تصاعدت وجهات النظر الرافضة لتعزية القيادة الفلسطينية بموت الزعيم الإسرائيلي "شيمعون بيريز"، الذي كان يتولى منصب رئاسة الدولة في إسرائيل. وتأتي هذه التحفظات بعد تصريح أدلى به القائد في حركة فتح "يحيى رباح" لقناة فرانس24؛ قال فيه بأنَّ: "الشعب الفلسطيني بأسره لا يكنّ لبيريز غير الاحترام، وأن الرجل هو شريك لعملية السلام وطالما خدم وطنه إسرائيل". المُتابع لمواقع التواصل الاجتماعي وصفحات النشطاء الفلسطينيين يتضح له أن هناك إجماعاً وطنياً وشعبيًّا، على الرفض التام لأي شكل من أشكال التعزية والمواساة للقيادة الإسرائيلية وشعبها بوفاة بيريز، وانتشرت العديد من الوسومات المناهضة للمشاركة، وارتفعت حدة الآراء لِما لبيريز من دور في مجازر ارتُكبت بحق الفلسطينيين، ومنها مجزرة قانا في لبنان والتي راح ضحيّتها أكثر من مئة وسبعة مدنيين فلسطينيين عزّل في المخيّم، وكان له دوره الفاعل في تأسيس القنبلة النووية الإسرائيلية وإنشاء مفاعل ديمونا النووي، الذي منح إسرائيل قوة إقليمية وعالمية. وفي الإطار، أجاب الأستاذ عبدالله أبو شرخ الباحث والناشط السياسيّ عند سؤاله عن موقفه من التعزية بأنه: "لابد في البداية ملاحظة أن سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تتصرف كدولة من خلال مشاركتها بمراسيم الجنازة، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني قد نال كامل حقوقه وأصبح له دولة، وهذا نهج في منتهى الخطورة كونه يمثل تشريعاً للاحتلال"، وأضاف أبو شرخ:" من جهة ثانية فإنَّ المشاركة الرسمية بالجنازة تعني أنَّ العلاقات بالدولة العبرية هي علاقات (طبيعية)، فكيف نستنكر تطبيع عرب الخليج مع إسرائيل، بينما نحن من يبادر ويشرع هذا التطبيع حتى من قبل أن تعلن إسرائيل عن نيتها بالانسحاب من الضفة الغربية!"، وأردف أبو شرخ بالقول: "باختصار تعتبر المشاركة الرسمية الفلسطينية في الجنازة تشريع لواقع الاحتلال وإعفاء لإسرائيل من صفتها القانونية كدولة احتلال". وعلّق أبو شرخ حول تصريحات يحيى رباح القياديّ في فتح: "أما بخصوص تصريحات القيادي رباح فإنها تخصه، ومن العيب أن يتم نسبها إلى الشعب الفلسطيني الذي وصفه بالحثالى، وهو موقف يجب استنكاره وطنياً وأخلاقياً". وختم أبو شرخ:"بيريز زعيم صهيوني وهو صاحب المشروع النووي الإسرائيلي وهو مجرم مجزرة قانا، فأين السلام المزعوم الذي تحدث عنه رباح؟ من الواضح أن يحيى رباح يعتبر أن السلام هو غنيمة السلطة التي حصل عليها بعد أوسلو". وفي نفس السياق شدد الأستاذ ناصر رباح، الكاتب والشاعر الفلسطيني على الرفض لفكرة التعزية وعدم الاكتراث لمشاعر الداخل الفلسطيني، وقال رباح للبديل: "أعرف جيداً ثقل مسؤولية المستوى السياسي حين يتخذ قراراً أو يتصرف تصرفاً لا يفهمه ولا يتفهمه الجمهور البعيد عن أروقة السياسة والبروتوكول واللباقة الدبلوماسية المفترضة بين الحكومات. لكن متى كنا حكومة ومتى كنا دولة كي نتعامل مع الآخر بمنتهى اللباقة وهو يعاملنا بمنتهى التجاهل والازدراء؟"، وأضاف:"كان من الممكن التعبير عن العزاء ببرقية مقتضبة من مستوى أقل من مستوى الحميمية التى شعرنا بها وكأنَّ السيد بيريز هو صديق الراحل أبو عمار في مقاعد الدراسة". وتسائل رباح: "لماذا وفد رسمي ولماذا كل هذا الانبطاح السياسي ونحن نعطي الحكومة الإسرائيلية ظهورنا ونتعلق بأستار الأممالمتحدة قبل أيام؟ منطق غريب وتصرفات غير متجانسة في أسبوع واحد من مكتب الرئيس الفلسطيني". وعلّق الكاتب والصحفي الإنجليزي "روبورت فيسك" على الحادثة في مقال له "عندما عرف العالم أن شيمون بيريز قد مات، صرخوا "ها قد مات صانع السلام!" لكن عندما عرفت أنا أن بيريز قد مات، لم أفكر سوى في الدماء والنار والمذبحة. لقد رأيت نتائج المذبحة: أطفال رضع ممزقين، لاجئون يصرخون، وأجساد مشتعلة. كان ذلك في مكان يدعى قانا. حالياً، يقبع معظم الضحايا ال106، ونصفهم من الأطفال، تحت معسكر الأممالمتحدة في المكان الذي مزقتهم فيه القذائف الإسرائيلية إلى أشلاء. كنت حينها في قافلة مساعدة تابعة للأمم المتحدة خارج تلك القرية الواقعة في جنوبلبنان. مرت تلك القذائف فوق رؤوسنا مباشرة وصولاً للمعسكر المزدحم باللاجئين، واستمر إطلاق القذائف سبع عشرة دقيقة. ضربت القذيفة الأولى مقبرة يستخدمها حزب الله، أما باقي القذائف فقد طارت مباشرة إلى معسكر فيجاني الحربي التابع للأمم المتحدة، حيث كان مئات المدنيين يتخذونه ملجأً لهم. صرح بيريز: "لم نكن نعلم أن عدة مئات من الناس كانوا في ذلك المعسكر. لقد كان الأمر مفاجأة مرة لنا". كان ذلك كذباً. فالإسرائيليون قد احتلوا قانا لسنوات بعد اجتياح سنة 1982، وكان بحوزتهم أفلام فيديو للمعسكر، بل كانوا قد أرسلوا طائرة دون طيار تحلق فوق المعسكر أثناء المذبحة، وهي حقيقة ظلوا ينكرونها حتى أرسل لي جندي من جنود الأممالمتحدة فيديو التقطه بنفسه للطائرة. وقد نشرنا مقاطع منها في الإندبندنت. أضف إلى ذلك أن الأممالمتحدة كانت قد أخبرت إسرائيل مراراً وتكراراً أن المعسكر مليء باللاجئين. كانت تلك مشاركة بيريز لإحلال السلام في لبنان. وخسر الانتخابات، وربما لم يفكر بعد ذلك أبداً في قانا. لكنني لم أنسها قط". وتعتبر وجهات النظر السابقة مشابهة لمعظم المواقف الفلسطينية من شتى الأطياف والتوجّهات السياسية، حيث اعترض الكثير من النشطاء الفتحاويين قبل الحمساويين على أسلوب القيادة الفلسطينية بالتعزية، وبالخصوص حين تداولت الأخبار عن أنه سيكون هناك مشاركة شخصية للرئيس أبو مازن وعدد من القيادات الفلسطينية في جنازة شمعون بيريز في "إسرائيل". ويعتبر شمعون بيريز أحد أبرز مؤسسيّ وداعميّ وجود الكيان الإسرائيلي منذ البداية، حيث ولِد بيريز في عام 1923 للميلاد، وإنتقل للعيش مع أسرته إلى فلسطين عام 1934، ومن ثم إنضم للعمل مع عصابات الهاجاناة الإسرائيلية عام 1947، وتقلّد العديد من المناصب السياسية الرئيسية في دولة إسرائيل على مدار مسيرته المهنية، ومنها رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العمل وإنتهاءً برئاسة الدولة، ويُنسب له العديد من النشاطات التاريخية المعادية للقضية الفلسطينية وللعرب، ويُذكر بأنه الذي قام على التخطيط والتوقيع على إتفاقية أوسلو عام 1993، والتي اعطت سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في غزة والضفة، وتوفّي بتاريخ الثامن والعشرين من سبتمبر لعام 2016 عن عمر ناهز الثلاثة وتسعين عاماً.