اشتدت حدة المواجهة بين إقليم كتالونيا والحكومة المركزية في مدريد إثر تصديق برلمان الأول على قرار إجراء استفتاء ستكون نتائجه ملزمة ابتداء من السنة المقبلة، وقد يترتب عليه استقلال الإقليم عن إسبانيا نهائيا، في خطوة تضع الحكومة الإسبانية في حرج كبير إذ تعتبر تحديا حقيقيا للدولة التي تواجه أزمة سياسية حادة. وحصل القرار على تأييد الأغلبية الساحقة في البرلمان ب72 صوتا ممثلا بالتكتل الانفصالي المؤلف من 62 نائبا في ائتلاف "معا من أجل نعم" بزعامة رئيس المنطقة كارليس بويجديمونت والنواب ال10 بحزب "ترشيح الوحدة الشعبية" اليسار الراديكالي، وبالمقابل امتنع نواب "كتالونيا نعم نستطيع" ال11 عن التصويت، في حين رفض نواب الحزبين الشعبي اليميني والاشتراكي وحزب "ثيودادانوس" ال52 المتبقين في المجلس المؤلف من 135 نائبا التصويت رافعين أيديهم لحظة التصويت في إشارة إلى احتجاجهم على القرار. ويأتي القرار الكتالوني بعد ساعات من موافقة المحكمة الدستورية الإسبانية بالإجماع على رفع طلب للمدعي العام للبدء بالإجراءات القانونية ضد رئيسة برلمان "كتالونيا" كارمي فوركاديل بتهمة عصيان المحكمة الدستورية والسماح بإجراء تصويت في البرلمان الإقليمي على "خارطة طريق" للانفصال عن إسبانيا في شهر يونيو الماضي. ويقول خبراء إن القرار الأخير لبرلمان كتالونيا الذي صوت عليه الخميس الماضي، يعتبر منعطفُا خطيرًا في تلك المعركة؛ حيث ستكون نتيجة الاستفتاء ملزمة للحكومة الكتالونية بتطبيق الانفصال النهائي عن إسبانيا دون انتظار أي قرار أو إجراء من طرف الحكومة المركزية في مدريد، على خلاف ما كان معلنا في السابق، حيث كانت تطالب جميع حكومات إقليم كتالونيا بالتفاوض مع حكومة مدريد المركزية لوضع تاريخ متفق عليه لإجراء الاستفتاء وبدء إجراءات الاستقلال في حالة نجاح الداعين لتأسيس جمهورية مستقلة عن المملكة الإسبانية، ولكن هذه المرة، جرى الاتفاق من جانب واحد، وهو ما بدا أنه تطور خطير لترد الحكومة الإسبانية بإجراءات فورية لمواجهة هذا المستجد السياسي بكل ما يفرضه القانون من صرامة، وشنت صحف محافظة مثل «آ بي سي» حملة ضد الأحزاب القومية الكتالونية، متهمة إياها بالرغبة في تكسير وحدة البلاد. الحكومة الإسبانية لديها أسبابها في رفض استقلال كتالونيا؛ إذ ستعاني مدريد من هذا الأمر لفترة طويلة في ظل أزمة سياسية تعيشها في الوقت الراهن جراء فشل الأحزاب السياسية الإسبانية في تشكيل حكومة على المستوى الوطني بسبب عدم حصول أي حزب على الأغلبية، ولم ينجح أي حزب في إقناع الآخرين بتأييده رغم إجراء الانتخابات مرتين، وتستمر الحكومة المحافظة بزعامة ماريانو راخوي بتسيير شؤون البلاد مؤقتا. ومن بين التأثيرات السلبية على إسبانيا بعيدًا عن الوحدة القومية، أنها ستخسر مساحة من الأرض تقدر بحوالي 33 ألف كيلومتر مربع – مساحة الإقليم الكتالوني، الذي يقدر ب8% من إجمالي مساحتها، كما سيخرج عدد سكانه الذي يبلغ 7,5 مليون نسمة من حسابات الأيدي العاملة الإسبانية، الذين يمثلون 14% من إجمالي سكان البلاد، كما أن فقدان إسبانيا لكتالونيا سيتسبب في حرمانها من قوة اقتصادية كبيرة ومن مصدر حيوي للضرائب، حيث تعتبر برشلونة، عاصمة كتالونيا المقر الرئيسي للعديد من المجموعات والشركات العملاقة والمعاهد الكبيرة، كما يبلغ إجمالي الناتج القومي للإقليم 210 مليون يورو، ما يعنى أن إسبانيا ستخسر حوالي 19% من إجمالي ناتجها القومي. وستخسر إسبانيا أيضًا حوالي 26% من صادراتها التي كانت تتم نتيجة مواد مصنعة في إقليم كتالونيا، كما أن الأخير يتحكم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية للبلاد، وتحول كتالونيا لدولة مستقلة يعني ارتفاع تكلفة نقل البضائع الإسبانية للتصدير، ما يؤدي لقلة الصادرات وضعف الاقتصاد الإسباني – الضعيف أساسًا- حيث تعاني إسبانيا حاليًا من أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة صراعها مع تكاليف الاقتراض التي لا تستطيع تحملها، وارتفاع مستوى العجز العام، ما تسبب في غضب شعبي نتيجة التأثيرات السلبية المنعكسة والمتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة وتدابير التقشف الصارمة التي أثرت على الخدمات العامة.