* الرائد سمير نوح ل"صدى البلد": * العميد إبراهيم الرفاعي قاد عملية "لسان التمساح" ثأرًا للفريق عبد المنعم رياض * نفذنا العملية في ليلة الأربعين من استشهاد الجنرال الذهبي * الإسرائيليون اختبأوا داخل الدشم وأجبرناهم على الخروج بالقنابل الحارقة * قتلنا 44 إسرائيليًا في عملية لسان التمساح والرئيس عبد الناصر شكرنا جنرال يسير بين جنوده، يشد على بنادقهم، يسمعهم ويحدثهم: "مكان القادة الصحيح وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية"، مشهد سجل نهاية واحد ممن خلدهم تاريخ العسكرية المصرية، لنتذكره عامًا بعد عام ليصبح يوم وفاته هو يوم الشهيد المصري. في 9 مارس عام 1969 كان الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، يزور الجبهة، ويمر بجنوده في الخطوط الأمامية، وفي آخر المرور دخل إلى نادي الشاطئ الخاص بهيئة قناة السويسبالإسماعيلية، وكان في مواجهة ذلك النادي في الضفة الشرقية موقع للعدو يسمى "لسان التمساح"، وكان هذا الموقع دائما ما يوجه قذائف صاروخية وقذائف هاون على مدينة الإسماعيلية، دمرت عددا كبيرا من منازل المدينة بخلاف الضحايا من المدنيين. شعر العدو من مظهر دخول الفريق إلى نادي الشاطئ ومن السيارات المصاحبة له بأن هناك شخصيه مهمة، وبكل الغدر أطلقوا قذائف الهاون والصواريخ، وأصيب الفريق عبد المنعم رياض واستشهد بين ضباطه وجنوده. الرائد سمير نوح، أحد أبطال المجموعة 39 قتال، يتذكر تفاصيل ما جرى عقب استشهاد الفريق عبد المنعم رياض: "صدرت التعليمات بالانتقام لمقتل رياض، وأوكل الأمر للعميد إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال التي كبدت العدو خسائر فادحة خلال فترة حرب الاستنزاف". على الفور اختار الرفاعي عددا من ضباطه وانطلق بهم إلى الإسماعيلية حيث مقر إرشاد هيئة القناة، في ذلك المبنى المرتفع استطلع الرفاعي الموقع الذي ضرب على الشهيد عبد المنعم رياض ورسم تخطيط له، وكان الموقع مكونا من أربع دشم، اثنتان في الأمام واثنتان في الخلف بينها أرض لتجمع الأفراد في طابور الصباح ولإجراء الطوابير الرياضية، وخلف تلك الدشم كانت مخازن الذخيرة الخاصة بالموقع ومخازن التعيينات والوقود، ثم عاد الرفاعي وضباطه إلى القاهرة، وطلب من كل واحد فيهم أن يختار مجموعة من ضباط الصف والجنود وأمرهم بتدريبهم على تفاصيل المهمة الجديدة. في 19 أبريل عام 1969 كانت ليلة الأربعين لاستشهاد البطل عبد المنعم رياض، غادر الرفاعي وقوته مرة أخرى إلى الإسماعيلية – الحديث على لسان الرائد نوح - وكانت القوة مكونة من أربع ضباط، إضافة إلى ضابط استطلاع وأربعين فردا وانتظرنا في مبنى الإرشاد بالإسماعيلية، وهو مواجه لموقع لسان التمساح الذي حملت العملية اسمه. استطلع ابراهيم الرفاعي وضباطه موقع العدو واطمأن على أنه كما هو لم يتغير، وبعد ذلك تناول الجميع طعام الغداء سويا ضباطا وأفرادا، ثم اجتمع البطل الرفاعي بقادة المجموعات للتلقين النهائي - الحديث ما زال للرائد سمير نوح - وحينما حل الظلام أعطى الرفاعي أمره إلى المدفعية بقصف موقع العدو بالضفة الشرقية، وكان تراشق المدفعية في هذا الوقت يعتبر شيئا عاديا، وكان من الطبيعي أثناء قصف المدفعية أن يختبيء أفراد العدو داخل المخابئ وكان مقصودا بذلك أن يدخل أفراد الموقع المقصود داخل الدشم ولا يخرجوا منها طوال فترة القصف. وأثناء القصف – الكلام ما زال للرائد نوح - عبرنا تحت قيادة الرفاعي إلى الضفة الشرقية في اتجاه موقع لسان التمساح، ووصلت الزوارق إلى الشاطئ الشرقي، فأمر الرفاعي بإيقاف ضرب المدفعية على الموقع وبعد إشارة من ضابط الاستطلاع - الأب الروحى للمجموعة - العميد مصطفى كمال بإيقاف ضرب المدفعية المصرية اتجهت كل مجموعة بقائدها نحو الدشمة المكلفة بها. وتذكر نوح تفاصيل الخطة وقادة المجموعات الأربع: "كنت بمجموعة الرائد أحمد رجائى عطية ومعين على الدشمة رقم 1 والمجموعة رقم 2 بقيادة النقيب محيى نوح، والمجموعة رقم 3 بقيادة الملازم أول وئام سالم، والمجموعة رقم 4 بقيادة الملازم أول حنفى معوض غير مجموعات أخرى وهى مجموعة القيادة والسيطرة بقيادة المقدم إبراهيم الرفاعى، ومعه المقاتل محمد عبده موسى والمقاتل عبد المنعم غلوش والمقاتل مصطفى إبراهيم ومجموعة أخرى، وهى أهم مجموعة لحراسة منطقة الزوارق والعبور بقيادة المقدم غالى نصر والرائد إسلام توفيق والمساعد عبد العزيز عثمان والرقيب أول على أبو الحسن وتقدمنا إلى أعلى الموقع". "عقب عبورنا لم نجد أي جندي إسرائيلي، وعلمنا أنهم مختبئون داخل الدشم، على الفور بدأنا بإلقاء القنابل اليدوية من فتحات التهوية من القنابل الهجومية التى تحدث صوتا شديدا جدا وقنابل الدخان المسيلة للدموع بالدشم وقطع أسلاك التليفونات، وقام البطل محمد وئام سالم بحرق العربات الموجودة بالموقع وإسقاط العلم الإسرائيلي وتدمير المدافع ومخازن الذخيرة، إلا أن كل ذلك لم يدفع أفراد العدو للخروج من الدشم فبدأت المجموعات تستخدم نوعا من قنابل الدخان الخانقة والقنابل الهجومية وجرى إلقاءها داخل الدشم". وهنا تبدأ معركة الثأر الحقيقية، كما وصفها الرائد سمير نوح وخاضها مع رفاقه داخل المجموعة 39 قتال: "لم يتحمل أفراد العدو تأثير قنابلنا فخرجوا من الدشم هاربين كالفئران لنحصدهم بطلقاتنا أنا ورفاقي وتمكنا من القضاء على الموقع بالكامل وكانت محصلة العملية قتل حوالى من 40 إلى 44 فردا إسرائيليا كانوا كل قوة الموقع". "أنا وهنيدي قتلنا 30 إسرائيليا من ال44" قالها الرائد سمير نوح بفخر: "بعد الاستيلاء على الموقع بالكامل تم نسف المخازن إضافة إلى نسف مدرعتين وقتل طاقمهما نتيجة ألغام تم زرعها على الطريق المؤدى للموقع بمعرفة مجموعة الكمين وقطع الطريق عن الموقع بقيادة الملازم أول محسن طه ومجموعته، وهم محمد الصادق عويس والمقاتل السيد سليمان سليمان والمقاتل مرسى أحمد مرسى وظللنا بالموقع بعد تدميره لمدة ساعتين كاملتين، وكان آخر من انسحب هو البطل إبراهيم الرفاعي". في صباح اليوم التالي، توجه الزعيم جمال عبد الناصر لزيارة جرحى العملية وكان مهتما جدا بمعرفة قدرات الجندي الإسرائيلي عند مواجهته مع الجندي المصري، وانصرف الرئيس وهو مطمئن تماما بعد أن عرف تفصيلات المواجهة وهروب الإسرائيليين مذعورين أمام أبطال القوات المسلحة المصرية. وكان بين المصابين البطل محيى نوح والبطل محمود الجيزى والبطل حسن البولاقى، وعند تصوير البطل الجيزى مع الرئيس عبد الناصر استسمحهم ألا ينشروا صورته فى الصحف خوفا من انزعاج زوجته عليه لأنه كان متزوجا قبل العملية بأسبوع واحد فقط. "لسان التمساح" كانت المواجهة الأولى بين الجندي المصري والجندي الاسرائيلي منذ حرب 1948 وحتى ما قبل حرب أكتوبر 1973 ليثبت رجال قوات الصاعقة والمجموعة 39 قتال أن القوات المسلحة المصرية كانت -وما زالت- قادرة على سحق أسطورة القوات الإسرائيلية بعد أن تم الأخذ بثأر الفريق عبد المنعم رياض.