بين أحضان الأماكن التاريخية والإسلامية في شارع المعز بالقاهرة تقبع حارة صغيرة تزخر بالمهن اليدوية التي قاربت على الاندثار لعوامل الحياة والتكنولوجيا وقلة صانعيها وتحديدا في منطقة "الربع" والتى أصبحت مهجورة بسبب غلق اغلب الورش بها لتأثر صناعاتها بالتطورات وقلة الإقبال على الشراء من الصناعات اليدوية التى تميزت بها تلك المنطقة. عم سيد أنيس البالغ من العمر 64 عاما، صاحب ورشة للنقش على النحاس بشارع المعز، لم يمنعه هجر أرباب الحرفة من الاستمرار في مزاولتها، فلايزال يعمل بها رغم كثرة الصعاب التى تعانيها الحرفة فى الآونة الأخيرة من قلة الإقبال عليها. قال عم سيد إنه يمتهن مهنة النقش على النحاس منذ أكثر من 53 عاما عندما قام والده بإخراجه من المدرسة لتعليمه حرفة النقش علي النحاس كما علمها لإخوته الثمانية نظرا لما كانت تجلبه تلك المهنة من دخل بسبب اقبال الناس عليها، خاصة فى ظل استخدام تلك الأدوات النحاسية فى البيوت والزينة بكثرة. ويضيف "عم انس" أنه في السابق كان يوجد اكثر من 90 ورشة للنقش علي النحاس داخل "الربع" وأصبح الآن لا يوجد غيري بسبب تطوير هذه الحرفة واستخدام الماكينات بها بدلا من العمالة الماهرة بالإضافة إلي استبدال النحاس بالحديد المطلي بلون النحاس الذي يتأثر بعوامل الجو. وأوضح، أنه في حين ان أى مهنة تحب التجديد لكن النحاس فقط لا يحب التجديد فهى المهنة الوحيدة التى تفضل العمل اليدوى القديم حتى يظل الزبون موضع اهتمام، فأي شيء فى النقش على النحاس يُقال انه يتطور فهو فى الحقيقة يتدهور، كما أن المشكلة الآن تتمثل فى غلاء الاسعار لان النحاس سعره فى ارتفاع كل يوم، ولم نعرف السبب فى ذلك فالبعض يرجعه الى ارتفاع أسعار الدولار وارتفاع متطلبات المعيشة. وتابع "أستبعد تماما أن يتوارث ابنائى المهنة وأدرك أن بقاءهم فى مجال التعليم افضل لهم ولمستقبلهم في زمن تندثر فيه المهن اليدوية الاصيلة ولا تبقى قادرة على توفير متطلبات الحياة اليومية لأصحاب تلك المهن"، مشيرا الى أن ترك أبنائه لتلك المهنة ليس بالشيء السهل على نفسه ولكن "علشان ظروف الحياة". وطالب عم سيد من وزير الثقافة الاهتمام بهذه الحرف اليدوية وانشاء مدارس لها لحمايتها من الاندثار والحفاظ علي تراثنا وهويتنا وفتح اسواق خارجية لتصدير هذه المنتجات الى جميع دول العالم .