تعقد اليوم المجموعة الدولية لدعم سوريا اجتماعًا جديدًا على هامش الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك برئاسة روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية؛ لبحث الأزمة السورية وإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار، وسيكرر اليوم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على أسماع الأعضاء في "المجموعة الدولية لدعم سوريا" ما قاله بالأمس أمام مجلس الأمن الدولي بضرورة إنشاء منطقة حظر كلي للطيران في مناطق رئيسية في سوريا لإنقاذ الهدنة المهددة بالانهيار، وذلك عقب الهجوم الذي تعرضت له الاثنين الماضي قافلة للمساعدات الأممية قرب حلب. وعقد وزراء خارجية دول المجموعة الثلاثاء الماضي اجتماعًا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد انهيار الهدنة في سوريا، لكنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة إثر تبادل الاتهامات بين الولاياتالمتحدةوروسيا بشأن توقف الهدنة، وشُكلت "المجموعة الدولية لدعم سورية" في خريف 2015 في فيينا، وتضم 23 دولة ومنظمة دولية مهتمة بالأزمة السورية أبرزها الولاياتالمتحدةوروسيا والسعودية وإيران وتركياوالأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي. قصف القافلة الأممية والأزمة المفتعلة يبدو أن واشنطن تحاول بشتى الطرق أن تقلب الطاولة على موسكو بعد التداعيات الخطيرة على مصير الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير على وقف إطلاق النار في سوريا، والتي أحدثتها غارة التحالف الدولي بقيادة أمريكا على مواقع للجيش العربي السوري في جبل "الثردة" راح ضحيتها أكثر من 150 جنديًّا سوريًّا في مدينة دير الزور شرق سوريا قبل أيام، حيث تحاول الولاياتالمتحدة حتى الآن تحميل الجانب الروسي مسؤولية الخرق عن طريق اتهام موسكو بضلوعها وراء استهداف قافلة المساعدات الإنسانية في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي الاثنين الماضي، فقبل إجراء أي تحقيقيات في الحادثة، حيث قال المتحدث باسم الأممالمتحدة في نيويورك ستيفان دوجاريك "علمنا أن قافلة تعرضت للقصف، ونحاول الحصول على مزيد من المعلومات"، سارعت الولاياتالمتحدة باتهام روسيا وتحميلها مسؤولية الهجوم على القافلة الأممية، والذي أسفر عن تدمير 18 شاحنة من أصل 31، ومقتل 20 مدنيًّا. الإصرار الأمريكي على تحميل روسيا ذنب القافلة الأممية كان واضحًا في خطاب دبلوماسييها، فكيري قال بالأمس إن الجهود للتوصل إلى حل لا يمكن إنقاذها إلا إذا تحملت روسيا مسؤولية الغارات الجوية الأخيرة، وصرح في وقت سابق بأن روسيا تتحمل المسؤولية حتى لو أن النظام السوري هو من قصف القافلة، وكان مسؤول أمريكي قال إنه وقت حصول الغارة الجوية على القافلة، كانت هناك طائرتا سوخوي -24 روسيتان تحلقان في أجواء المنطقة المستهدفة، مضيفًا أن أفضل تقييم لدينا هو أن الروس هم الذين نفّذوا الغارة. في المقابل رفضت روسيا المزاعم الأمريكية، وقدمت مجموعة من الأدلة، حيث أظهر شريط فيديو روسي أن سيارة محملة بمدفع رشاش كانت تسير بجانب القوافل، ما يثير الكثير من التساؤلات، كما قالت وزارة الدفاع الروسية إن طائرة أمريكية بلا طيار من طراز "بريداتور" كانت تحلق في سماء المنطقة عندما هوجمت قافلة المساعدات، وأن الطائرة المذكورة أقلعت من قاعدة أنجيرليك الجوية جنوبي تركيا، وقال الجنرال أيغور كوناشينكوف الناطق باسم الوزارة إن الطائرة المذكورة وصلت إلى المنطقة التي قصفت فيها القافلة قبل دقائق فقط من الحادث، وغادرت المنطقة بعد 30 دقيقة تقريبًا، وأضاف إن هذه الطائرات مزودة عادة بصواريخ جو-أرض، وتابع "لا يعلم الا الذين يملكون هذه الطائرة ما كانت تفعل في اللحظة تلك وما طبيعة المهام التي كانت تقوم بها"، ولكنه أكد أن روسيا لن تبني أي استنتاجات حول وجود الطائرة في المكان الذي كانت توجد فيه في ذلك الوقت. المراوغة الأمريكية مع موسكو المطالبة الأمريكية بفرض منطقة حظر جوي فوق المناطق الأساسية في سوريا تحمل الكثير من علامات الاستفهام، فواشنطن كانت ولا تزال ترفض المطلب التركي بإنشاء منطقة حظر جوي في الشمال السوري كان آخرها قبل أيام، حيث جدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما رفضه لطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمنطقة حظر جوي، ودائمًا ما كانت تعلل واشنطن رفضها بأنه لا جدوى من منطقة حظر في الشمال السوري في الوقت الذي تمتد فيه الصراعات على كامل الأراضي السورية، ولكن يبدو أن الولاياتالمتحدة تريد التراجع عن الاتفاق مع موسكو عن طريق هذا المقترح، فأمريكا تعلم جيدًا أن أطراف المعسكر الروسي كسوريا وإيران لن تقبل بهذا المقترح، وهذا ما أعلنته الحكومة السورية على لسان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، كما أن طهران رفضت المقترح الأمريكي أيضًا، حيث قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن وقف تحليق الطيران سيساعد جماعتي "داعش" و"النصرة" الإرهابيتين، ويرى مراقبون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يرفض الاقتراح الأمريكي أيضًا كما رفض الاقتراح التركي من قبل، خاصة أن المقترح الأمريكي بالحظر الجوي سينسف الاتفاق الروسي الأمريكي من رمته، فمطالبة الخارجية الأمريكية منع تحليق الطيران الحربي الروسي والسوري فوق المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة كشرط لضمان نجاح اتفاق وقف إطلاق النار، يعني أن واشنطن تتهرب من الفقرة الأهم في اتفاق الهدنة التي تنص على تنسيق عمليات عسكرية روسية أمريكية مشتركة تشرف على الضربات المتفق عليها للتنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب و"جبهة النصرة" على رأسها، في حال صمود الهدنة لأسبوع، وهذا يعني أن واشنطن تحاول بشتى الطرق التهرب من الاتفاق مع روسيا، الأمر الذي يشكك في النوايا الأمريكية في إطالة عمر المجموعات الإرهابية في سوريا، خاصة أن واشنطن كانت قد رفضت في السابق مطلبًا للحكومة السورية بتفتيش الشاحنات الأممية قبل توجهها لتوزيع المساعدات على أحياء حلب، كما أن الولاياتالمتحدة تعيش حاليًّا أزمة داخلية بين مؤسسة الخارجية والدفاع الأمريكية، فالبنتاجون رفض صراحة اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذي توصل إليه كيري مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، وبالتالي لواشنطن مصلحة كبيرة في نقض اتفاقها مع روسيا. الجدير بالذكر أن واشنطنوموسكو تتبادلان الاتهامات بمسؤولية كل طرف في حال فشل الاتفاق الموقع بينهما، فأمريكا تقول بأن روسيا غير قادرة على ضبط تحركات حليفها السوري على الأرض، في المقابل تقول روسيا بأن واشنطن غير قادرة على الفصل بين ما تسميها الإدارة الأمريكية بالمعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية في سوريا. ويرى محللون أن تلويح أمريكا بمناطق حظر جوي في سوريا الهدف منه استقطاب حليفها القديم تركيا، بعد أن أبدت أنقرة في الآونة الأخيرة تقاربًا ما تجاه غريم واشنطن التقليدي روسيا.