صفحة جديدة تسطرها السعودية في عدوانها على الأراضي اليمنية، مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم السعودية التي ارتكبتها طائرات «إعادة الأمل» في اليمن، ضحايا بالمئات وحرجى بالآلاف، إدانات دولية جديدة، حتى بات المتورطون مع المملكة في دعم التحالف، يسعون إلى الانسلاخ من هذا التحالف، ضغوط دولية تتزايد على الرياض، ودعوات التحقيق مع مسؤولي وقادة المملكة تتصاعد، حتى لفظت المفاوضات اليمنية أنفاسها الأخيرة، وبقيت قرقعة السلاح وأنين الطائرات يدوي في سماء اليمن والسعودية. مجزرة سعودية جديدة قررت السلطات السعودية، عصر السبت الماضي، مفاقمة الوضع في اليمن وتصعيد الأزمة وإجهاض آخر محاولات المفاوضات اليمنية، بشن غارات وحشية على صالة عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، وكانت آخر حصيلة خرجت بها وزارة الصحة اليمنية، اليوم الاثنين، سقوط 115 قتيلًا، إضافة إلى حوالي 300 حالة حرجة بين المصابين تستدعي السفر إلى الخارج من أجل العلاج. في البداية حاولت السعودية التنصل من الغارات، حيث نفت أن تكون قواتها قد نفذت أي عمليات جوية في مكان الضربة، وعبرت عن عزائها ومواساتها لأسر الضحايا والمصابين، مؤكدة أن لدى قواتها تعليمات واضحة وصريحة بعدم استهداف المواقع المدنية، وفي وقت لاحق أقرت السعودية بمسؤوليتها عن مجزرة صالة العزاء، عبر رسالة إلى مجلس الأمن من قِبَل بعثتها في الأممالمتحدة، فيما فوضت نفسها للتحقيق في الحادث، حيق قالت في بيان «سيتم إجراء تحقيق فوري من القيادة السعودية بمشاركة خبراء أمريكيين، وستعلن النتائج فور انتهاء التحقيق». إدانات يمنية ودولية عنف الغارات ووحشيتها وعدد الضحايا الذين سقطوا جرائها، وكون المكان الذي استهدفته الغارات مدنيًّا بحتًا يرتاده المواطنون العزل، باعتباره مخصصًا لإقامة المناسبات الاجتماعية، يضع الجريمة المرتكبة في خانة جرائم الحرب المتعمدة ضد الإنسانية، كل هذا أثار غضب العديد من دول العالم، حتى إن الدول الحليفة للمملكة والمتورطة معها في عدوانها على اليمن، وعلى رأسها أمريكاوفرنسا، سعت إلى الانسلاخ من هذا الدعم وتبرئة ساحتها من المجزرة السعودية الأقسى منذ بداية العدوان. سارعت أمريكا إلى إدانة الهجوم السعودي في محاولة منها للتنصل من المسؤولية الأخلاقية والسياسية والإنسانية وإلصاق التهمة بالمملكة وحدها، لكن الدعم الأمريكي للعدوان السعودي سياسيًّا وعسكريًّا أصبح غير قابل للشك أو التأويل، فصفقات السلاح بين الطرفين تتحدث عن نفسها، ومحاولات استهداف الجيش اليمني واللجان الشعبية للمدمرة التابعة للبحرية الأمريكية «ماسون»، أمس الأحد، التي كانت متجهة للسواحل اليمنية، لا يعطي فرصة لواشنطن لتبرئة ساحتها، كما أن تعطيل واشنطن لأي قرارات في مجلس الأمن أو الأممالمتحدة بشأن معاقبة السعودية على جرائمها في اليمن، يؤكد أن الدعم الأمريكي العسكري والسياسي أصبح ظاهرًا أمام أعين الجميع. في الوقت ذاته، أدانت كل من فرنساوبريطانياوكندا الهجمات السعودية على صنعاء، حيث دعت الأولى التحالف إلى السماح على الفور بتحقيق دولي مستقل حول ملابسات المجزرة، فيما أعربت بريطانيا ثاني أكبر داعم للرياض في العدوان على اليمن بعد واشنطن، عن قلقها إزاء المجزرة، مضيفة أن الصور من مكان الحادث صادمة، داعية إلى إجراء تحقيق فوري في الحادث، فيما دعت كندا إلى إجراء تحقيق سريع، وأدان وزير الخارجية الكندي، ستيفان ديون، غارات التحالف السعودي، وأكد أن التحالف الذي تقوده السعودية يجب أن يفي الآن بالتزاماته في إجراء تحقيق. من جانبه طالب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بإجراء تحقيق سريع ومستقل في الغارة الجوية، وأدان الهجوم على قاعة العزاء في صنعاء، مشددًا على أن أي هجوم متعمد ضد المدنيين غير مقبول إطلاقًا. إقليميًّا، واستنكرت بشدة العديد من المنظمات البحرينية، المجزرة السعودية في صنعاء، حيث أصدرت كل من المنظمة البحرينية الألمانية لحقوق الانسان والديمقراطية، ومنتدى البحرين لحقوق الإنسان، ومنظمة سلام للديمقراطية، ومعهد الخليج للديمقراطية وحقوق الانسان، بيانًا تدعو فيه إلى تقديم المتورطين بارتكاب هذه الجريمة الى العدالة الدولية، معتبرين إياها جريمة حرب، وانتهاكًا فاضحًا للقانون الإنساني الدولي. من جانبها أدانت وزارة الخارجية السورية بأشد العبارات الاعتداء الإجرامي الذي اقترفته السعودية، قائلة: إن هذه الجريمة النكراء تمثل المشهد الأسود الأحدث في الدور التخريبي المشبوه الذي يضطلع به النظام السعودي ضد أبناء الأمة العربية في اليمن والعراق وسوريا وغيرها؛ بهدف بث الوهن في نفوسهم وتدمير بنية الدول العربية خدمة للمخطط الأمريكي الإسرائيلي، معلنة التضامن الكامل مع الشعب اليمني. وفي اليمن دعا قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، الشعب اليمني إلى النفير العام والتحرك الجاد والمسؤول في وجه العدوان الأمريكي السعودي بالشكل المطلوب إلى جميع جبهات القتال؛ لأخذ الثأر من قتلة النساء والأطفال، واعتبر الحوثي، أن العدو الأمريكي يحاول ألَّا تلصق به جريمة صالة العزاء الكبرى الأكثر وحشية وأن يبعدها عن نفسه، وأضاف: وصلت هذه الجريمة الفظيعة، بكل ما تعنيه الكلمة في بشاعتها، إلى درجة التحرج لدى العدو الأمريكي في الدرجة الأولى منها، رغم كونه المشارك والمخطط والمدبر للعدوان، وذلك في سياق محاولته لتقديم نفسه بأنه طرف محايد. وأشار إلى أن العدو الأمريكي يعلن في كل مرة عن تبنيه ودعمه الواضح لهذا العدوان وإشرافه عليه، لكنه يحاول تقديم نفسه على أنه طرف محايد، وألَّا ترتد عليه الجرائم الوحشية التي تمثل ضوءًا أخضر له لسلاحه وحمايته السياسية في مجلس الأمن والأممالمتحدة والمنظمات الدولية، التي تزعم أنها تعني بحقوق الإنسان. من جانبه دعا الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، اليمنيين للقتال على الحدود مع السعودية، وقال صالح: آن الأوان وحانت ساعة الصفر أن أدعو أبناء القوات المسلحة كافة والأمن واللجان الشعبية إلى جبهة القتال، إلى الحدود، لأخذ ثأر ضحايانا الذين سقطوا جراء المجازر المروعة وأكبرها الصالة الكبرى. الرد اليمني جاء الرد اليمني سريعًا، فبعد ساعات من إطلاق الوعود بالرد الرادع على العدوان السعودي في صنعاء من قِبَل قائد حركة أنصار الله، اشتعلت سماء المملكة بالصواريخ اليمنية، حيث أكد مصدر عسكري يمني، إطلاق صاروخ باليستي من نوع «قاهر1» على قاعدة الملك فيصل في منطقة خميس مشيط بعسير السعودية، فيما أطلقت القوة الصاروخية للجيش اليمني واللجان الشعبية، فجر اليوم الاثنين، صاروخًا باليستيًّا من نوع «بركان-1» المطور محليًّا على قاعدة الملك فهد الجوية في الطائفجنوب السعودية، وأكدت مصادر عسكرية يمنية إصابة الصاروخ الهدف بدقة عالية، وأضافت المصادر أن حالة من الارتباك والهلع تسيطر على محيط القاعدة وسيارات الإسعاف تهرع إلى المكان. في الوقت ذاته، نفذ الجيش اليمني واللجان الشعبية عمليات نوعية ضد مواقع قوى العدوان السعودي في جيزان وعسير ونجران، وأسفرت العمليات عن مصرع أكثر من خمسة وعشرين عسكريًّا سعوديًّا بينهم ضباط. المفاوضات اليمنية.. للخلف در في الوقت الذي تحاول فيه الأطراف الدولية تذليل العقبات أمام المفاوضات اليمنية، تأتي الغارات السعودية لتجهض الجهود كافة، وتعود بالمفاوضات إلى نقطة الصفر، ويعود صوت السلاح ليرتفع على صوت المفاوضين، حيث وزعت بريطانيا فجر اليوم الاثنين، على أعضاء مجلس الأمن الدولي، مشروع بيان بشأن اليمن يدعو إلى العودة لطاولة المفاوضات ووقف الأعمال العدائية، وينص مشروع البيان البريطاني على عدم وجود حل عسكري للأزمة، ويدعو أطراف النزاع إلى العودة لطاولة المفاوضات، ووقف الأعمال العدائية، والامتناع عن مهاجمة المدنيين والبنية التحتية المدنية، والاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي، لكن الدعوة البريطانية لم ترق إلى مسامع قوى العدوان أو القوات اليمنية التي وعدت بالثأر، ولم يخرج أي تعليق من القوى اليمنية المشاركة في المفاوضات بشأن المشروع البريطاني.