى ذلك الجانب، وخاصة فيما يتعلق بإبداء الرأى عند الاختلاف. فغالبنا يرى حينما تصل التعليقات كثيرًا إلى جانب مسدود فيما فيه اختلاف فى وجهات النظر من سوء تبادلها بين الكثيرين دون إدراك واعتبار الحقوق الشرعية المتمثلة فى حفظ الأواصر والترابط الدينى فضلًا عن الجوانب الإنسانية ومما هو بالكاد نوع من أنواع الفساد الأخلاقي الذى أصبح التبارى فيه يشعرك وكأنه غاية محمودة عند من وقع فى أسر ذلك الانحطاط والتدنى الخلقى. ولقد زادت حدة الإختلافات بشكل ملحوظ فى الفترات الأخيرة لتشمل كل ما هو خاص وعام دونما وعى وإدراك لضبط النفس وفق المعايير الأخلاقية التى تسنها الشرائع فضلًا عن الموازين الإنسانية التى تضبطها آليات الثقافات المختلفة المبنية على مبادئ القيم الإنسانية المتعارف عليها بين الشعوب والبيئات المختلفة وكذلك دون التحقق بالوسائل العلمية المعتبرة التى لا تدع مجالًا للريبة والاحتمالات المزعومة التى كثيرًا ما يفرضها صاحب الرأى نصرة لهواه لا نصرة للحق. وحينما يضيق به الاختلاف ترى العجب العجاب من كم السباب واللعن وإصدار الأحكام الأخلاقية وربما الدينية العقدية التى أحيانا كثيرة تصل إلى حد الطعن فى العقيدة بالتكفير. نعم ذلك الانهيار الأخلاقى الذى دافعه الأول البعد عن الدين وخاصة الجانب الأخلاقي الذى تكفل ببناء الفرد خاصة والمجتمع عامة وفق ضوابط وسلوكيات تُسهم بشكل كبير فى تطوره ورقيه نحو غايات محمودة ومنشودة . وحدَّ كذلك معاييرَ لا يجوز خرقها مهما تكبد الفرد أو المجتمع من ضيق فى أحتمالات اختلاف الرأى وخاصة فيما لا طائل من ورائه وما لا نفع فيه من الكثير والكثير من الأمور الضيقة التى تشغل حيزًا كبيرًا فى أفاق الرواد فى شتى مجالات الرأى مما ساهم بشكل أو بآخر فى نمو الفساد بصفة عامة . وحينما سُئِلتُ فى كيفية الخروج من ذلك؟ قلت إنه لا شك ولا مجال فى أن كيفية العلاج تكمن فى التخلق بإخلاق الدين وجعْلِه سقفًا ملزمًا باتباع أوامره وعدم نسيان أن ذلك عهد بيننا وبين ربنا وميثاقًا ألزمْنا أنفسنا به من حيث كوننا ملتزمين بضوابط ذلك الدين أصولًا وفروعًا. فما أحوجنا اليوم إلى ضبط التفاعل فى الحراك المجتمعى بين بعضنا البعض وبيننا وبين غيرنا، ذلك الحراك المبنى على الضابط الأخلاقى الذى تفسخ عِقدهُ وانفرطت حباتهُ للأسف الشديد. فهل تكون لهذه الكلمات وقعا فى نفوسنا، وفى جوانب تحركاتنا وانفعالاتنا وتعمالاتنا؟ وهل تعود أخلاقنا إلى ما ينبغى أن تكون عليه أصالة؟ من حيث كوننا متخلقين بأخلاقيات دين جاء به نبى يدعو إلى تمامه وكماله بالأخلاق حينما قال صلى الله تعالى عليه وسلم : '' إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق '' . والنصوص فى هذا الصدد كثيرة وكثيرة وغالبنا يعرف منها الكثير ولكن للأسف الشديد هناك فرق بين الجانب النظرى والجانب التطبيقى. وما أحوجنا أيضًا أن نتذكر جميعًا حتى ولو صار ذلك التذكير من جملة أمنياتى، بما أتفق عليه الشيخان البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمر فقد أخرجا فى صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". ومن معانى الرعاية الحفظ والأداء والحماية والوقاية والإنفاذ والمسؤلية وغير ذلك من جملة المترادفات الدائرة فى دِلالات اللفظ، وتأتي الأخلاق من جملة المحميات التى ينبغى أن تطالها المسؤولية الفردية والمجتمعية. بمعنى أن أخلاقى أمانة ينبغى رعايتها بين جنبات نفسى.. فهل من مجيب.