تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في تونس سيكون أول محطة علنية لإبراز الصراع بين الرئيس باجي السبسي ورئيس حكومته الحبيب الصيد. ففي شهر يونيو الماضي قال الرئيس السبسي إن الصيد لن يمانع في أي خطوة من شأنها أن تخدم المصلحة الوطنية، سواء كانت ببقاء أو رحيل التركيبة الحالية. وعلى الرغم من رد الصيد في ذلك الوقت بأنه لن يستقيل، وسيواصل مهامه، إلا أنه استدرك بالقول إنه لا يمانع في الاستقالة من منصبه لإفساح المجال لحكومة وحدة وطنية أوسع، إذا اقتضت مصلحة البلاد، لكنه تراجع عنه فيما بعد. الصيد وعدم الاستقالة برفض رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد، الأربعاء، الاستقالة من منصبه؛ لتمهيد الطريق أمام حكومة وحدة وطنية دعا إليها رئيس الجمهورية، يكون قد اختار أن يحسم البرلمان التونسي وليس الرئيس مصيره؛ لتبدأ بذلك أول مواجهة مباشرة بين الرئيس ورئيس الوزراء، الأمر الذي قد يفضي إلى أزمة سياسية أخرى في البلاد التي تتطلع للاستقرار السياسي؛ لمعالجة الاقتصاد المريض والتصدي لتفاقم بطالة الشبان وإجراء إصلاحات اقتصادية لدفع النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، في ظل الإرهاب الذي تتعرض له البلاد. الأزمة بين الطرفين أكدها الرئيس التونسي، حيث قال عبر كلمة في قرطاج إثر اتفاق الأحزاب على خارطة طريق جديدة لعمل حكومة الوحدة "رئيس الحكومة الحبيب الصيد اختار أن يذهب إلى البرلمان"، في إشارة واضحة إلى أنه رفض تقديم استقالته طوعًا، ويفضل أن يحسم البرلمان مصيره عبر تصويت على الثقة. ماذا يعني ذلك؟ يرى مراقبون أن هناك خلافات حادة بين الرئيس التونسي ورئيس وزرائه، وفسر بعضهم طبيعة هذه الخلافات، حيث قال القيادي في الجبهة الشعبية التونسية، الجيلاني الهمامي، الثلاثاء الماضي، إن السبسي يريد التخلص من رئيس الحكومة؛ لأنه أصبح مواليًا لحركة النهضة – التي تمثل تيار الإخوان المسلمين في تونس- أكثر من ولائه لحركة نداء تونس، مشيرًا إلى أن ولاء الصيد للنهضة جعل الرئيس التونسي يبذل كل ما في وسعه للتخلص منه. ويبدو أن الصيد يلقى دعمًا من أطراف داخلية أيضًا، تعزز من موقفه بعدم الاستقالة، حيث أكد الهمامي أن العديد من أطراف الداخل التونسي كحركة النهضة والوطني الحر وحتى نداء تونس تعارض رحيل الصيد. ولكن موقف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لا ينبئ بأن النهضة متمسك بالصيد، حيث قال إن التوقيع على "اتفاق قرطاج" حول أولويات حكومة الوحدة الوطنية يمثل دعوة للحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصيد للاستقالة، مشيرًا إلى أن الخطوة القادمة تتمثل في ضرورة تفاعل حكومة الصيد مع الوثيقة؛ لتفسح المجال أمام فريق حكومي آخر. كما أن الغنوشي استبق الأمور، وبدأ يتحدث عن حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، حيث قال بأن "الحكومة القادمة يجب أن تكون حكومة موسعة وذات تمثيل أكبر، بعد أن خضنا تجربة حكومة الترويكا وتجربة حكومة الائتلاف الرباعي"، الأمر الذي يعني ضمنيًّا أنه تجاوز مرحلة الصيد إلى ما بعدها. الجدير ذكره أنه في مطلع الشهر الجاري قال الصيد للدلالةعلى أنه لا خلاف بينه وبين السبسي إنه يضع نفسه على ذمة مصلحة البلاد، وأوكل الصيد أمره حينها بيد رئيس الجمهورية والمشاركين في المبادرة، الأمر الذي لم يتحقق، ما يكشف عن صراع حقيقي بين الطرفين. ويبقى للخلاف بين الرئيس ورئيس الحكومة تداعياته على بطء الحياة السياسية في تونس، حيث ينص دستور تونس الجديد على أن البرلمان يمكنه التصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء بعد تقديم لائحة لوم ضده والموافقة عليها بالأغلبية، وإذا لم توافق الأغلبية على سحب الثقة، فإن لائحة لوم جديدة لا تقدم إلا بعد ستة أشهر، ولم يتضح حتى الآن موقف عدة أحزاب سياسية من مسألة سحب الثقة من الصيد في البرلمان. وكان الصيد قد أكد خلال اجتماع مجلس الوزراء بقصر الضيافة بقرطاج الأربعاء، أن الحكومة الحالية ستواصل مهامها بنسق عادي، إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، وبالتالي لن تصبح حكومة تصريف أعمال.