قالت دار الإفتاء، إن تقبيل القبر الرسول وقبور الأولياء الصالحين جائز تبركًا، ونهيب بالمسلمين عدم التفرق بسبب الأخذ برأي معين في هذه المسائل، فالعمل على لمِّ الشمل آكد وأوجب. وأضافت الإفتاء في إجابتها عن سؤال «ما حكم تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور صالحي الأمة؟»، شيئان لابد من التأكيد عليهما أولهما: أن الخلاف الوارد في هذه المسألة ونظائرها من جنسها خلافٌ سائغ لا يترتب على الأخذ برأي معين منه كفر وإيمان، فمآل الخلاف في مثل تلك المسائل إلى صحة أحد الأقوال وضعف المقابل، وهذا شأن الظنيات، والغفلة عن هذا الضابط تؤدي إلى خطأ التصور والحكم. وتابعت: ثانيهما أن مجرد التسليم بكون تلك المسألة من قبيل الظنيات التي لا تتمخض الأقوال فيها إلى الكفر والإيمان، مع عدم بحثها في إطارها الخلافي الذي بُحِثَت فيه بين الفقهاء؛ يؤدي أيضًا إلى خطأ في الحكم. وأكدت تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور صالحي الأمة نوع من التبرك بهم، وأجازه غير واحد من العلماء إن قُصِد به التبرك، لا إن قُصِد التعظيم، وهذا هو المعتمد عند الشافعية، نصَّ عليه غير واحد من علمائهم، يقول النووي في المنهاج: «والتزام القبر أو ما عليه من نحو تابوت ولو قبره صلى الله عليه وسلم بنحو يده وتقبيله بدعة مكروهة قبيحة». والدليل على جواز تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأولياء الصالحين: ما ورد من جواز تقبيل الحجر الأسود واستحباب ذلك، فقد بوَّب البخاري: باب تقبيل الحجر، وأورد فيه حديثين عن عمر بن الخطاب وابنه، وبوَّب مثله أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والدارمي وغيرهم، فعن عمر أنه جاء إلى الحَجَر فقبَّله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. واستنبط بعض العلماء من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من في تكريمه وتشريفه تعظيم لله عز وجل ويرجى البركة والمثوبة بتوقيره ومحبته، من آدمي وغيره، ودخل في ذلك كتب العلم والمصحف الشريف وقبور الصالحين، وقد ذكر الحنفية -وهو المذهب عند الحنابلة- جواز تقبيل المصحف؛ تكريمًا له، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبِّله، ويقول: عهد ربي ومنشور ربي عز وجل، وكان عثمان رضي الله عنه يقبِّل المصحف ويمسحه على وجهه. وقال النووي في التبيان: «وروينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي».