في الآونة الأخيرة ظهرت روسيا كلاعب دولي مهم لا يمكن تخطيه بسهولة في الملفات العالمية والإقليمية خاصة المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي خلق نوعًا جديدًا من التوازنات الدولية لم تألفه الولاياتالمتحدة من قبل والتي كانت تتفرد بالأحادية القطبية للسياسة العالمية. دور موسكو النشط في الشرق الأوسط ظهر بشكل كبير في الملف السوري، على حساب الملفات الإقليمية الأخرى، ولكن يبدو أن هناك توجهًا جديدًا بدأ يلوح في الأفق نحو الملف اليمني، خاصة أن روسيا بدأت تنتقل من مرحلة الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن بشان القرارات حول اليمن إلى مرحلة الرفض أو تلجأ إلى التعطيل. موسكو تعطل مقترحًا أمميًا تمكنت روسيا أمس الأربعاء، من تعطّل صدور بيان لمجلس الأمن يلزم حركة أنصار الله وحلفائها بالتعاون مع المبعوث الأممي، وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن المبعوث الأممي الخاص باليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، طالب أعضاء مجلس الأمن الدولي بالتحرك وإظهار الدعم اللازم لمسودة الاتفاق الأممية، لكن خلافا بين روسياوبريطانيا حال دون صدور بيان لمجلس الأمن يطالب الوفد الوطني ممثلًا بأنصار الله والمؤتمر الشعبي بالتعاون مع ولد الشيخ. المبعوث الأممي لليمن أطلع بالأمس أعضاء مجلس الأمن على أخر المستجدات التي انطلقت بين أطراف الأزمة اليمنية في أبريل الماضي، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من الكويت المقر الحالي للمفاوضات "اليمنية-اليمنية". وكان من المفترض أن يطالب المبعوث الأممي لليمن أعضاء مجلس الأمن بالتوافق على مسودة الاتفاق الأممية بخصوص اليمن، والتي تقضي بانسحاب حركة أنصار الله وحلفائها من العاصمة صنعاء ونطاقها الأمني، وكذلك الانسحاب من محافظتي تعز والحديدة، وبعد ذلك أي بعد مرور 45 يوما على توقيع الاتفاق، يمكن حينها الحديث عن حوار سياسي لمناقشة تشكيل سلطة توافقية في اليمن، الأمر الذي يرفضه الوفد الوطني ويعتبره غير مقبول منطقيًا، فكيف سيتمكن من التفاوض على حكومة توافقية مع الرئيس المستقيل عبد ربه هادي منصور المدعوم عسكريًا من قبل المملكة السعودية، وهو مجرد من كل أوراقه العسكرية والسياسية، الأمر الذي دفع الوفد الوطني للتمسك بحل شامل للأزمة اليمنية يشمل الملف الأمني والسياسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكونون شركاء فيها. الموقف الروسي الأخير، أظهر توافقًا ملحوظًا مع موقف أنصار الله والمؤتمر الشعبي، فوفقًا لمصادر مطلعة قالت إن إخفاق المجلس بشأن الملف اليمني يرجع إلى أن السفير الروسي لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، طالب "بضرورة ألا تقتصر دعوة المجلس لجماعة أنصار الله وعلي عبد الله صالح فحسب، وأن تشمل أيضا جميع الأطراف". ولفتت المصادر إلى أن البيان لم يطرح رسميًا للتصويت على أعضاء المجلس، وإنما كان مجرد "اقتراح" من الوفد البريطاني، ولكن بعد اعتراض مندوب روسيا عليه، لم تستطيع بريطانيا التقدم به رسميا، حيث يكفي معارضة دولة واحدة في مجلس الأمن لأي بيان لكي تعطل صدوره، وروسيا قامت بهذا الدور قبل الطرح الرسمي للمقترح البريطاني. وكانت بريطانيا قد قدمت أمام مجلس الأمن مشروع بيان يدعو دول المجلس إلى أن تعرب فيه عن قلقها إزاء إعلان تشكيل "المجلس السياسي" -الذي اتفقت حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي على تشكيله في صنعاء- واعتباره أمرًا متعارضًا مع التزامات دعم السلام التي ترعاها الأممالمتحدة، الأمر الذي رفضه الجانب الروسي. يذكر أنه في 10 يوليو، كانت روسيا قد حالت دون اعتماد مسودة بيان رئاسي بشأن اليمن من مجلس الأمن بعد اعتراضها على صياغات وتعديلات أدخلت بطلب من اليمن ودول التحالف العربي بما في ذلك إضافة فقرة للمسودة الاصلية التي قدمتها بريطانيا تؤكد على ضرورة استعادة الحكومة السيطرة على مؤسسات الحكومة وإزالة أي عقبات وعراقيل في هذه المؤسسات تحول دون ممارستها لمهامها على نحو ملائم. الجدير ذكره أن مجلس الأمن الدولي تبنى في 14 أبريل الماضي مشروع القرار العربي بشأن اليمن تحت الفصل السابع والذي يحظر تزويد حركة أنصار الله بالأسلحة ويفرض عقوبات على قادتهم ونجل الرئيس اليمني السابق، وقتها أيد 14 من أعضاء المجلس المشروع، في حين اكتفت روسيا ب"الامتناع" عن التصويت ولكنها لم ترفض، حيث أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين موقف موسكو الداعي إلى أن يشمل حظر توريد الأسلحة جميع الأطراف في اليمن وليس أنصار الله وحدهم، وفسر تشوركين امتناع روسيا عن التصويت قائلا إن مشروع القرار هذا لم يأخذ بعين الاعتبار مقترحات موسكو. ويرى مراقبون أن "تعطيل" موسكو صدور بيان لمجلس الأمن يطالب الوفد الوطني اليمني دون سواهم بالتعاون مع المبعوث الأممي، يدل على أن دور موسكو في الشرق الأوسط مهم في حفظ التوازنات الدولية والإقليمية فيه، وهو ليس بحاجة لضوء أخضر من المملكة السعودية ليقوم بهذا الدور، فالمملكة السعودية كانت قد عرضت على روسيا بإعطائها "حصة" في الشرق الأوسط لتصبح أقوى بكثير من الاتحاد السوفيتي، مقابل تخليها عن الرئيس السوري بشار الأسد، هذا وانتقد المندوب الروسي السعودية واتهمها بفرض حل غير متوافق عليه في اليمن كما انتقد ولد الشيخ بسبب الرؤية التي قدمها وغادر الجلسة غاضبا. ومن جهته قال الناطق الرسمي باسم "حركة أنصار"، محمد عبدالسلام، مشيدًا بالموقف الروسي "نعبّر عن تقديرنا لموقف روسيا في مجلس الأمن الرافض لاستمرار الحرب والحصار على الشعب اليمني، والداعم لمسار الحل السياسي الشامل وليس فرض الإملاءات".