إذا كان تفسير أزمة السكر في مصر معقدا، فهذه محاولة لشرح لماذا هذه الصناعة قد وجدت نفسها في الفوضى التي فيها الآن . تضاءلت إمدادات السكر في محلات السوبر ماركت والمتاجر، وتشكلت طوابير طويلة أمام الجمعيات الاستهلاكية الحكومية، وتضاعفت الأسعار خلال الأسابيع القليلة الماضية. قامت الشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة للدولة بتخفيض ضخها لتأمين إمدادات السكر الضئيلة لأنشطتها في صناعة الأغذية والمشروبات للحفاظ على استمرار تشغيل مصانعها. كل شيء يبدأ في عام 1963، عندما أممت الحكومة مصافي السكر الخاصة في البلاد وجمعتهم تحت إدارة شركة واحدة مملوكة للدولة تحت اسم "شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية (E s i i c). وبعد نصف قرن الشركة لا تزال تعمل لكن الحكومة تتدخل كما هو الحال دائما، على الرغم من أنه قبل سنوات قليلة سمحت لتجار من القطاع الخاص واثنين من المصافي الخاصة لإنشاء متجر. لمساعدة المزارعين، طلبت الحكومة من شركة السكر والصناعات التكاملية شراء قصب السكر بأسعار في أفضل الأوقات هي أعلى إلى حد كبير من تلك الموجودة في السوق الدولية. حتى ذلك الحين، مصر كانت تنتج فقط حوالي 2.2 مليون طن سنويا، في حين تستهلك حوالي 3.2 مليون طن. في السنوات الأخيرة، قام تجار القطاع الخاص بسد تلك الفجوة عن طريق استيراد السكر الخام بكميات كبيرة وبيعه إلى المصافي، الحكومية والخاصة، الذين بعد ذلك يبيعون منتجاتهم لتجار التجزئة. حتى وقت قريب، باعت الحكومة المصرية السكر بسعر رخيص للمستهلكين مباشرة من خلال بطاقة الدعم "التموين"، ولكن اعتبارا من مطلع عام 2015 تحولت الحكومة إلى نظام جديد، حيث تم منح المواطنين المحتاجين بطاقات ذكية بدعم نقدي 15 جنيه كل شهر يمكنهم استخدامها لشراء عدد من المنتجات المختلفة، بما في ذلك السكر، ولكن بأسعار السوق العادية وليس المدعومة. نظرا للتكلفة العالية للسكر الخام المحلي، وصل سعر السكر المكرر محليا إلى حوالي 5.15 جنيه للكيلوجرام الواحد في المحلات التجارية، في حين تكلفة السكر المستورد 4.5 جنيه فقط. على هذا المعدل، لا أحد يشتري المنتج المحلي. توقفت شركة السكر المصرية "E s i i c" عن تحقيق الأرباح. في أبريل 2015، فرضت الحكومة 20 % تعريفة جمركية مؤقتة على الواردات من السكر المكرر، وليس السكر الخام. رفعت التعريفة سعر السكر المستورد في المحلات التجارية وجعلت السكر المحلي مرة أخرى تنافسيا، وبهذا لم تفلس شركة السكر المصرية والمزارعين. ولكن كل هذا بطبيعة الحال على حساب المستهلكين الفقراء. اعتبارا من أول يناير، كان لدى مصر حصر ب300 ألف طن كمية مرحلة من العام السابق. تعريفة ال 20 % كانت تعمل بشكل جيد جدا بحيث قررت الحكومة تجديدها لتمتد إلى السكر الخام أيضا. ومع ذلك، بحلول مارس بدأ التجار ملاحظة أن الحصاد سيكون غير كاف على الإطلاق لتغطية العجز في السكر المتوقع أن يصل إلى 700 ألف طن، وكان من الصعب إقناع البيروقراطية المصرية المرهقة أنه يجب عليها أن تتصرف بسرعة لتجنب حدوث أزمة، كما يقول أحد التجار. في مايو، أزالت وزارة التجارة والصناعة، التي على ما يبدو أدركت أن المشكلة تتفاقم، التعريفات الجمركية على واردات السكر الخام لكن ليس على السكر المكرر. ولكن تجار القطاع الخاص لا يزال ليس لديهم حافز كبير للاستيراد. فالعملة الأجنبية أصبحت نادرة ولا يستطيعون الحصول على الدولارات من البنك المركزي من أجل الاستيراد، لأن البنك لم يدرج السكر كسلعة أساسية من الأولويات. كما أنهم حتى لا يستطيعون جمع الدولار من السوق السوداء بسبب القيود التي وضعها البنك المركزي على إيداع مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية في حساباتهم المصرفية. بحلول يوليو تقريبا، قدمت شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية "Esiic" طلبات لشراء 150 ألف طن من السكر الخام بعد أن بدأت الحكومة تدرك مدى خطورة المشكلة، كما يقول التاجر. وزارة التموين، المسؤولة عن توزيع السكر تحت نظام البطاقة الذكية، حصلت على ما يقرب من 250 ألف طن من السكر المكرر مخزن في مستودعات المصافي المملوكة للدولة، بما في ذلك شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية. في نهاية أغسطس أعلنت أنها تخطط لشراء من 450 ألف طن إلى 550 ألف طن من السكر محليا وخارجيا. ولكن بحلول هذا الوقت، كانت أسعار السكر العالمية قفزت بشكل خيالي، حيث ارتفع سعر السكر الخام إلى 23 أو 24 سنتا للرطل الواحد من 14 سنتا في يناير. كما قررت شراء السكر المكرر – الذي هو أصعب في شحنه وأكثر تكلفة – لان الإمدادات بدأت تنفد ولا يوجد وقت متبقي للمعالجة. لماذا كانت البلاد لا تشجع واردات السكر عندما كان رخيصا جدا في الأسواق العالمية، والآن يسارعون فجأة لاستيراده بعد أن ارتفعت الأسعار؟ هكذا تم إهدار الكثير من الموارد والأموال وتم خلق أزمة السكر التي تشهدها مصر حاليا. ذا ناشيونال