شهدت العلاقات المصرية العراقية في الشهور القليلة الماضية تطورا ملحوظا من خلال تبادل زيارات المسؤولين بين البلدين، وبدا أن هناك تطابقا في وجهات النظر بأغلب قضايا المنطقة وخاصة الأزمة السورية وملفات الإرهاب والأمن، فضلًا عن المصالح الاقتصادية المشتركة التي جمعتهما في آن واحد بعد تطورات شهدتها علاقات مصر مع دول الخليج وبالأخص السعودية. وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأحد، أن بلاده تطمح إلى تكوين شراكة مع مصر في مجال النفط والطاقة، يأتي ذلك بعد مرور شهر على وقف السعودية إمداداتها النفطية إلى مصر. وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، يزور العراق في الوقت الراهن، والتقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير النفط ورئيس التحالف الوطنى العراقى عمار الحكيم، وأكد العبادي، خلال لقائه بالملا، أنه تم بحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجالي الصناعة والنفط والغاز، وتكوين شراكة عراقية مصرية من خلال فتح آفاق جديدة للعمل بين شركات البلدين، وبدوره، أكد وزير البترول رغبة بلاده في "تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الصناعة والنفط والغاز والقطاعات الأخرى". وأكدت وسائل إعلام عراقية، في تقارير لها، أن القاهرةوبغداد توصلتا إلى اتفاق لتغطية الاحتياجات النفطية المصرية وتعويض النقص في مسلتزمات السوق المصري، وذلك بعد أن أعلنت شركة "آرامكو" النفطيّة السعوديّة إيقاف ضخ الموادّ البتروليّة لمصر، وهو ما أتاح الفرصة للعراق لإرسال رسالة غير مباشرة إلى السعودية حول قدرتها على دعم مصر، تزامنا مع الحملة الشرسة التي يقودها الإعلام السعودي ضد مصر، والتي يؤكد مراقبون إنها لم تأتي إلا من رأس الحكم السعودي. العراق كان يمد مصر ب200 ألف برميل نفط شهريّا، وتم الاتفاق على مضاعفة تلك الكمية 5 أضعاف لتصل إلى مليون برميل شهريّا، ويبدو هذا كافيا لسدّ حاجة مصر من النفط. وكان عدد من نواب التحالف الوطني بالعراق قد دعوا الحكومة العراقية الأسبوع الماضي إلى منح مصر النفط الخام بالأجل، ردا على ما أسموه "ابتزازا" تمارسه السعودية ضد القاهرة، وهو ما شدد عليه رئيس التحالف عمار الحكيم، أثناء لقائه بوزير البترول المصري، داعيا إلى أهمية تفعيل مذكرات التفاهم بين مصر والعراق في قطاع النفط، وتنفيذها على أرض الواقع. وينظر المراقبون لهذا التعاون في المجال النفطي والاقتصادي باعتبار أن وراءه أبعادا سياسية تتعلق برغبة العراق في إعادة ترتيب أوراقه على المستوى العربي، واستغلال الضغوط السعودية على مصر التي بدأت عقب تصويت مصر في الأممالمتحدة لصالح المشروع الروسي حول الأزمة السورية، في تقوية العلاقات العراقية المصرية والتي كانت دائمًا جيدة على مر التاريخ، ولكنها ارتبطت في السنوات الأخيرة بعلاقات بغداد بدول الخليج، وهو ما أثر في حرارة العلاقة بين البلدين. وتلقت القاهرة هذه الرغبة العراقية بالترحاب، فالسعي العراقي إلى تعزيز العلاقة مع مصر في المجال النفطي قابلته رغبة مصرية، خصوصا أن الأخيرة تعيش علاقة غير إيجابية مع السعودية، ولذا، يبدو أن العراق سيكون محطّتها كدولة نفطية. العراق هو الآخر يشهد علاقة فتور مع السعودية بسبب ما يراه تدخلًا في شؤونه الداخلية، ويريد استثمار وقف الرياض إمدادتها النفطية للقاهرة لمنح مصر فرصة عدم تدهور أوضاعها الاقتصادية من دون حليفتها السابقة، وفي ضوء ذلك يكسب العراق دولة عربية مهمة مثل مصر في معاركه على المستوى الداخلى والعربي والدولي، ومثلما تحتاج مصر إلى النفط يحتاج العراق المساعدة في الملف الأمني والاستفادة من الخبرات المصرية خاصة العسكرية، لاسيما وأن بغداد في أتون الحرب ضد إرهاب داعش بالموصل، فضلا عن أن البلدين يتفقان في أغلب القضايا التي تخص المنطقة. وتربط العراق ومصر العديد من التفاهمات حول القضايا التي تتعلق بالمحور الإقليمي ببغداد، حيث يرى الجانبان أن هناك أطماعا تركية في سورياوالعراق واستغلالا للفوضى بالمنطقة العربية لجنى مكاسب سياسية، لذا تدعم القاهرةالعراق في حقه في الحفاظ على أمنه القومي في مواجهة الطموح التركي، في نفس الوقت تتطابق وجهات نظر البلدين فيما يخص الملف السوري، إذ ترفض العراق ومصر عسكرة الأزمة وإسقاط الحكومة بطرق عسكرية، ويدعمان الحل السياسي والحفاظ على وحدة سوريا.