زيارة مفاجئة أجراها وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، إلى قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، والتي تُرابط في مطارها طائرات تابعة لسلاح الجو الروسي، حيث جاءت الزيارة بتكليف من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخلالها وقف وزير الدفاع الروسي على أداء بطاريات "إس-400" الصاروخية المضادة للأهداف الجوية، كما اطلع على ظروف عمل وإقامة العسكريين والطيارين الروس في القاعدة، وأشارت وزارة الدفاع إلى أن شويجو استمع لتقرير أعده قائد مجموعة القوات الروسية المرابطة في سوريا، الفريق أول ألكسندر دفورنيكوف، سلط فيه الضوء على الوضع الميداني وأداء الطيران الحربي الروسي هناك في استهداف مواقع الإرهابيين وبناهم التحتية، ووقف على أداء مركز التنسيق الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا. في ذات الإطار، قالت وسائل إعلام روسية إن الوزير شويجو اصطحب معه مستشارين عسكريين روس اجتمعوا فورًا مع ضباط سوريين رفيعي المستوى في قاعدة "حميميم" باللاذقية، لدراسة الموقف العسكري والميداني والتحضير لعملية عسكرية في حلب، سوف تبدأ قريبًا، من دون توقف العمليات العسكرية باتجاه دير الزور القائم والرقة. عقب تفقد وزير الدفاع الروسي للقوات الروسية المتواجدة داخل القاعدة، اتجه سيرجي إلى القصر الرئاسي في دمشق، وكان في استقباله الرئيس السوري، بشار الأسد، وناقش الطرفان وفق وسائل الإعلام الروسية والسورية، مسائل تطرح نفسها على جدول أعمال الكرملين وتتعلق بحل الأزمة في سوريا والجاهزية القتالية للجيش السوري، وما يحتاجه لزيادة قوته وقدرته على قتال التنظيمات الإرهابية. ما هي الرسائل؟ نقلت صحيفة "ميسلون" السورية عن مصادر مطلعة، أن الرسالة التي حملها وزير الدفاع الروسي، من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى نظيره السوري، بشار الأسد، تتعلق بالخطة المقررة لضرب تنظيمي جبهة النصرة وجيش الفتح، خاصة بعد أن انتهت الهدنة التي أعلنتها روسيا من جانب واحد في مدينة حلب، كما أكدت الصحيفة أن "سيرجي شويجو" أراد طمأنة "الأسد" على انتهاء فترة الهدنة في حلب وعودة الجهد الحربي الروسي إلى ميادينها، الأمر الذي ينفي الأنباء التي ترددت مؤخرًا عن وقوع أزمة بين القيادة الروسية والسورية، كما أن تفقد شويجو لجاهزية الطاقم القتالي لمنظومة "اس 400" في قاعدة حميميم يُعد ردا على التلويح غير الرسمي الأمريكي بإمكانية قصف قطعات من الجيش السوري وإسقاط مقاتلات روسية. توقيت الزيارة تزامنت زيارة وزير الدفاع الروسي إلى دمشق مع توتر الأجواء بين القيادة الروسية والأمريكية من جديد بسبب الاختلاف حول ما تسمية واشنطن "المعارضة السورية المعتدلة"، حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها وجهت تحذيرات لموسكو بشأن الغارات الجوية التي استهدفت قوات المعارضة السورية المدعومة من واشنطن قبل 3 أيام، لكن القوات الروسية لم تستجب للتحذيرات الأمريكية بوقف الهجوم، الأمر الذي بررته موسكو بقولها إنه من الصعب التمييز بين المعتدلين والمتشددين في فصائل المعارضة المسلحة على الأرض حين تنفذ غارات جوية في سوريا. من جهة أخرى، حمل وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الولاياتالمتحدة مسؤولية عدم استئناف جلسات الحوار السوري في جنيف، مؤكدًا أنها لا تمارس الضغط على حلفائها في المنطقة، وقال لافروف في كلمة أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إن عدم جلوس السوريين إلى طاولة المحادثات كما ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ليس ذنبًا روسيًا بل في واقع الأمر هو ذنب شركائنا الأمريكيين الذين لسبب ما لا يمكنهم أو لا يريدون الضغط على حلفائهم في المنطقة، والذين يأخذون موقف التهديد والشروط المسبقة. أجواء الشد والجذب الروسي الأمريكي جاءت عقب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، التي حذر فيها روسيا من أن "صبر بلاده بدأ ينفذ خاصة في مسألة مصير الرئيس السوري"، وهي التصريحات التي حاولت الخارجية الأمريكية التراجع عنها أو تبريرها، بالقول إن "كيري لم يكن يقصد تهديد روسيا لكنه مجرد إعراب عن الاستياء من عدم استخدام الروس نفوذهم، كما فعلوا في الماضي، لتحقيق المفعول اللازم"، وعلق وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، على تصريحات كيري حينها ساخرًا: سمعت تصريحات كيري ودهشت فهو عادة يتحلى بضبط النفس ولا أعرف ماذا حصل معه، ومن ثم قرأت توضيحًا أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية ولكن عليهم أن يتحلوا بصبر أكبر، وذكر لافروف حينها بأن الولاياتالمتحدة تعهدت منذ فبراير الماضي بانسحاب المعارضة التي تدعمها من الأراضي التي يسيطر عليها جماعتي جبهة النصرة وداعش، في غضون أسبوعين أو 3 أسابيع، ولكن ذلك لم يحصل، معربًا عن دهشته من العجز الأمريكي عن تحقيق ذلك. في الوقت ذاته، فإن الزيارة جاءت بعد أيام من كشف مجلة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير لها أن أكثر من 50 موظفًا في وزارة الخارجية الأمريكية وجهوا رسالة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، دعوا فيها لتوجيه ضربات عسكرية تستهدف الحكومة في دمشق، كما دعوا الموقعين على الرسالة كذلك إلى استخدام عقلاني للأسلحة، لوقف انتهاكات الهدنة في سوريا، مؤكدين أن تغيير النظام في دمشق يُعد طريقًا وحيدًا لدحر تنظيم داعش. دعوة موظفي وزارة الخارجية الأمريكية لاقت ترحيبًا من البيت الأبيض، لكنه جدد تأكيده عدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جنيفر فريدمان، أنَّهم منفتحون على كافة الأفكار الجديدة المتعلقة بطرح حلول للمسألة السورية، مؤكدة ترحيبها بالمذكرة التي أرسلها الدبلوماسيون، وأشارت فريدمان إلى أن الرئيس الأمريكي سيأخذ المقترح المقدم بعين الاعتبار، واستدركت أنّه لا تغيير في سياسة أوباما تجاه سوريا، وأن الرئيس صرح مرارًا وبكل وضوح بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، وهذه الرؤية ما زالت قائمة، ونحن تركيزنا ينصب في سوريا على التهديدات الناجمة عن داعش والتنظيمات الإرهابية". وهي الدعوة التي شكك فيها العديد من المراقبين، واعتبرها البعض مراوغة أمريكية للإيحاء بأن هناك ضغوط تُفرض على واشنطن لتوجيه ضربة عسكرية إلى نظام الرئيس السوري، خاصة أنها تأتي بعد أيام من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، والتي قال فيها إن صبر واشنطن بشأن مصير الأسد بدأ ينفذ. الدعوة المزعومة التي روجت لها أمريكا، لاقت استنكارًا من قبل روسيا، حيث حذر الكرملين من أن منطقة الشرق الأوسط قد تغرق في الفوضى في حال إسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، مؤكدًا أن سقوط النظام لن يساعد في محاربة الإرهاب، وقال الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، إنه في أي حال من الأحوال لا يمكن لموسكو أن تتعاطف مع الدعوات إلى إسقاط السلطة في دولة أخرى باستخدام القوة. علاوة على ذلك شكك الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، في صحة الرسالة التي ذكرتها وسائل الإعلام الأمريكية، وقال بيسكوف أنه ليس لدى الكرملين أي معلومات موثوقة عن الرسالة التي ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن عددًا من موظفي وزارة الخارجية الأمريكية بعثوا بها إلى الرئيس الأمريكي، يدعون فيه إلى الشروع في استهداف طائرات التحالف الذي تقوده واشنطن لقوات الأسد بغية إسقاط النظام.