تتصاعد وتيرة التحركات الدولية فيما يخص الملف اليمني، فبعد أن فشل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في الوصول إلى أهدافه باليمن، وبدأ يتفكك وظهرت الانقسامات بين الدول الفاعلة فيه، خاصة الإمارات والسعودية، وبعد أن فاحت روائح جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف، بدأت التحركات الدولية تنطلق لتخليص السعودية من المستنقع اليمني مع حفظ ماء الوجه. بداية التحركات الدولية تمثلت في زيارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إلى السعودية، في 21 من أبريل الماضي، حيث التقى يومها بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وبعد الزيارة بأسابيع كانت السعودية على موعد مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، التي أجرى خلالها لقاءات مع عدة مسؤولين سعوديين وشملت الأجهزة الأمنية، وفي نهاية المطاف، دخل الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة على خط البحث عن حل للأزمة اليمنية، حيث وصل "بان كي مون" إلى الكويت في وقت متأخر، السبت الماضي، سعيًا لدفع المشاورات التي ترعاها المنظمة الدولية بينهما، التي لم تحقق اختراقًا جديًا خلال أكثر من شهرين. التقي بان كي مون، أمس الأحد، وفدي الحكومة المستقيلة وجماعة أنصار الله وحلفاء الرئيس السابق على عبد الله صالح، في الكويت، بحسب المتحدث باسم الأممالمتحدة، في جلسة مشتركة مباشرة بحضور المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة، الوفدين بسرعة إنهاء الصراع المحتدم في البلاد، داعيًا إلى تطبيق مخرجات الحوار الوطني، قائلًا: "على كل الأطراف العمل مع ولد الشيخ لإقرار الخارطة والالتزام بوقف الأعمال القتالية". عقب انتهاء اللقاء بين الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وفد أنصار الله، محمد عبد السلام، قال الأخير إن المشاورات أصبحت على مسافة قريبة من الحل الشامل، مؤكدًا ضرورة التوصل إلى حلول توافقية، لأن البلد محكوم بالتوافق منذ بداية المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى ضرورة التوافق على مؤسسة رئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع لجنة عسكرية وأمنية لإجراء ترتيبات أمنية مستعجلة في المرحلة التمهيدية المتفق عليها. وذكّر عبد السلام بمرور 15 شهرًا من العدوان الشامل على اليمن والحصار ضد دولة عضو في الأممالمتحدة، مشيرًا إلى حق اليمن في امتلاك دولة ذات سيادة كاملة وغير منقوصة مقتدرة وقادرة على بسط الأمن والاستقرار، وأكد المتحدث الرسمي باسم "أنصار الله" أن القضاء على القاعدة وداعش لن يكون إلا ببناء دولة قوية وليس باستدعاء قوات أجنبية، في إشارة إلى إرسال واشنطن أخيرًا وحدات من القوات الخاصة الأمريكية إلى الجنوب. لم يغفل رئيس وفد أنصار الله الحديث عن دور الأممالمتحدة في العدوان على اليمن والضغوط التي تمارسها عليها السعودية لإسكاتها، قائلا: الثقة بين شعبنا والمؤسسة الدولية نالها بعض الفتور، وأشار إلى ترك طائرات العدوان تفتك بالصغير والكبير وكل شيء جميل في اليمن إلا ما ندر من بعض البيانات التي يتم التراجع عن بعضها كما حصل فيما يتعلق بالقائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال أثناء الصراعات، وثمن رئيس وفد أنصار الله، موقف الأمين العامة للأمم المتحدة الشجاع الذي أوضح فيه سبب رفع دول العدوان من اللائحة السوداء، وأن ذلك كان نتيجة ضغوط وتهديد بقطع مساعدات ولفترة مؤقتة، وكأن أولئك مع فعلتهم الشنيعة يريدون أن يقتل أطفال اليمن مرتين مرة بطيران العدوان ومرة بالصمت الأممي. من جهته، كانت لهجة رئيس وفد "المؤتمر الشعبي العام"، عارف الزوكا، أكثر مرونة من لهجة الرئيس السابق، على عبد الله صالح، الذي هاجم الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، وحكومته ووصفهم بالمرتزقة، وهاجم السعودية واتهمها بالتسبب في انتشار الاٍرهاب في بلاده والعالم وشن حرب طائفية وهابية على اليمن، لكن الزوكا كرس حديثه عن السلام وضرورة إنهاء الحرب، حيث أكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل يؤسس لحقبة جديدة في تاريخ اليمن. وقال الزوكا عقب انتهاء مشاوراته مع بان كي مون، إنه رغم طول فترة المشاورات والحرج أمام الشعب اليمني، أوضح الوفد رؤاه وثوابته مع الالتزام بالمرجعيات وضرورة المراعاة للتغيرات التي حدثت على الأرض، وأشار الزوكا إلى أهمية تتويج المشاورات بالتوقيع على اتفاقية السلام في الكويت، لافتًا إلى التقدير البالغ لموقف الأمين العام في مواجهة الضغوط من أجل رفع اسم تحالف العدوان بقيادة السعودية من القائمة السوداء. رغم الأجواء الإيجابية التي طغت على زيارة بان كي مون إلى الكويت وتصريحات رئيس وفد أنصار الله، إلا أنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كان سيتم قريبًا إعلان ورقة مبادئ تضم إطارًا عامًا لاتفاق شامل، أو أن التأجيل سيكون مصير هذه الجولة، حيث بات الأمر يقتصر على التصريحات الإيجابية فقط دون الإشارة إلى خطوات عملية قريبة، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى اعتبار زيارة بان إلى الكويت فاشلة ولم ينجم عنها أي تقدم في مسار عملية السلام اليمنية، بعكس التوقعات التي انطلقت قبل الزيارة، التي رجحت أن أمين عام الأممالمتحدة لديه رؤية عملية لاتفاق نهائي ستوقع عليه الأطراف المتحاربة أو اتفاق مبادئ على الأقل، ما يشير إلى مدى صعوبة التوصل إلى اتفاق وردم فجوة الخلافات والتوصل إلى حل شامل يحظر بقبول لدى الأطراف المتحاربة في اليمن.