انتهاء اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب ب30 دائرة ملغاة    رصد كيانات غير شرعية تنظم برامج وأنشطة سياحية دون الحصول على تراخيص من الوزارة    محافظ الإسكندرية يستقبل قنصل عام تركيا لبحث تعزيز التعاون المشترك    عاجل- وزير الحكم المحلي الفلسطيني: 7 أشهر بلا تحويلات مالية.. وأزمة خانقة تعصف بالسلطة الفلسطينية    سيناتور روسي: العلاقات مع أوروبا لم تعد أولوية لترامب    روته محذرا دول الناتو: نحن الهدف التالي لروسيا بعد أوكرانيا    مفتي الجمهورية ينعى الدكتور ثروت مهنا أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر    منتخب مصر يخوض تدريبا مسائيا استعدادا لأمم أفريقيا    كأس عاصمة مصر، بتروجيت يتعادل مع وادي دجلة 1/1 في الشوط الأول    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    ضبط كميات من مصنعات اللحوم مجهولة المصدر داخل مصنع غير مرخص بالغربية    شاهد، لحظة انهيار عقار إمبابة بسبب تسريب غازي    مدينة العبور تجهز «شلتر» للكلاب الحرة لتحصينها وتنفذ حملات للتطعيم ضد السعار    مهرجان البحر الأحمر يكرم أنتوني هوبكنز والسير يعلق: شرف كبير وأحب السعودية    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    واشنطن تعلن عن تطوير الأنظمة المضادة لمسيرات تستهدف حدودها في تكساس    إكسترا نيوز: لا شكاوى جوهرية في ثاني أيام التصويت وإقبال منتظم من السيدات    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    أستاذ علوم سياسية: انتخابات النواب الحالية مختلفة وتشهد تنافسا غير مسبوق    الموظف نجيب محفوظ.. سيرة وثائقية عبر 37 عامًا    بيت الغناء العربي يستضيف "نغم باند" غدًا    «البشعة» محرمة شرعًا| علماء الدين: إيذاء وتعذيب واستخدام للباطل    خالد الجندي يحذر من الخطأ الشائع في كتابة «اللهم صل على النبي»    حسام وإبراهيم حسن يزوران معسكر منتخب مصر مواليد 2007.. صور    المصل واللقاح: لقاح الإنفلونزا آمن تماما ويحسن المناعة ولا يضعفها    فريق طبي بمستشفى التأمين الصحي ببني سويف يجري 4 تدخلات ناجحة بالمنظار    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    نصائح شعبة الذهب عند شراء الجنيهات والسبائك .. خاص    وزارة التعليم توضح : لا يجوز حرمان الطالب غير المسدد للمصروفات من دخول الامتحان    «هما كده» أغنية جديدة لمصطفى كامل ويطرحها السبت    لبلبة من ختام البحر الأحمر: سعيدة بردود الفعل على جوازة ولا جنازة    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    حصاد الوزارات.. رئيس هيئة الدواء يبحث مع مسؤولى مؤسسة جيتس تعزيز التعاون    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    محافظ كفر الشيخ: الانتهاء من تدريب وفد من 10 دول أفريقية على تقنيات تحسين تقاوى الأرز    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    خبير أرصاد: البنية التحتية لقطاع غزة معدومة    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل شيخ الأزهر في المولد النبوي: المغرمون بهدم القديم لا يقدمون إلا الضحالةُ والثرثرة.. والأمة تجني ثمرات مُرة لابتعادها عن هدي الرسول.. والشَّباب ثروة مصر وكنزها الدفين
نشر في صدى البلد يوم 08 - 12 - 2016

* الإمام الأكبر في خطابه للأمة في ذكرى المولد النبوي الشريف:
* أحذر من العصابة المفتونة التي تتنكر لكلِّ ما هو قديم
* المُغرَمُونَ بهدم القديم لا يقدمون إلا الرثاثةُ والضحالةُ والثرثرةُ
* الإنسانيَّة تفتقِرُ إلى كثيرٍ من ذخائرِ سيرة نبيِّ الإسلام
* الأُمَّة لم تجن من التَّنَكُّر لهَدْي نبيِّها إلا ثمراتٍ مُرَّة وهوانًا يصعب احتماله والصبر عليه
* الأمل معقود على الشباب للخُروجِ بالأُمَّةِ من حالة السكونِ والرُّكُودِ
* الشَّباب ثروة مصر وكنزُها الدَّفين وباعثُ نهضة الوطن المثقل بالهموم والآلام
هنأ الإمام الأكبر في خطابه للأمة في ذكرى المولد النبوي الشريف، الرئيس والشعب المصري وشعوب الأمتين العربية والإسلامية، محذرا من العصابة المفتونة التي تتنكر لكلِّ ما هو قديم.
وقال شيخ الأزهر، فى كلمته باحتفال وزارة الأوقاف بذكر المولد النبوي بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من الوزراء وكبار الدولة والمفكرين والمثقفين، إن المُغرَمُينَ بهدم القديم ليس في أيدِيهِم جديدٌ يقدِّمونَه وإذا أتوا بجديدٍ فإنما هو الرثاثةُ والضحالةُ والثرثرةُ، وإن الإنسانيَّة تفتقِرُ إلى كثيرٍ من ذخائرِ سيرة نبيِّ الإسلام.
وأضاف أن كثيرا من الصِّغَارِ ظنوا أنَّ لهم قامات يُساوِقونَ بها مَنَاكِبَ العُظَماءِ والمُصْلِحينَ والعِلْيَةِ مِمَّن لا يجود الزمن بأمثالهم إلَّا واحدًا بعد واحدٍ، لافتا إلى أن النبي الكريم وهب حياتَه الشريفة لنُصرةِ الحَقِّ ولَمْ يَعُد للأسفِ البالغِ هو مصدرَ التَّلقِّي والتوجيه لحياة المسلمين اليوم وقضاياهُم.
وفيما يلي نص كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في خطابه للأمة في ذكرى المولد النبوي الشريف:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لله وأصلي وأسلم على سيدي صاحب هذه الذكرى العطرة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.
سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي – رئيس جمهورية مصر العربية حفظه الله
الحَفْلُ الكَريم!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛
فإنَّ يَومَ مَولِدِه صلى الله عليه وسلم ليس فقط يومًا لميلادِ رَسُولٍ عظيمٍ، أنقذَ الله به الإنسانيَّةَ وصحَّحَ به التَّاريخ، وإنَّمَا هو ذكرى ميلاد أُمَّة صَنعَها هذا النَّبِيُّ الكريم، وربَّاها على كرائم الأخلاقِ وأصُولِ الفضَائلِ، والدَّعوة إلى الخَيرِ والحَقِّ، ومُقاومَة الشَّرِّ والبَاطِلِ، وبفَضلٍ من هذه التَّعالِيمِ النَّبويَّةِ قدَّمَ المُسلمُون في مَسيرتَهِم الحضَاريَّة كثيرًا مِمَّا أَسعَدَ الإنسانيَّة، وظلَّلها بظلالٍ وارفةٍ من العدلِ والحُريَّةِ والإخاء، وعصَمَها مِمَّا ارتكَسَت فيه حضَاراتٌ أُخرى، كانت – في بعض انعكاساتها- وَبَالًا وشَرًّا مُسْتطيرًا على البَشَريَّة قَديمًا وحَديثًا".
ولعلَّ مِن أصعبِ الصَّعبِ، إنْ لَمْ يَكُن من رَابِعِ المُستحِيلاتِ، تقديمُ شخصيَّةٍ استثنائيَّةٍ كشخصيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والإلمَامُ بِعَظَمَتِهَا، في كَلِمَةٍ أو مُحاضَرةٍ أو كُتُبٍ صَغُرَت أو كَبُرَت، فَضْلًا عن الإحاطةِ بملامِحِها وقَسَمَاتِها، وإنْ شِئْتُم دَليلًا على ذلك فانظروا إلى الإمام محمد بن يوسُف الصَّالحي الشَّاميّ، من عُلَمَاءِ القَرن العاشر الهجري، في مَوسُوعته الكُبرى: «سُبُلُ الهُدَى والرَّشَاد في سِيرةِ خَيْرِ العِبَاد»، فقد قضى هذا الإمام عُمره في تأليفِ هذه المَوسُوعةِ التي وصَفَهَا في مُقَدِّمة كِتَابِه بقولِه: «وإذا تأمَّلتَ هذا الكتاب عَلِمْتَ أنَّه نتيجةُ عُمْرِي وذخيرةُ دَهْرِي» وقال عنه: إنه انتخبه من أكثرَ من ثلاثِ مائةِ كتابٍ في السِّيرةِ، قرأها وتحرَّى فيها الصَّواب الذي أثبتَهُ في موسوعته هذه، وقد تَدهَشُونَ حين تَعْلَمُون حَضَراتُكُم أنَّ عدَدَ صفحَات مُجلَّدات هذا الكتاب بلغت سِتًّا وستينَ ومائةً وتسعةَ آلاف صحيفةٍ، كان محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- مِحْوَرَ الحَديث فيها، من أوَّلِ سطرٍ إلى آخر سطرٍ.
ومن عَجَبِ أمرِ هذه السِّيرةِ العَطِرَة أنْ تنوَّعَت إلى أنواعٍ عِدَّة من السِّيَر، لَمْ تُعْرَف لشخصيَّةٍ في التاريخِ البشريِّ إلَّا للذَّاتِ المُحمَّديَّة.
فمن هذه السِّيرة ما يُعْرَفُ بالخصائصِ، وهي: الصِّفَاتُ والفضائلُ والمكارِمُ التي اخْتُصَّت بها شخصيَّتهُ المُتفرِّدة على مستوى الإنسانيَّة، وعلى مستوى التاريخِ وامتداد الكَونِ.
ومنها نَوْعٌ ثانٍ أُطْلِقَ عليه «الشَّمائلُ المُحَمَّدِيَّة»، وهو عِلْمٌ مُستقلٌّ من علومِ السِّيرَة النَّبَويَّة، سُجِّلت فيه أدقُّ دقائقِ أوصَافِه صلى الله عليه وسلم الخِلْقيَّةِ، والخُلُقيَّةِ، وأحوالُه الشَّخصيَّةُ والمنزلِيَّة والمُجتمَعيَّة.
وفي هذه الشمائل نقرأُ وصفًا تفصيليًّا عن: هَيئتهِ صلى الله عليه وسلم: وقسماتِ وَجْهِهِ الشَّريف، ولَوْنِهِ وعينيهِ وأنفِه وفَمِهِ وشَعْرِهِ، وطُولِهِ وعَرْضِهِ، وكَفَّيهِ وقدَمَيْهِ، وكيفيَّة مِشْيَتِهِ، وكيفَ كان ينظرُ إلى النَّاسِ.. ثُمَّ ينتقلُ التَّسجِيلُ الدَّقيقُ إلى وصفِ خاتَمِه صلى الله عليه وسلم، وخِضَابِه ولِباسِه وخُفِّهِ ونَعْلَيه، وسَيْفِه ودِرْعِه، وعِمَامتِه وإزاره، ثم جِلْسَتِهِ واتِّكائِه، وأكله ونَوْمِه، وضَحِكِه ومِزاحِه وبُكائه، إلى تفاصيلَ أُخرى يضيقُ المقامُ عن سَرْدِها..
هذا فيما يتعلَّق بصِفاتِه الخِلْقِيَّة، أمَّا صفاتُه الخُلُقِيَّةِ فقد أُحْصِيت أصولُها، واستقلَّت بها أبوابٌ وفصولٌ، بل كُتُبٌ مستقلَّةٌ، مثل طول حِلْمِه وقوَّة احتمالِه وعَفْوِه صلى الله عليه وسلم، وجوُدِه وكَرَمِه، وشجاعتِه ونَجْدَتِه، وحيائِه وإغضائه، وحُسْنِ عِشْرَتِه، وشَفَقَتِه ورأفتِه، ووفائِه وحُسْنِ عَهْدِه، وتواضُعِه، وعَدلِه وأمانته، ووَقَارِه ومُروءَتِه صلى الله عليه وسلم.
ولم يقتصر هذا الشَّغَفُ بتسجيلِ حياة النبيِّ الكَريم على قُدامى المؤرِّخينَ، وكُتَّابِ المغازي والسِّير، بل امتدَّ هذا الحُب والوَلَع لمؤرخي كل عصرٍ ومِصْرٍ، ومن أواخِر عُشَّاقِ هذه السِّيرةِ المُطَهَّرةِ –فيما نَعْلَمُ-الدكتور/ صلاح الدِّين المنجِّد (ت 2010م) رحمه الله، والذي أصدر كتابًا بعنوان: «مُعْجَم مَا أُلِّفَ عن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم»، أحصى فيه ألفين وأربعمائة وثمانية وثمانين كتابًا تخصَّصَت في تسجيلِ حياته صلى الله عليه وسلم في كلِّ جوانبها ومناحيها..
ورُغم هذه الكثرة من المؤرخينَ المسلمينَ وغيرِ المسلمينَ مِمَّن نذروا حياتهم وأفنوا أعمارَهُم في تسجيلِ سيرة نبيِّ الإسلام، والكشفِ عن أسرارِها ودقائِقها، رُغم ذلك بَقِيَ من ذخائرِ هذه السِّيرةِ الزَّكيةِ الكثير الذي تفتقِرُ إليه الإنسانيَّة اليوم، وتحتاجه احتياجَ الأعمى إلى قائد خبيرٍ بالطريقِ، بصير بمزالقِهِ ومهالِكِه.
على أنَّ ما كتبه المؤرِّخونَ واستنفدوا فيه ماءَ عُيونِهِم، هو أقلُّ قليل تُقدِّمُه البشريَّة من إجلالٍ واعترافٍ بالعَظَمةِ والعُظماءِ، وإذا كان تكريمُ العظيمِ حقًّا على النَّاسِ، أيًّا كان الزمنُ الذي يُظِلُّ هذا العظيم، أو الأرضُ التي تُقله، فإنَّه في زمننا هذا من ألزم اللَّوازم وأوْجَبِ الواجباتِ، بعد أن استبدَّت الحركاتُ السياسيَّةُ المُعاصرةُ، والمذاهبُ الاجتماعيَّةُ الحديثةُ الوافدة، بتوجيه أبنائنا وبناتنا، ودندنت لهم طويلًا على وَتَرِ «المُسَاواةِ»، وتساوي الرُّؤوس، وعَدَم التَّمايُز، حتى ظَنَّ كثيرٌ من الصِّغَارِ أنَّ لهم قامات يُساوِقونَ بها مَنَاكِبَ العُظَماءِ والمُصْلِحينَ، والعِلْيَةِ مِمَّن لا يجود الزمن بأمثالهم إلَّا واحدًا بعد واحدٍ، وعلى سبيلِ النُّدرةِ، والاستثناءِ من القاعدة ومَجرَى العادات، بل اعتقدَ كثيرٌ من المُتضَخِّمةِ نُفُوسُهم وعقولهم بالفَهْمِ المُنْحَرِف لمعنى «المُسَاواة» أنَّ مِن حقِّهم إنكارَ العَظَمةِ، وغَمْطَ العَظيمِ حقَّه، وأنَّ جديدَهُم جديرٌ بنَسْخِ القديمِ في كلِّ شيءٍ، حتى لو كان هذا القديمُ أصلًا أو جِذْرًا يَضُخُّ الغِذَاءَ، ويَهَبُ الحَيَاةَ لثمراتٍ يانعاتٍ على أغصانها، وأن هذه الثَّمرات إذا ما اجتثَّت عروقُها من جذورها لا تَلبَثُ أن تجِفَّ وتموتَ، ثم تَذْرُوها الرياح التي تَهُبُّ عليها من غَرْبٍ ومن شرقٍ، ولا مَفرَّ مع هذه الآفة التي يبعثُها الغُرور ويُثيرُها النَّزَقُ، من أن تضطربَ القِيَمُ، وتهتزَّ المَعاييرُ، وتنْبَهِمَ معالمُ الحَقَّ، وتَهبِطَ قيمةُ الضَّميرِ الإنسانيِّ إلى الحضيضِ..
وما أصدقَ ما قالَه عملاقُ الأدب العربي الأستاذ/ عباس محمود العقاد، وهو يُقَدِّمُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في مُفتَتَحِ عَبْقَريَّة مُحَمَّد.. من أنَّ الإنسان الذي لا يرى عظمة العظيم، إنسان لا يساوي شيئًا، وأنَّ المجتمعَ الذي يضيع فيه الكبير يضيع فيه الصغير لا محالة. يقول رحمه الله: «ماذا يُسَاوِي إِنْسَانٌ لَا يَزِنُ الإِنْسَانُ العظيمُ عنده شيئًا؟ وإذا ضاعَ العظيمُ بين الناس فكيف لا يضيع بينهم الصَّغيرُ!» ولله درُّ أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته التي يَمتَدِحُ فيه الأزهرَ الشَّريفَ ويشكُرُ له قيمومَتَهُ على التُّراثِ الإسلاميِّ، الذي هو تراث إنساني، لا تزال تنهَلُ من حياضِه عظائمُ العقولِ في الشَّرقِ والغربِ حتى يومِ النَّاسِ هذا، ثم يُحَذِّرُنا مِمَّا يُسَمِّيه «عِصَابَةً مَفتُونَةً» تتنكَّرُ لكلِّ ما هو قديم، حتى كادوا يُنكِرُونَ آباءهم وأجدادَهُم لأنهم قُدَمَاء.. وأنهم مُغرَمُونَ بهدم القديم، وليس في أيدِيهِم جديدٌ يقدِّمونَه، وإذا أتوا بجديدٍ فإنما هو الرثاثةُ والضحالةُ والثرثرةُ، يقول شوقي:
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ *** يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا
وَلَوِ استَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا *** مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ *** وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً *** وَالعِلمِ نَزرًا وَالبَيانِ مُثَرْثَرا
الحفل الكريم!
إنَّ احتفالَنا اليوم بتكريم سَيِّدِنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم هو احتفالٌ بتكريمِ العَظَمَة الإنسانيَّةِ في أعلى ذُراها وذُؤاباتِها، فقد كان صلى الله عليه وسلم عظيمًا في مَوْلِدِه، عظيمًا في حياتِه، وسياستِه وإدارتِه، وحديثِه وبلاغتِه، عظيمًا في رئاسته وفي قيادته، عظيمًا وهو أبٌ وزوجٌ وسيِّدٌ ورَجُلٌ، ثم هو عظيمٌ بالغُ العَظَمةِ في التَّاريخِ.. وقليل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمثاله من عظماء الإنسانيَّة أن تُفْرَدَ المُجلَّدات الطِّوالُ لتاريخِهم وسيرهِم، وأنْ يُنْفِق مئات المؤرخين أعمارهم في تسجيل سيرهم الشريفة. وأن تحتفل الأمم بذكرى مولدهم..
وتبقى كلمة توجبها أمانة النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم، وهي أن هذا النبي الذي «وهب حياتَه الشريفة لنُصرةِ الحَقِّ، وصبر على الإيذاء يوما بعد يوم سنينَ عَدَدا» لَمْ يَعُد للأسفِ البالغِ هو مصدرَ التَّلقِّي والتوجيه لحياة المسلمين اليوم وقضاياهُم ومعاركِهِم الكبرى مع الفقر والجهل والمرض.. والتخلف العلمي والثقافي، وقد جَنَتْ هذه الأُمَّة من التَّنَكُّر لهَدْي نبيِّها صلى الله عليه وسلم ثمراتٍ مُرَّة، وهوانًا يصعب احتماله والصبر عليه، وكان المأمول أن تكون ذكرى مولد نبيهم تجديدًا لخيرية هذه الأمة التي خاطبها القرآن الكريم بقوله:﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ {3/110}.
وإذا كان المسلمون يخوضون اليوم معاركَ جديدة ومتنوعة من أجل التنمية والتقدم العلمي والتِّقَني والحضاري، بعد أن سُحب البساط من تحت أقدامهم لصالح حضاراتٍ أخرى، وأصبح ميزانُ العِلْمِ والتقدُّم والقُوَّة في أيدي غيرهم، فأحرى بهم أن يتوقَّفُوا طويلًا عند ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، يتأمَّلون ويقتبسون من مشكاته مشاعل على طريق النهوض، والعزيمة ومواصلة التحدِّي والصَّبرِ على الأزماتِ، فقد ترك لنا صاحبُ الذَّكرى العَطِرَة ثروة هائلة من تعاليمه ووصاياه، ونماذجَ لا مثيلَ لها من أفعاله ومواقِفِه وسُلوكه، وكان الظن أن نفيد من هذا الكنز الخُلقي، والعَقَدِيِّ، في معركتنا اليوم ضِدَّ العَجْز والتَّخلُّف، والتَّبَعِيَّة والهَوَان، حتى أصبح الباحثُ المتأمِّلُ الذي يقارِنُ بين الميراثِ النَّبوِيّ، وبين حالِ المسلمينَ الآن يَنتابُه ما يُشبِه دُوارَ الرَّأسِ من هذا الانفصام بين ما تَملِكُه هذه الأمَّة من مصادِرِ القوَّة وأسبابِ التحضُّر والانطلاق، والواقع المتواضع، بل الشديد التواضُع والذي طالَ عليه الأمدَ وأصبحَ من أهمِّ ملامحِ هذه الأُمَّة وأبرز قَسَمَاتها..
ولسنا –علم الله- من هواة تثبيط الهمم والبكاء على الأطلال، ولكنه الواقعُ الذي يصعب تجاهلُه أو غض الطرف عنه، وإلَّا فإنَّنِي –والحمد لله- مملوءٌ أملًا وثقة لا حدود لهما - في هذه الأمة، وأنها وإن أصابها الوَهْن والمرض، فإنها –بإذنه تعالى- لن تموتَ ولن تفنى، وستظلُّ حاملةً لشُعلة الحَقِّ والخَيْرِ وستبقى «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» كما وصفها القرآن الكريم..
والأملُ – بعد الله تعالى –معقود على شباب أمتنا وشاباتها، مِمَّن نقرأُ في عيونهم بشائرَ الأملِ ومخايِلَ العَزْمِ على الخُروجِ بهذه الأُمَّةِ من حالة السكونِ والرُّكُودِ، والتصميمَ على الانطلاقِ بها في سباقِ الحضارات والرُّقي والتقدُّم، مستضئينَ بالوحي المعصُوم وبَهْديِ صاحبِ هذه الذكرى صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى إخوته من الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين.
سيادة الرئيس!
أشكركم على الاهتمام الخاص بشبابِ مصر، وأوصي نفسي وأوصي الجميع بأن يضعوا هذا الشَّباب نصب أعينهم، فهم ثروة مصرَ وكنزُها الدَّفين، وباعثُ نهضة هذا الوطن المثقل بالهموم والآلام، لكنه مفعم بالآمال والثقة في الله تعالى..
وأختم كلمتي بتهنئتي لكم –سيادة الرئيس!- وللشعب المصري وشعوب الأمتين: العربية والإسلامية، بذكرى المولد النبوي الشريف، سائلًا المولى سبحانه أن يوفقكم لما فيه خير البلاد والعباد. وكل عام وأنتم جميعًا بخير".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.