الأيام الحالية تشهد أزمة خانقة في المرور، بسبب تكدس السيارات أمام محطات البنزين، لوجود نقص خطير في الوقود، ويتزامن ذلك مع إضراب سائقي وعمال هيئة النقل العام، وزيادة جشع و"دلع" سائقي الميكروباصات والتاكسيات، والذين ضاعفوا مقابل التوصيلة، بل قاموا بتجزئة المشوار الي ثلاث مراحل من أجل حصد المزيد من الأموال من جيوب المواطنين البسطاء الذين تعطلت مصالحهم وشلت حركتهم بسب إضراب السائقين من جانب، ونقص البنزين والسولار من جانب آخر، مما دفع القوات المسلحة إلي التدخل من أجل حل تلك الأزمة . فقد كنت في إمبابة يوم الجمعة الماضي لتقديم واجب العزاء لصديقي وزميلي في الجريدة محسن بدوي في وفاة المغفورة لها والدته رحمها الله، وبعد العزاء وأثناء ذهابي إلي منزلي وجدت أتوبيساً تابعاً لجهاز النقل الخاص بالقوات المسلحة يتوقف في شارع كورنيش النيل بإمبابة، وهناك مجند ينادي علي المواطنين ويدعوهم إلي الركوب في الأتوبيس إلي ميدان رمسيس في مقابل تذكرة قيمتها نصف جنيه فقط، أي بربع قيمة التذكرة في ميني باص، ونصف القيمة في الميكروباصات أو أتوبيسات الهيئة، وقمت بالفعل بركوب أتوبيس القوات المسلحة "الفخم" والمريح والنظيف . بالطبع لن تكفي الأتوبيسات العسكرية في نقل كل ركاب القاهرة والجيزة، ولن تكون بديلا عن أتوبيسات النقل العام، ولكنها أسهمت جزئيا في حل المشكلة، والأهم من ذلك هي الرسالة الضمنية التي وصلت إلي المضربين من سائقي هيئة النقل العام، والتي يؤكد محتواها إنه لا أحد يستطيع أن يلوي ذراع الدولة، وأن القوات المسلحة جاهزة للتدخل في أي وقت للمساهمة في حل الأزمات، خاصة إذا كانت الأزمة لها انعكاسات سلبية علي المواطنين البسطاء، وتحملهم أعباء فوق أعبائهم، وهذا ما فعلته الشرطة العسكرية في أزمة أنابيب البوتاجاز، وقد ساعدت كثيرا في توزيع الأنابيب علي مستحقيها، وقامت بحماية بعض مستودعات الأنابيب من اللصوص والبلطجية وسارقي قوت الشعب . والدور الأكبر للقوات المسلحة في خدمة المواطنين يظهر أكثر في مدن القناة، بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وشمال وجنوب سيناء، حيث يقوم الجيش بخدمات كثيرة هناك، نظرا للطبيعة الجغرافية لتلك المحافظات وكونها كانت مسرحا للحرب ضد العدو الإسرائيلي، وتلك الخدمات لا تقتصر علي النواحي الأمنية فقط وتأمين الحدود، ولكن تمتد إلي تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين هناك، بل وتوفير رغيف الخبز وبعض المواد التموينية والغذائية . فقد زرت الشهر الماضي مقر الجيشين الثاني والثالث الميدانيين علي هامش اشتراكي في دورة تثقيفية للمحررين العسكريين نظمتها أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، والتقيت أنا وزملائي مع قادة الجيشين وضباط هناك وخلال المناقشات والحوارات الي أجريناها هناك خلال تلك الزيارة علمت مدي الدور الكبير والمهم الذي يقوم به الجيشين الثاني والثالث في مدن القناة وسيناء، وحل مشكلات المواطنين هناك مهما كانت صعوبتها وذلك بالتعاون مع الشرطة.. وأهم ما تأكدت منه خلال اشتراكي في تلك الدورة، هي رغبة القوات المسلحة في تسليم السلطة إلي رئيس جمهورية منتخب في نهاية يونيو القادم، لأن هناك مهمة أساسية لها وهي حماية الدولة والدفاع عن وجودها ضد أي عدو . أتمني أن تنتهي الفترة الانتقالية الحالية علي خير، وتكتمل العملية السياسية والبناء الديمقراطي للدولة ويعود الجيش إلي ثكناته، لأنني بدأت الدخول في مرحلة القلق، بعد تزايد المشكلات الحالية ووجود من يحاول جرنا إلي الخلف وتعطيل مسيرتنا الديمقراطية، بإثارة القلاقل والأزمات، سواء عن طريق إيجاد أزمة في الوقود أو تحريض عمال وسائقي النقل العام علي الإضراب لليوم الثامن علي التوالي أو محاولة اقتحام المبني الإداري لهيئة قناة السويس في بورسعيد من أجل تعطيل حركة الملاحة بالقناة، وطرد العاملين بالمنطقة الحرة هناك، وإغلاق المنافذ الجمركية، والتهديد بانفصال بورسعيد عن الوطن الأم بسبب "ماتش كورة". كل ذلك يدعو عقلي الباطن إلي الاستنجاد بالقوات المسلحة ولكني في نفس الوقت أرغب العيش في ظل حكم مدني ديمقراطي، وأن يعود الجيش لثكناته، ولا نضطر إلي الوقوف يوما في ميدان التحرير في مليونية تطالب القوات المسلحة بالبقاء لحل أزماتنا المتلاحقة التي نصنعها بأنفسنا .