تعددت الاجتماعات والمؤتمرات الدولية الخاصة بأزمات المنطقة في الفترة الأخيرة دون الوصول إلى نتائج تذكر، آخرها الاجتماع الدولي بشأن سوريا الذي انعقد السبت في لوزان السويسرية، وجمع على الطاولة روسيا والولايات المتحدةالأمريكية ودول عربية وإقليمية لها رؤى متباينة حول الملف السوري، إذ شاركت في الاجتماع مصر والسعودية والأردن وإيران والعراق وقطر وتركيا. الاجتماع ركز مباحثاته على الأفكار التي قدمها المبعوث الدولي ستفان دي ميستورا، إلى مجلس الأمن الدولي قبل 10 أيام المتعلقة بوقف الغارات الجوية على مدينة حلب مقابل انسحاب مقاتلي جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) من المدينة باتجاه إدلب، كما تضمن أيضا إبقاء الحكم المحلي في الأحياء المحاصرة منوطا بالمجالس المحلية، والسماح بتواجد دولي في المدينة. لم يراهن كثيرون من المشاركون على نجاح الاجتماع، لا سيما في ظل تصعيد جميع الأطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية، وذلك بعد تعليق التعاون بين واشنطن وموسكو فيما يخص الأزمة، وأكد وزير الخارجية الروسي سيجري لافروف، أنه ليست لديه «توقعات خاصة» بنتائج إيجابية للمحادثات التي أجريت، مضيفا أن روسيا لا تعتزم طرح مبادرات جديدة لحل الصراع في سوريا. بالفعل لم يحمل لقاء لوزان مفاجآت ذات وزن، كالتفاهم على وقف إطلاق النار أو إحياء اتفاق جنيف الثنائي بين الروس والأمريكيين أو حتى تبني مبادرة ستافان دي مستورا، حول شرق حلب، حيث اكتفى المشاركون بخروج بيان كل ما جاء فيه هو تأكيد على المواقف السابقة للدول، وأكد كل المشاركين في الاجتماع الالتزام بالحفاظ على سوريا دولة علمانية موحدة، فيما أصرت روسيا على ضرورة فصل المعارضة عن إرهابيي "جبهة النصرة". وفي ضوء ما كشفته تقارير إعلامية، فإن الهدف لم يكن محاولة جدية لمناقشة الملف السوري من زاوية البحث عن الحلول طويلة الأمد، إنما فقط محطة لإعادة الزخم الدولي بشأن الأزمة السورية بعد تصعيد لغة اللاعبين الإقليميين والوصول إلى حد التلويح بالاشتباك في سوريا عبر التمسك بالخيار العسكري. ووصل هذا التصعيد الإقليمي إلى حد التلويح الأمريكي باستخدام القوة العسكرية في مواجهة الحكومة السورية، والرد الروسي بعدم القدرة على إجراء تلك التهديدات، ولكن جاء لوزان ليكون وسيلة لتهدئة جميع الأطراف من حيث إعادة تثبيت الموقف الأمريكي الروسي السابق لهذا التصعيد، أي عدم تغيير قواعد اللعبة، والعودة إلى التركيز على الحوار الثنائي بين الروس والأمريكيين، ومن ثم عودة الحرارة إلى التعاون بين الطرفين على مستوى الخبراء. وتكررت مواقف جميع الدول في هذا الاجتماع الذي كان عنوانه الأول هو إعادة ترتيب أوراق كافة اللاعبين، حيث افتتح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الحديث بالطلب التقليدي من الجانبين الروسي والإيراني بالضغط على الحكومة السورية لوقف إطلاق النار بشكل كامل، وجاء الرد الروسي تجديداً للموقف التقليدي، "نحن جاهزون لذلك فورا ولكن طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تعتبر جبهة النصرة تنظيما إرهابيا تجب محاربته، ولا يمكن وقف إطلاق النار قبل فصل الإرهابي عن غير الإرهابي"، وجاء الموقف الإيراني مماثلا للموقف الروسي، لكنه طالب بعدم التمييز بين منطقة محاصرة وأخرى: "هناك الكثير من البلدات والمناطق المحاصرة من قبل المجموعات المسلحة ولا نأتي على ذكرها". في نفس الإطار كان الموقف التركي لافتا للنظر، فحسب تسريبات إعلامية تبنى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بشكل كامل الموقف الروسي من جبهة النصرة، حيث اعتبر أوغلو، أن "النصرة تنظيم إرهابي وعلى المعارضة السورية الابتعاد عنه ويجب إخراجه من شرق حلب"، لكن الوزير قال إن الموقف التركي من الحكومة السورية لم يتغير، مستندا في حديثه إلى تقدم الجيش السوري، ولكن تدخل وزير الخارجية العراقي، الذي تشهد بلاده توترا متصاعدا مع أنقرة، داعيا لتناول الحديث عن الأزمة السورية من زاوية إنسانية وليس منطلقات طائفية"، الجعفري، دعا لمبادرات من نوع جديد لإنهاء الأزمة السورية، ووجه كلامه للوزير التركي قائلا "وقفنا إلى جانبكم إبان الأزمة التي جرت في تركيا أثناء الانقلاب وكنا ننتظر منكم أن تقفوا إلى جانبنا في الحرب على الإرهاب ومعركتنا مع داعش لا أن يأتي التصعيد من قبلكم بانتهاك سيادة العراق وفتح جبهة خلفية عن المعركة مع داعش وهذا يضعف المعركة مع الإرهاب". وجاء الموقف السعودي القطري متطابقًا إلى حد بعيد، فبعد أن كان هناك صراع قبل سنوات على حضانة الجماعات المسلحة السورية التي تقاتل الجيش السوري، بدا واضحًا في الفترة الأخيرة التقارب أكثر، ومن هنا كانت هناك اجتماعات سعودية قطرية تركية لترتيب الأوراق والتمسك بدعم المعارضة. في نفس الإطار، جاء الموقف المصري محافظًا على التوازنات الإقليمية، لاسيما بعد ظهور الخلافات المصرية السعودية بشأن ما حدث مؤخرًا في مجلس الأمن، ولكن أكد الكثير أن هذا الموقف يعزز احتمالات لعب القاهرة دورا أكبر في المستقبل، خلال المباحثات المقبلة، ولا سيما أن القاهرة تربطها علاقات متوازنة حتى الآن مع مختلف الدول المؤثرة في هذه الأزمة وغيرها من قضايا المنطقة، على الرغم من أن هناك تقارير تتحدث عن أنها تميل إلى المحور الروسي أكثر من واشنطن، وتقول الوكالات الإيرانية إن طهران ربطت مشاركتها بمشاركة القاهرةوالعراق، وأكدت على عدم مشاركتها إلا بعد تغيير تركيبة الدول المشاركة التي كانت مقتصرة على روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا وقطر، وجاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، بعد تحقق الشروط الإيرانية حول الاجتماع والتمسك بمشاركة كل من مصر والعراق.