ما حدث في قرية الكرم التابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا في صعيد مصر كان أمرا متوقعا خاصة في هذه المنطقة التي يتواجد فيها التطرف بأشكاله العديدة بداية من التطرف الديني الي الفكري والعقائدي الذي ينتشر بصورة لافتة للنظر وسط تجاهل تام من الدولة وترك الأمور تصل الي حد الأزمة وأتوقع أزمات متعددة قادمة اذا استمر هذا التجاهل من جانب المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية وعدم الاهتمام بتنمية الصعيد بصفة عامة. أذكر أنني حضرت جلسة صلح في عام 2007م في مركز ديروط بمحافظة أسيوط وكانت الأزمة تتشابه كثيرا مع الأزمة الحالية وكان أطرافها أيضا شابا مسيحيا وفتاة مسلمة ولكن تم احتواء الأزمة ومعاقبة الأطراف التي انتهكت القانون وتسبب في نشوب الأزمة في ذلك الوقت. لكن أزمة أبو قرقاص تختلف إلي حد ما عن أزمة ديروط بأسيوط بعد أن ظهر من استغل الأمور التي تمر بها البلاد ونفخ في النار الراكدة تحت التراب لتشتعل وتظهر بالشكل الذي حدث الآن، كما هو الحال فى قرية الكرم بمحافظة المنيا التي اختلطت فيها الأوضاع السياسية بصورة كبيرة وتشابكت الأطراف وساهمت في إشعال نار الفتنة، بدليل أن أقباط المهجر والإخوان تدخلوا لزيادة اشتعال الأمور خاصة أن أقباط المهجر والإخوان يتخذون من النظام الحكام في مصر موقفا عدائيا بغض النظر عن المصالح الوطنية أو الأخلاقية. وبدأوا في إشعال النار بين الأقباط والمسلمين هناك رغم تأكيدات أهالي القرية بأن ما حدث ليس له علاقة بالدين ولكنه خلاف عائلي بين عائلتين في القرية مثلما يحدث في قري أخري سواء كان الخلاف بين مسلمين ومسلمين أو أقباط وأقباط، ونجحت يد الشر في نشر شائعات ساهمت بشكل كبير في اشتعال نار الفتنة بين الطرفين داخل القرية الهادئة. لكن دعنا نتفق علي أمر مهم للغاية أنه رب ضارة نافعة وأن تتحرك المؤسسات الثقافية والدينية لإعادة تقويم المنطلقات الفكرية والسياسية لكل طرف، بحيث يضع يده علي مكان الجرح الذي نزف وسينزف ليصبح مرضا مزمنا إذا استمر التجاهل وعدم تصحيح الأخطاء وترك الفرصة لأهل الشر والمتربصين بأمن واستقرار الوطن وهو أمر لا يحبه كل مخلص وشريف يريد الخير لمصر وأهلها. الحقيقة تؤكد أننا مسلمون ومسيحيون نعيش في سلام واستقرار وأمان منذ الفتح الإسلامي مع دخول عمر بين العاص البلاد بعدما رحب به أقباط مصر الذين وجدوا أن الفاتح عمرو بن العاص المؤمن العادل يريد إنقاذهم من المذابح التي تعرض لها اهل مصر علي يد التتار وعندما أخطأ استدعاه وابنه الخليفة عمر بن الخطاب الى المدينةالمنورة مع ذاك القبطي وابنه الذي ضربه ابن عمرو بن العاص، ونعته "يا ابن الاذلين"، فقال الخليفة عمر للقبطي خذ حقك واضربه أمامي، فتردد ابن القبطي خوفاً من الوالي، فأعاد الخليفة عمر الطلب وقال له: اضرب ابن الأكرمين، وخذ حقك، وهكذا كان، ثم طلب منه ان يضرب الوالي نفسه لأنه سمح لابنه بأن يضرب الناس بغير حق، هذه القصة وقصص أخري مماثلة تؤكد مدي العدالة والحب بين طرفي الأمة المصرية المسلمين والأقباط. أعود إلي أزمة قرية الكرم التي أظهرت واقعا أليما تمر به البلاد خلال السنوات الست الماضية، التي شهدت مصر خلال الأعوام الفائتة طوفانا مدمرا كاد أن يحرق الأخضر واليابس ولولا العناية الإلهية التي أنقذت هذا البلد من هذا الطوفان، كانت الأمور أخذت أشكالا عكسية بعد أن أفرزت الست أعوام الأخيرة حالة من التخوين والتشكيك، وأصبحت تهم العمالة والخيانة العظمي والتكفير وغيرها جاهزة لمن يختلف مع الآخر في الرأي حتي أصبح الشعب المصري كله عبارة عن 100 مليون محلل سياسي و100 مليون ناشط سياسي و100 مليون رئيس جمهورية و100 مليون خبير استراتيجي و100 مليون متظاهر وترك الفلاح أرضه والعامل مصنعه وباع الطبيب ضميره. واستغلت مافيا المخدرات والآثار والعملة الأوضاع كي تزيد من أوجاع الوطن الذي يدفع ثمن أخطاء أبنائه فأفرزت هذه الأحوال أزمات متعددة تعاني منها الدولة المصرية الآن ويدفع ثمنها النظام الحالي رغم القصور الشديد في أداء حكومة شريف إسماعيل ومجلس النواب الذي تفرغ للخلافات وشخصنة الأمور بدلا من معالجة هذه الأزمات المتعددة ومنها بالطبع أزمة قرية الكرم بصعيد مصر . في النهاية يجب أن نعترف بأخطائنا المتكررة والتي تبدو أنها صورة كربونية وتؤكد أننا لم نتعلم من أخطائنا ونترك الأزمات تكبر حتي تستفحل ويصعب حلها، كما أننا يجب أن نعترف بأننا أخطأنا في حق السيدة التي اعتدي عليها بعض الشباب معدومي الضمير وأطالب فورا بتقديمهم لمحاكمة عاجلة وتوقيع أقصي العقوبات عليهم لأن هؤلاء الشباب المستهترين أهانوا الدولة المصرية في رمز هذه السيدة وأن القصاص العادل والعاجل سوف يكون عبرة لمن يعتبر من أمثال هؤلاء السفهاء الحمقى الذين ارتكبوا أبشع جريمة إنسانية ضد سيدة طاعنة في السن مهما كانت ديانتها سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو أية ديانة أخري. أعتذر لك يا أمي باسم الإنسانية ... ولو أن اعتذاري هذا لا يكفي .. ولكنني هنا لا أملك سوي الاعتذار .. حقا اعتذر لك عما فعل السفهاء الذي ارتكبوا جريمة إنسانية بشعة لن يغفرها التاريخ الإنساني ... وأعتذر لك وأقدر غضبك وأشعر بالألم الذي تعاني منه والمعاناة التي تسبب فيها هؤلاء الحمقى والمجرمون، أعتذر لك عن ألم وأوجاع أشعر بها معك... وجدت ان هذا الاعتذار واجب ربما يخفف ذرة واحدة من معاناتك وآلامك وجرحك الذي ينزف بسبب سفهاء الوطن .... اللهم احفظ مصر وشعبها واجعل أهلها في رباط الي يوم الدين.