كان أيوب رجلاً كثير المال وكان له أولاد وأهل كثير، فأراد الله امتحانه فأخذ منه ذلك جميعه، وابتلاه في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله في ليله ونهاره، وطال ما به حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، واخرج من بلده وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، فكانت ترعاه وكانت صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد. وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً: حدثنا يونس، عن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن النبي قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول؟ غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلي بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق". وكلما اشتدت حاله أكثر كان إيمانه يزداد أيضاً فيشكر الله وإلى أن عافاه الله من علته حيث ذكر القرآن:﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾. فاغتسل بعين ماء نبعت له فشفي من الأمراض الظاهرية وعين شرب منها فشفي من الأمراض الباطنية بإذن الله]. وكان أيوب وزوجته الكريمة يعيشان في منطقة "حوران".. وقد أنعم الله على أيوب بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراض كثيرة يزرعها فيخرج منها أطيب الثمار.. كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة.. آلاف من رءوس الأبقار، آلاف رءوس من الأغنام، آلاف من رءوس الماعز وأخرى من الجمال. وفوق ذلك كله أعلى الله مكانته واختاره للنبوة. وكان أيوب ملاذًا وملجئًا للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه كونه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئا. ولا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، وبلغ من كرمه أنه لا يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا. هكذا عاش أيوب.. يتفقد العمل في الحقول والمزارع، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم.. وأبناء أيوب يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضي والحقول. و أيوب يشكر الله.. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر. أحب الناسُ أيوب.. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه.. ويساعد الناس جميعاً.. ولم يتكبر بسبب ما لديه من مزارع وحقول وماشية وأولاد.. كان يمكنه أن يعيش في راحة، ولكنه كان يعمل بيده، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل في بيتها. وفجأة ابتلاه الله بالمصائب فأحرقت أرضه ومات أبنائه وطرده أهل حوران من منزله خوفا من أن ينتقل اليهم غضب الله على أيوب فسكن الصحراء هو وزوجته وظل على هذا الحال فترة طويلة صابرا متيقنا ان ما يحدث له مشيئة الله الى أن جاء يوم ولم يجد فيه طعاما قط يعينه هو وزوجته فتوجه الى الله بالدعاء وقال :" يا رب إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب. يا رب بيدك الخير كله والفضل كله وإليك يرجع الأمر كله.. ولكن رحمتك سبقت كل شيء.. فلا أشقى وأنا عبدك الضعيف بين يدك.. يا رب.. مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين. وهنا.. أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول: نعم العبد أنت يا أيوب.. إن الله يقرئك السلام ويقول: لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين.. اضرب برجلك الأرض يا أيوب.. واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله. غاب الملاك، وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق.. ارتوى أيوب من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه، وغادره الضعف تماماً. خلع أيوبُ ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به، يملؤها العافية والسؤدد. وشيئاً فشيئاً.. ازدهرت الأرض من حوله وأينعت. عادت الصحة والعافية.. عاد المال.. ودبت الحياة من جديد . سجّل الله قصته في القرآن الكريم ليعتبر بها كل مؤمن: {{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}} سورة الأنبياء: 83 84 وقال تعالى: {{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ *}} سورة ص: 41.