يظهر المشهد الليبي بأكمله منقسمًا متخبطًا مرتبكًا في عملية الحسم لتحديد مكوناته الشرعية، في ظل وجود 3 حكومات في ليبيا تتصارع منذ 3 أعوام على الحكم. بالأمس سيطرت ميليشيات مسلحة تابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته ولحكومة طرابلس السابقة على المقار الرئيسية في العاصمة الليبية، في خطوة وصفها كثيرون بالانقلاب على حكومة الوفاق، حيث سيطر المسلحون على مقر المجلس الأعلى للدولة التابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، كما اقتحموا مقر قناة تلفزيونية، وأصدروا بيانا يصف انقلابهم ب"المبادرة التاريخية لإنقاذ ليبيا". وعلى الرغم من أن هؤلاء المسلحين كانوا داعمين في السابق لحكومة الوفاق، والتي تشكلت برعاية الأممالمتحدة ضمن اتفاق الصخيرات الذي لم يكتمل بسبب عدم حصول الحكومة على الشرعية من البرلمان المنتخب ومقره طبرق، فإنهم أكدوا في بيانهم الذي تلاه خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني السابقة (حكومة طرابلس) أنهم سئموا من أعضاء المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق لعدم تحقيقهم أي نجاح يذكر، لاسيما مع نقص الأموال وعدم حصول الموظفين على مرتبات منذ عدة أشهر، وفي رد فعل لحكومة الوفاق، أصدر المجلس الرئاسي بيانا يطالب وزير الداخلية باعتقال قادة الميليشيات، التي شاركت في الانقلاب، وعلى رأسهم خليفة الغويل، الرئيس السابق لحكومة الإنقاذ الوطني. جاءت هذه التطورات المفاجئة في وقت يعكف فيه المجلس الرئاسي، المنبثق عن حوار الصخيرات بالمغرب، على تشكيل حكومته الثانية لعرضها على البرلمان في مدينة طبرق شرق البلاد، بعد أن رفض هذا الأخير منذ أسابيع حكومته المقترحة الأولى، حيث يقضي اتفاق الصخيرات بحصول المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني على موافقة مجلس النواب الشرعي حتى تصبح شرعية، وهو ما لم يحدث حتى الآن. أما شرقا، فقد أعلن عبد الرزاق الناظوري، رئيس أركان القوات المسلحة الليبية المنظوية تحت مجلس النواب، أن "حصيلة اتفاق الصخيرات على الأرض صفر ويعتبر فشلا بامتياز حتى الآن"، مضيفا أن السراج "إنسان ضعيف، وليس مسؤولا، بل مجرد ناطق رسمي باسم الإخوان ينقل ما يدور في الفنادق في تونس أو طرابلس" على حدّ تعبيره. وفيما يخص رد البرلمان، أكد عضو المجلس صالح افحيمة، أنه يتوقع أن يرحب مجلس النواب بالطرح الذي تقدم به المؤتمر الوطني المنتهية ولايته بخصوص تشكيل حكومة إنقاذ وطني إذا ما قدم طلب رسمي وجاء بالطريقة القانونية ووفقا للإعلان الدستوري، مشيرا إلى أنهم في مجلس النواب كانوا أول من طالب بهذا الطرح كحل للأزمة الليبية، مضيفًا أنه بصرف النظر عن مشروعية التوقيع على وثيقة الاتفاق السياسي من عدمه "فإننا كل يوم نزداد يقينا وتثبت الأحداث أن هذه الوثيقة (الصخيرات) والتي من المفترض بأنها تقدم الحل للمشكل السياسي القائم بين المؤتمر الوطني السابق والبرلمان لم تقدم المرجو منها، وما بيان اليوم الصادر عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته إلا دليلا على فشل الاتفاق السياسي في نزع فتيل الأزمة". وتشير كافة هذه التطورات المتسارعة والمفاجئة إلى أن ليبيا متجهة للعودة إلى ما قبل اتفاق الصخيرات، فإعلان عودة حكومة الإنقاذ في طرابلس، ودخول نائب رئيس المؤتمر الوطني السابق عوض عبد الصادق، إلى مقر قصر الضيافة بقوة السلاح، وطرد عناصر مجلس الدولة، والرفض الذي يقابَل به المجلس الرئاسي ورئيسه فائز السراج من قبل طرفي النزاع، وتوقع بعض أعضاء البرلمان بموافقته على إسقاط حكومة الوفاق، يجعل المشهد السياسي في ليبيا يسير بالعودة إلى نقطة الصفر.