وقفت أمام باب إحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة فى ثياب سوداء تشبه ثياب الحداد، تمسك بيد حافظة مستندات مليئة بالأوراق وباليد الأخرى تقبض على راحة طفلة فى الثامنة من عمرها، عندما تراها للوهلة الاولى تظن انها امرأة حديدية، لا يمكن لرجل ان يكسرها او يحطم قلبها، لكن حين تقترب منها وتدقق النظر فى ملامحها الجامدة ترى وجه اخر لزوجة مقهورة يعتصر الحزن صدرها، امرأة تحولت لحطام بعد ان افقدها زوجها ثروتها وتركها هى وجنينها فى الغربة واختفى انها منار ذات ال 43 عاما التى طرقت ابواب المحكمة باحثة عن طريقة تسترد بها حقوقها التى حرمتها جنسية زوجها الأمريكية منها. بنبرة حادة ووجه عابس تبدأ الزوجة الأربعينية رواية معاناتها: "طوال عمرى كنت ابحث عن الحب والحنان، فقد نشأت فى اسرة مفككة، يعيش افرادها معا تحت سقف واحد ولا يعلم احد عن الاخر شيئا، بيت يسكن الحزن اركانه، تموت فيه فى كل لحظة من الشعور بالوحدة والغربة بين من هم من دمك، لذلك لم اتردد عندما جاءتنى فرصة للعمل كسكرتيرة تنفيذية بمكتب النائب العام بدولة الامارات، فهنا غربة وهناك غربة، ورغم معارضة والدى لسفرى لاننى لم اكن متزوجة وقتها، الا اننى اصريت على السفر لاهرب من عذابى ووحدتى، اغرقت نفسى فى دوامات العمل، اغلقت بابى امام كل من حاول طرقه، ولم اعبأ باننى قد قاربت على ال35 عاما، حتى تعرفت على زوجى اثناء انهائه لاجراءات خاصة بعمله لدينا، انقلبت حياتى رأسا على عقب، احببته من اول كلمة نطقت بها شفتيه، خدعت برقته ووسامته وكلامه المعسول ومركزه المرموق فقد كان يشغل منصب رئيس المضيفين بإحدى الشركات العالمية، وظننت انه سيعوضنى عن العطف الذى افتقده مع والدى، فقد كنت ابحث عن اب لا عن زوج ". تتحامل الزوجة الاربعينية على نفسها المثقلة بالهموم وتتابع روايتها:" تغاضيت عن ال 12 عاما فارق السن بيننا، وصممت اذانى عن سبب طلاقه من زوجته الاولى امريكية الجنسية التى انجب منها طفلين، وصدقت وصفه لزوجته المصرية بانها مفترية وتحرمه حقوقه الشرعية لذلك سيتزوجنى عليها، لم اشك يوما فى صدق كلامه، فحبه اذهب بصرى وعقلى، تزوجنا وانتقلنا الى امارة دبى لنهرب من ملاحقة زوجته المصرية له، وبعد شهور قليلة من الزواج سقط القناع عن زوجى وظهر وجهه القبيح، رجل مستهتر، بارد المشاعر لا يهتم الا برغباته، مخادع، اكتشفت انه يعانى من مشاكل جنسية، ويقضى معظم اوقاته فى مشاهدة الافلام الاباحية، ليس هذا فحسب فزوجى المحترم حاول استغلال عدم خبرتى وبات يطلب منى ممارسات شاذة، حينها ايقنت انه لم يتزوجنى الا ليقتل شبابى، فكرت فى الطلاق لكنى تراجعت بعد ان علمت بخبر الجنين الذى احمله فى احشائى". تكتم الزوجة الاربعينية فى صدرها صرخة الم وتقول:"ياليتنى لم اتراجع، فبمجرد ان علم زوجى بخبر حملى، صرخ فى وجهى : " انتى من طريق وانا من طريق، انا اتجوزتك لمزاجى والبزنيس وبس" قالها لى واختفى، وتركنى اغرق انا وشركة الديكور التى اسسناها معا، فقدت تحويشة العمر ومن قبلها فقدت قلبى، انقطعت اخباره عنى، لأفاجىء ذات يوم برسالة تخبرنى بزواجه من امرأة مغربية ومرفق بالرسالة صورلهما معا، فرفعت دعوى طلاق للضرر بإحدى المحاكم الامارتية وحكم لى بالطلاق، واثبت هذا الطلاق بعد رجوعى الى القاهرة لانهى قصة عذاب استمرت 3 سنوات، اكتشفت فيها ان زوجى اعتاد ان يصطاد الثريات ليشاركهن فى مشروعات استثمارية، وبمجرد ان يخسر المشروع يتركهن يغرقن فى ديونهن ويتزوج باخرى". "لكن الله يمهل ولا يهمل فقد عاقبه على مافعله بى، واصيب بجلطة فى المخ افقدته القدرة على الحركة، واخبره الاطباء انه لن يتمكن من ممارسة حياته الزوجية بعد الآن، وليستر على عجزه تزوج بفتاة فقيرة من الارياف فى ال20 من عمرها، اعمى عينها بالسفر الى امريكا وهى فى الحقيقة ليست بالنسبة له سوى اكثر من ممرضة" قالتها الزوجة الاربعينية بصوت تلمح فى نبراته ارتياح ورضا بعقاب السماء حسبما تعتقد، ترتسم على وجهها ابتسامة تخفى وراءها حزن وحسرة ثم تردف: "حاول زوجى ان يعيدنى الى عصمته بعد سنوات من الفراق، كدت ان اوافق من اجل عيون ابنتى التى لم تر والدها منذ ان وطأت قدميها هذة الدنيا الا فى الصور، لكنه اشترط ان تبقى الفتاة الريفية على ذمته ورفض ان يستخرج لابنتى جواز سفر امريكى ليحرمها من الجنسية، ومن حقها فى ان تقاضيه امام اى محكمة هناك فرفضت عرضه، اعرف اننى لن اتمكن من صرف نفقتى ونفقة ابنتى التى قضت لنا بها المحكمة وتقدر ب3500 جنيه، لان جنسية زوجى الامريكية واقامته بالخارج تعطيه حصانة وتجعله بعيدا عن ايدى العدالة، واملى الوحيد هو ان احصل على احكام ضده بالحبس فى قضايا النفقة ومصروفات المدارس واجر المسكن لادرجه على قوائم ترقب الوصول وامنعه من السفر مرة اخرى حتى يسدد اخر جنيه لى فى رقبته". تهدأ عاصفة الذكريات المؤلمة التى اجتاحت ذهن المرأة الاربعينية لتختتم مأساتها قائلة:" اعيش فى القاهرة منذ 4سنوات وحيدة مع ابنتى، ليس لى صلة بأهلى فقد تخلوا عنى حتى أخى الذى ساعدته واستأمنته على اعمالى ومشروعاتى بالامارات استولى على اموالى ورمى لى الفتات وقالى: "كفاية عليكى الى عندك"، لم اعد اثق فيمن حولى، الكل يطمع فيا، ويسيل لعابه بمجرد ان يتسرب الى مسامعه لقب مطلقة ثرية، كل ما اتمناه ان اتمكن من ايجاد عقد عمل اسافر به للخارج مع ابنتى، واترك هذة البلد بلا عودة".