قال الشيخ عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ، إن الله تَعَالَى هيأ قلوب الوالدين على حب أبنائهم فِي التربية والإِصْلَاح. واستشهد «الثبيتي» خلال خطبة الجمعة اليوم بالمسجد النبوي، بما ورد عن أسامة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فإني أرحمهما. وأوضح أن من مظاهر التربية إِظْهَار الحب للأَبْنَاء، ومن ذلك تقبيل الصغار وضمهم، ففي الحديث: «قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع إن لي من الولد عشرة مَا قبلت أحدًا منهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن من لا يرحم لا يُرحم». ودلل بما جاء في الحديث أيضًا، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب أصحابه إذ جاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قَالَ صدق الله: «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ»، نظرت إِلَى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. وأَضَافَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمازح الصغار ويتواضع لهم ويراعي خصائصهم قَالَ لأحدهم: يا ذا الأذنين، ولآخر يا أبا عمير مَا فعل النغير؟، منوهًا بأن مِنْ أجل ممارسات التربية بالحب وأنفعها تَأْثِيرًا هي دوام الدُّعَاء لهم بالهداية والتوفيق والصلاح والحفظ قَالَ جل من قائل: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»، وقال على لسان زكريا «فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا». وَأَشَارَ إِلَى أن الدُّعَاء على الأَبْنَاء منهي عنه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَدْعُو على أنفسكم ولا تَدْعُو على أولادكم ولا تَدْعُو على أموالكم لا توافق من ساعة يسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم». وَأكَّدَ الشيخ الثبيتي أن القدوة الحسنة هي أساس التربية، وهي أبلغ من القول والقراءة قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، مُشِيرًا إِلَى أن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَار الحب حتى فِي مواقف الزلل والتقصير فعن أبيِ هُرَيْرَة" قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكْتُ. قَالَ: مَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي, وَأَنَا صَائِمٌ – وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرينِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْ هَذَا, فَتَصَدَّقَ بِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَ اَللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». ولفت إلى أن المربي لا يستغني عن الحكمة والموعظة الحسنة ولين القول ورفق الجانب والبعد عن العنف والتجريح قَالَ الله تَعَالَى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». واستند إلى ما ورد عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حَدِيثًا فبكت فقلت لها لم تبكين؟ ثم أسر إليها حَدِيثًا فضحكت فقلت مَا رأيت كالْيَوْم فرحًا أقرب من حزن فسألتها عما قَالَ؟ فقَالَت مَا كنت لأفشي سر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألتها فقَالَت أسر إِلَى أَن جبريل كان يعارضني القُرْآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلَّا حَضَرَ أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقًا بي فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الَجْنَة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك). وشدد على أنه ينبغي للمربي أن لا يستصغر عقل من يربيه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). وَأَشَارَ إِلَى أن من مقتضى الحب العدل بين الأولاد، عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قَالَ: لا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فارجعه) وفي رواية: قَالَ: (فاردده) وفي رواية: (فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قَالَ: لا. قَالَ: اتقوا الله، واعدلوا فِي أولادكم، قَالَ: فرجع أبي فرد تلك الصدقة). وفي رواية قَالَ: (فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور). ونبه إلى أن تربية البنات والإحسان لهن هدي نَبَوِيّ وذلك بتعليمهن وتنشئتهن على العفة، عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثته قَالَت جاءتني امْرَأَة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت فدخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثته فقال من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كن له سترًا من النار. وقال إن دمج الأولاد فِي مناشط جادة ومشاريع نافعة ومنها برامج العمل الخيري يرفع طموحهم ويحمي من الهبوط فِي سفاسف الأمور والترهات، مُضِيفًا أَنَّ من نواقض التربية إِهْمَال التأديب بزيادة التدليل والمجاهرة بالذنب قَالَ صلوات ربي وسلامه عليه: (كفى بالمرء إِثمًا أن يُضَيِّع مَن يقوتُ). ونوه بأن وسائل التأثير العصرية تطورت وأنها أفرزت تغييرات جذرية فِي الأفكار والمفاهيم والسلوك حتى أصبحت منافسة لدور الأسرة، فهنا تكمن أهمية التربية بالحب وتجديد أساليب التربية وزرع القيم، دَاعِيًا المؤسسات التعليمية والتربوية للقيام برسالتها فِي المحافظة على أمل المستقبل وثروة الوطن بتحصين المبادئ والأَخْلَاق، والاهتمام بالشباب قَالَ جل فِي علاه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُو أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ».