عِيدٌ بأَيَّةِ حَال عُدْتَ يا عيدُ بما مضي أَم لِأَمْرٍ فيكَ تَجْديدُ؟ أما الأحِبَّةُ فالبيداءُ دْو نهمُ فَلَيْتَ دُونك بيدا دونها بيدُ؟ تعاودني أبيات المتنبي التي أنشدها عند خروجه من مصر، في يوم عرفة عام ثلاثمائة وخمسين هجرية.. خرج من مصر يائساً مروعاً بما وجده من فساد واضطراب.. وحكم شاذ لكافور العبد الذي اعتلي عرش مصر وقد جاء اليه هذا الشاعر العبقري ومدحه بقصائد متقنة، لكن ظاهرها غير باطنها، نقرأها علي أنها مديح، فإذا تأملنا المعاني الدفينة سنجد إنها هجاء. كفي بِكَ داءُ أن تري الموتَ شافياً وحَسْبُ المنايا أن يُكنّ أمانِيَا هذا المطلع أنشده عند قدومه علي كافور، المفروض أنه مديح، لكنه الذم المبين عينه، كان طموح المتنبي العظيم محدوداً جداً، كان يريد من كافور أن يوليه علي مقاطعة، يريد أن يصبح أشبه بالمحافظ في زماننا، السيد الوزير المحافظ أبوالطيب المتنبي، هل يستقيم ذلك؟، بالطبع لا، لكن كيف يمكننا الحكم ونحن علي مسافة أكثر من ألف عام، خلال إقامته بمصر ومعاناته التقط الشاعر العبقري جوهر السلطة، وما يشبه سر القوانين الحاكمة للنظام السياسي، يكفي هذا البيت الذي أردده دائماً ويعزيني عن كثير. وَمَاذا بِمصْرَ مِنَ المُضْحِكاتِ ولكنَّه ضَحِكُ كالبُكَا استدعي حُزن المتنبي لأنه يطابق ألمي، وأنا أري الوطن الذي سأصبح جزءاً من ثراه ينحدر إلي الهاوية، وليس الظلام المنقطع الذي يداهمنا الآن الا تجربة للظلام الأشمل، معذرة فليست هذه اللهجة المناسبة للعيد، لكنها الاحوال التي لا تترك في الروح متنفساً للفرج، أو علي الأقل التظاهر به، يا حسرة علي العباد يقول المتنبي أيضاً. تركنا أَرْضَ مِصْرَ لِكلِّ فدْمٍ لَهُ باعٌ يُقصِّر عن ذِرَاعٍ نفوسٌ لا تليق بها المعالي وأخلاق تضيق عن المساعي أقمت بها.. ومن مِحَنِ الليالي مُقام الأُسْدِ في كهف الضباعِ نقلا عن الاخبار