كنوز من الرمال السوداء، تضمها الشواطئ المصرية بمساحات شاسعة، تعتبر المصدر الأساسي لكثير من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية التي يمكنها أن تدر على مصر ملايين الدولارت سنويًّا، وكشف آخر مسح جوي لهيئة المواد النووية المصرية عن امتلاك مصر نحو 11 موقعًا على السواحل الشمالية، تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة. وكشفت آخر دراسة جدوى قامت بها شركة روش الاسترالية عن أن العائد الاقتصادي من موقع واحد فقط من تلك المواقع سيعود على مصر بأكثر من 255 مليون جنيه سنويًّا، أي ما يعادل أكثر من 46.5 مليون دولار، فاستغلالها يوفر على مصر ملايين الدولارات التي تنفقها في استيراد واحد فقط من تلك المعادن ك«الزيركون» الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك، التي تشتهر بها مصر، بالإضافة إلى معادن أخرى أهمها الحديد والجرانيت والمونازيت ومعدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة أجساد الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية، وكذلك معدنا «الماجتنيت والألمنيت» كما تحتوي عادةً نسبة صغيرة من المعادن المشعة كالمونازيت وغيره، وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن، وتعد مصر من أهم الدول الغنية بالرمال السوداء وغير المستغلة لها، وهو ما دفع العديد من الدول إلى محاولة سرقة هذه الكنوز تحت مشروعات وهمية، كلها تتعلق بالسياحة والصيد وصناعة السفن؛ لتتمكن من جرف وسرقة هذه الرمال بصورة شرعية ويقول أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي: تعد الرمال السوداء إحدى الحلول القريبة والسريعة لإنقاذ الاقتصاد في وقت حرج وحساس، ولإيقاف ارتفاع سعر الدولار الجنوني، والسيطرة على السوق من خلال استغلالها وتصديرها، بعد عمليات فصل أولية لجلب عملة صعبة للبلاد. وتابع: الثروة المعدنية عنصر مهم من عناصر الدخل القومي، وإحدى الدعامات الأساسية التي ترتكز عليها الدول والكيانات الاقتصادية الكبرى في تطوير صناعتها وتنميتها اقتصاديًّا، فدولة مثل الصين يعتمد جزء كبير من اقتصادها على تصدير العناصر الأرضية النادرة، التي تعتبر أحد أهم المكونات في المنتجات والصناعات التكنولوجية العالية، مثل الألياف الضوئية والشرائح الإلكترونية والمصابيح الموفرة للطاقة والسيارات الهجينة، ونظرًا لتزايد الطلب المحلي على هذه العناصر، فقد اضطرت الصين خلال السنوات السابقة إلى خفض صادراتها العالمية بنسبة كبيرة، مما تسبب في حدوث اضطراب عالمي في سوق هذه المعادن، نتيجة نقص المعروض وزيادة أسعاره بشكل كبير. ورغم أن أستراليا والهند والبرازيل والولايات المتحدة تستغل تلك الرمال استغلالًا اقتصاديًّا يعود عليها بملايين العملات الصعبة في حين أن مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم، إلَّا أن تلك الصناعة متوقفة فيها منذ عام 1969، وليس هناك سوى بعض الدراسات لتطوير تلك الصناعة، لكنها مجرد حبر على ورق وحبيسة الأدراج وآخرها دراسة «روش» الموجودة حاليًا على مكتب رئيس الوزراء للبت فيها، والتي كلفت الحكومة 5.2 مليون جنيه. ويقول الدكتور أحمد سمير، أستاذ العلوم بجامعه قناة السويس: مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم، إلَّا أن تلك الصناعة متوقفة منذ 44 عامًا، وليس هناك سوى بعض الدراسات النظرية تضاف إليها محاولات غير ناجحة لإقامة مشروع لاستغلال الرمال السوداء بمصر، وفصل المعادن التي توجد في الرمال للاستفادة منها في إقامة صناعات ضخمة، مما دعا وزارة الكهرباء لتأكيد ضرورة استغلال هذه الثروة التي يقدر الاحتياطي التعديني، المؤكد منها بنحو 285 مليون طن، تحتوي على متوسط قدره 4. 3% من المعادن الثقيلة بطول 22 كيلو مترًا بالقطاع الغربي الذي يقع شرق البرلس، كما يوجد احتياطي تعديني مؤكد في القطاع الشرقي بنحو 48 مليون طن يحتوي على متوسط 1. 2% من المعادن الثقيلة به بخلاف امتدادات مستقبلية للخام، وهي أرقام اقتصادية بشكل جيد، طبقًا للدراسات التي أجريت وأكواد التعدين الدولية. وتابع أن الرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، تتراكم على بعض الشواطئ بالقرب من مصبات الأنهار الكبيرة، وتتركز هناك بفعل تيارات الشاطئ على الحمولة التي تصبها الأنهار في البحر، وتتكون من المعادن الثقيلة، تنتشر التركيزات العالية من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية في الرمال الشاطئية في أربع مناطق على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حول مصبات فرعي نهر النيل رشيد ودمياط الحاليين أو الفروع السبعة القديمة المطمورة، وهي السهل الساحلي على جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط، كما تحتوي التلال الرملية الشاطئية، التي تقع شرق بوغاز بحيرة البرلس على كميات هائلة من تلك المعادن، وكذلك السهل الساحلي الممتد من شرق بحيرة البردويل حتى مدينة العريش شمال سيناء يمثل رابع هذه المناطق. وأوضح أن الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء المصرية يقدر بنحو مليار ومائة مليون متر مكعب من الرمال الجافة، تكفي لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مائة وخمسين عامًا، بطاقة استهلاك للخام مقدارها ألف متر مكعب في الساعة على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم، أي 24 ألفا متر مكعب يوميًّا، وعلى مدى 300 يوم تشغيل في السنة، وهذا الاحتياطي موزع على الأربع مناطق على النحو التالي:«500 مليون متر مكعب في منطقة رشيد، 300 مليون متر مكعب في منطقة دمياط، 200 مليون متر مكعب في منطقة بلطيم، 100 مليون متر مكعب في منطقة شمال سيناء». ترجع الأهمية الاقتصادية للرمال السوداء إلى احتوائها على نسب من المعادن التي لها مردود تعديني مثل الألمنيت– FeTiO2 الروتيل– TiO2 أكاسيد حديدية – ماجنتيت الزركون – ويكون أحيانًا خليطًا منZr + U الثوريا الجارنت المونازيت Ga.La.Y.Th – أملاح السيريوم ولبثوريوم السليكا الثقيلة. فيما قالت زينب حميد، إحدى سكان مدينة العريش بشمال سيناء، وتدير إحدى الجمعيات التي تعمل للحفاظ على البيئة: هناك إحدى الشركات تعمل على جرف عشرات الأطنان من الرمال السوداء بشمال سيناء يوميًّا وتصدرها بطرق غير شرعية تحت مرأى ومسمع من الجميع، كونها شركة سياحية تعمل على توسيع وتنظيف الشاطئ، ووضع رمال صفراء من الصحراء بدلًا من السوداء، مما أدى إلى خلل بيئي، فضلًا عن سرقة مدخرات مصر من الرمال السوداء. وتابعت أن الشركة تخطت حدود مساحتها المقررة وتوسعت في أعمال الجرف، وبدلًا من محاسبتها ساعدها المسؤولون بتسهيل أي إجراءات لها في هذا الشأن، وقد تقدمت بالعديد من الشكاوى بعدد من الوزارات، لكن دون جدوى. من جانبه قال اللواء عبد الفتاح حرحور، محافظ شمال سيناء: إن المحافظة تواجه عددًا من التحديات، في مقدمتها الموقف الأمني ومساحة المحافظة التي تمتد على 27 ألف كيلو متر مربع، مع انخفاض الكثافة السكانية التي تصل إلى 408 ألف نسمة، مضيفًا أنه كان هناك مناقصة عالمية قد أعلنت لاستخراج الرمال السوداء، التي كان من المفترض أن تبدأ من محافظة كفر الشيخ، وتقدمت 5 شركات من عدة دول، لكن بعد مشاورات، فضلت الدولة إنشاء شركة وطنية لإدارة هذا المشروع. وأضاف أنه يجرى إبرام اتفاقية لاستغلال الرمال، لكن بعد وضع الإطار القانوني للشركة الوطنية، الذي سيصدر بها قرار جمهوري، مضيفًا أن سبب إلغاء المناقصة يرجع لأهمية المواد التي ستخرج منها وتحتوي على مواد مشعة، تستخدم في صناعات مدنية وعسكرية، وكانت اللجنة العليا لمشروع استغلال رمال البرلس السوداء قدرت تكلفة المشروع الأولية ب125 مليون يورو، حيث كان من المزمع البدء في المشروع نهاية العام الجاري، مؤكدًا ضرورة وجود مشروع قومي لمواجهة أي مخاطر قد تتعرض لها مصر.