مستلهما الحياة اليومية فى القاهرة وما حولها بتفاصيلها الدقيقة ومسلطاً الضوء على الطبقات الدنيا والمهمشة كمجال يحرك فيه شخصياته، استطاع زين عبد الهادى فى روايته "أسد قصر النيل" الصادرة عن دار ميريت الاتجاه بها إلى جانب الواقعية فى الرواية، وهو الاتجاه ذاته الذى سار فيه عبر روايته السابقة "التساهيل فى زمن الهلاهيل" لكنه هنا جنح لواقعية جديدة مثلت ارهاصات للثورة الكامنة بداخله على تلك الهيمنة الفكرية التى مارسها النظام السابق طويلاً باسم تقديس العقل وازدراء الغيبيات وكأن الكاتب كان يحضر لحالة الانفجار التى جاءت بالثورة.. وهو ما كان واضحا تماما عندما أصدر قبل الثورة بعامين تقريبا كتابه "نقد العقل المصرى" والذى ظلمه عنوانه، رغم توقعه لما حدث بعد ذلك. تجمع واقعية زين عبد الهادى فى روايته الجديدة بين الواقعية والغرابة "السحرية" رغم ان عبد الهادى لم يغادر الأرض مرتحلا لعوالم سريالية غير موجودة، فعلى مدى النص، ملتحم هو بالواقع لم يتحرر من سطوته مشدودا بهمومه واحواله، ومتخذا من وقائع الحياة اليومية الفردية والاجتماعية للبيئة المحلية فى القاهرة منطلقا لروايته، حيث يمكن رصد بعض ملامح الشخصية المصرية التقليدية التى تتبلور كنتاج طبيعى للالتقاء بين الخصوبة المترع بها ما حول النيل والجدب الضارب فى البيوت الرابضة على أطراف الوادى وبين الإثنية العربية والأفريقية وبين الحالة الشعبية والحضرية بكل ما يحمله هذا الالتقاء من تضاد شكّل نواة التجربة الشعورية للمؤلف. وعن رواية زين عبد الهادى، أكد محمود الضبع، أستاذ النقد الأدبى بجامعة قناة السويس، أن هذه الرواية تتجاوز مفهوم الشكل المتعارف عليه فى البناء الروائى المعتمد على الاهتمام ببناء حكاية تدور حول أحداث أو حدث معين، بل تعمل على تفكيك الوعى والمفاهيم الكلاسيكية الخاصة بالشكل الروائى. بينما قال الناقد صلاح فضل - تعليقا على الرواية - إن الروائي زين عبد الهادي يقدم كبرى تجاربه السردية في رواية جديدة وإشكالية بعنوان أسد قصر النيل، إذ تربك قارءها بحجمها المتضخم ومادتها الفكرية وتقنياتها السردية، فقد انتهى من كتابتها كما ينص على ذلك في خاتمتها في يناير 2011، أي قبيل اشتعال الثورة بأيام. وتابع قائلا: "لكنها تحتوي من خمائر الانفجار ومظاهر العاصفة وتصريحات عشق الميدان ما يشير إلى بعض التدخل في صياغتها عقب هذا التاريخ، فيسمى الرئيس المخلوع المسكوت عن اسمه، فكأنه يخلعه في الرواية بأثر رجعي، ويفضح سيناريو التوريث بطريقة مباشرة، ويركز على كوبري قصر النيل بعين شهدت دوره في الثورة وهى تحكي عما قبلها". وأضاف: "الرواية تطمح إلى ما هو أبعد من مجرد النبوءة ، تريد أن تقدم رؤية راو فقد ذاكرته لمدة عشرين عاما عندما صدمته حبيبته في مقهى إيرافيتش القديم في ميدان التحرير بقولها إنها تتركه إذ حملت من غيره، فيهيم على وجهه وقد فقد نصف أهليته ومعظم ذاكرته، حتى تقوم ثورة المعلوماتية بإعادة تأهيله وتدريب عقله، وهى إذ تعتمد على تشظى الذاكرة ، وانسياب السرد دون روابط سببية، ووفرة الأحاديث مع ندرة الأحداث فإنها ترتكز على صناعة النماذج البشرية بمهارة لافتة، وتوشك أن تجعل واقع الثورة نموذجا أسطوريا بشعا يشوه طبيعة الناس ويحرم حياتهم من مظاهر الجمال والنبل، إذ استغرقوا في مباذل الشذوذ والإسفاف والغرائبية، كي يكون ذلك معادلا موضوعيا لتحلل بنية السرد ذاتها".