قال الله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»، سورة الحج :آية 11. قال الإمام محمد متولي الشعراوي فى تفسيره للآية الكريمة: إن المراد من قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ»، فالعبادة هى أن تطيع الله فيما أمره فتنفذه وتطيعه فيما نهى فتجتنبه فبعض الناس يعبد الله هذه العبادة طالما هو فى خيردائم وسرور مستمر فإذا أصابه شر أو وقع بمكروه ينقلب على وجهه، مضيفاً أن كلمة "الحرف" المراد منها هو طرف الشىء كأن تدخل فتجد الغُرفة ممتلئة فتجلس على طرف المقعد وهذا عادةً لايكون معه تمكن واطمئنان فكذلك من يعبد الله على حرف أى لم يتمكن الإيمان من قلبة وسرعان مايخرجه الإبتلاء عن الإيمان لأنه عبد الله غير متمكنة باليقين الذى يصدر عن المؤمن بإله حكيم فيما يُجريه على عبده . وأضاف إمام الدعاة أن معنى قوله عزوجل: «فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ»، أى أنه عكس الأمر بعد أن كان عبداً طائعاً انقلب إلى الضد فأصبح عاصياً فالله يريد من عبده أن يُقبل على عبادته فى ثبات إيمان لاتزعزعه الأحداث ولاتهز إيمانه فيتراجع فربك يريدك عبداً له فى الخير والشر فى السراء والضراء فكلاهما فتنة واختبار وما آمنت بالله ألا لأنك تعلم أنه إله حكيم عادل قادر ولابد أن تأخذ مايجرى عليك فى حياتك من أحداث فى ضوء هذه الصفات . وتابع: «فإن أثقلتك الحياة فاعلم أن وراء هذا حكمة إن لم تكن لك فلأولأدك من بعدك فلعلهم إن وجدوك فى سعة وخير طمعوا وفسدوا وطغوا ولعل الضيق وقلة الرزق يكون دافعاً لهم فلابد أن تعرف هذه الحقائق وأن تؤمن بحكمة ربك فى كل مايُجريه عليك سواء أكان نعيماً أم بؤساً فالإبتلاءات لها مغانم ومن ورائها حِكم لأنها ناشئة وجارية عليك بحكمة ربك وخالقك وليست من سعيك ولامن عمل يدك ومادامت كذلك فارضِ بها واعبد الله بإخلاص وإيمان ثابت فى الخير والشر». وأوضح الشعراوى أن قوله: «ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» أراد منه عزوجل أن يبين أن خسران الإنسان لعبادته هو خسران كبير لايجبر ولايعوضه شىء، فالخسارة هى التى تُعوض، أما الخسارة التى لاتُعوض فهذه هى الخسران المبين الذى يلازم الإنسان ولاينفك عنه وهوخسران لايقتصرعلى الدنيا فقط فيُمكن أن تعوضه وتصبر عليه إنما هذا خسران يمتد للآخرة حيث لاعوض لخسارتها ولاصبر على شدتها.