يضرب ضوء الصباح وجهي فأصحو، أرتدي ملابسي على عجل فيومي ممتلئ، يتسرب شعور بالسعادة لم أعتده هذه الأيام لكوني مشغولاً!، أستقل تاكسياً يبعدني عن زحام الحافلات أصل بعد ساعة إلى الجوازات التي تبتعد عن منزلي بقليل من الكيلو مترات، يغزو العرق مواطن جسدي، فيبعث في روحي رائحة كريهة، يفاجئني موظف الجوازات بعدم وضوح العلامة الجمهورية على أوراقي، أبلغه إنني لست واضعها، يدير وجهه بسماجة، تلومني نفسي، أعاتبها.. أخبرها أنه في الغد سينتهي كل شيء، أذهب للخارجية لأرى مصير شهادة التخرج خاصتي، يعدني الموظف بالنظر فيها حين ينتهي من غيري، أحاول معرفة الوقت بالضبط يجيبني ببلاهة "قول يارب" أحاول اللحاق بالتجنيد، التقاني الموظف بنظرة لاتؤؤل إلى شيء، لقنني حديثا حفظه دون أن يفهمه، " رايح فين، اقعد، بلدك أولى بيك.. الحال اتغير دلوقت، ولا انت من بتوع نعم!!"، أرمقه بنظرة اشمئزاز، أوليه ظهري، أخلع رابطة عنقي في محاولة لطلب الهواء فلا أجد غير رائحة العرق.. ألتقي بصديقي.. يبثني أحداث يومه، لا أجد جديداً في حديثه، أصمت، يسترسل.. أجيبه، " يمكن بكرة يكون أحسن"، أكره حديثي المعتاد، أتركه وأمضي دون كلمة، أنظر في حافظتي، الأموال لاتكفي لأسبوع قادم، تلح الفكرة على رأسي، يبدو أنني سأعود ثانية!، أنفضها بلا جدوى.. أتحدث إلى "الديلر".. يطلب مائة جنيه دفعة واحدة أنقده إياها صاغراً. حين عودتي أنبأني حارس العقار عن خطاب يخصني، تطلعت إليه، وجدته بغير عنوان فعرفت أنه منها!.. أفتش بين القنوات عن محطة تبث موسيقى لا أعرفها.. أفرغ التبغ على منضدتي الصغيرة، أفرك قطعة من المخدر، أعد سيجارتين، أشعل واحدة، أتراقص على الموسيقي بحركات بهلوانية لم أعهدها في نفسي، أنفث دخانها فيتكور ضباباً كثيفاً ينبأني بما آلت إليه روحي.. أفتح رسالتها على مضض.. تخبرني فيها بأيامنا معاً، عن أحلامنا التي ارتحلت ولم تجد السبيلا، تخبرني بأنها سيدة وإن ثقافة ماحولها لاتخيرها في حياتها.. توجز أيامنا في لحظات حلوة، تختصرها في نكهة القهوة التي اعتدنا احتساءها هناك في الصباح قبل أن ننطلق.. تذكرني إن انطلاقنا ظل حبيساً وإن لم يكن سيكون.. قالت إنها لن تنسَ الأمس رغم مضيه، وإن غدها سيكون من دوني لا طعم له، وإنها لاتعلم هل سيسعدها الآخر أم لا؟ برغم إنه يمضي نحو أحلامه بقوة.. لقد طاف النعاس على الماضي، لا تدعه يسرقك كثيراً ولا تغضب، سأجعل هداياك في قلبي، نعم.. هذا ماتبقى، لاتتعجب من الحياة، ولا تحاول إدراك أحوالها بعقلك، اترك الهدايا لاتحرقها كما قلت، دعها تذكر الأيام بخيبتها فينا، والروح التي غدت تحملنا من غفوة لغفوة، قبل أن تسلمنا للرياح تعبث بنا.. هجرة بطعم الكريز- الذي طالما أطعمتني إياه في الشوارع دون أن تكترث بالآخرين- أتمناها لك، وحياة سعيدة.. أقهقه ، أتبعثر، تسقط دمعة رغماً عني.. أشعل السيجارة الأخرى لتحمل الأحزان مغلفة من صدري؛ فتنثرها فوق رأسي لأنام قرير العين متغلباً على كوابيسي بالعقاقير