في خطوة توضح مدى الهزة الاقتصادية التي طالت مجموعة "بن لادن" السعودية منذ حادث سقوط الرافعة في الحرم المكي العام الماضي، أنهت المجموعة عقود عشرات الآلاف من عمالها، غالبيتهم العظمى من الأجانب، في ظل تعرض قطاع الإنشاءات في المملكة لضغوط متزايدة؛ نتيجة خفض الإنفاق الحكومي؛ بسبب انهيار أسعار النفط. وبعكس ما توقع الخبراء لم تخرج «بن لادن» من كبوتها، بل عانت اليوم أزمة أكبر، حيث بات مستقبل شركة المقاولات الأوسع انتشارًا والأكبر تنفيذًا للمشروعات في الشرق الأوسط مهددًا بالضياع والإفلاس. فما هي شركة بن لادن؟ وكيف وصل حال الشركة إلى هذا الوضع المتدهور في الفترة الأخيرة؟ ومن المتضرر الأكبر من هذه التطورات؟ تاريخ شركة بن لادن أسست مجموعة بن لادن في ثلاثينيات القرن الماضي، من جانب محمد والد أسامة بن لادن، وهي واحدة من أكبر الشركات في السعودية ومن كبريات شركات الإنشاء في منطقة الشرق الأوسط. بدأ تاريخها في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، ومنذ ذلك الوقت شاركت في مشاريع كثيرة في مجالات البنية التحتية والمشاريع العملاقة. وكانت لوالد بن لادن علاقات واسعة مع الأسرة السعودية الحاكمة، وهي ما أكسبته دورًا كبيرًا في الاقتصاد السعودي ونفوذًا سياسيًّاً، إلا أن وفاة محمد بن لادن لم توقف توسع ثروة العائلة وسلطتها. وكانت للشركة نشاطات كبيرة في المملكة، أهمها توسيع الحرمين الشريفين في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، حيث منح الملك عبد العزيز في عام 1950 الإذن بالقيام بأول توسعة سعودية للحرم النبوي الشريف في المدينةالمنورة لمحمد بن لادن، وامتد العمل بها إلى عهد الملك سعود؛ ليتم بعدها تكليفه بتوسعة المسجد الحرام في مكةالمكرمة؛ لتكون أول توسعة يشهدها التاريخ منذ ألف عام. وتم البدء في هذا المشروع العملاق عام 1955، واستمر في تنفيذه خلال عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي خلف الملك سعود، وانتهى في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، مستغرقًا 20 عامًا. أزمات الشركة تعاني مجموعة بن لادن من أزمة مالية طاحنة منذ عام 2015. فبعد ازدهار أعمالها في طفرة التشييد السعودي للعشر سنوات الأخيرة، وظفت الشركة نحو 200 ألف عامل؛ لتشييد العديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى بالمملكة، مثل المطارات والطرق وناطحات السحاب، إلا أن المجموعة تضررت بشدة في العام الأخير مع اضطرار الحكومة إلى تقليص الإنفاق؛ في مسعى لاحتواء عجز الميزانية، الذي بلغ حوالي 100 مليار دولار العام الماضي؛ بسبب أسعار النفط المنخفضة، حيث يعاني قطاع المقاولات السعودي من أزمة مع انخفاض عدد المشاريع التي تطرحها الحكومة، وتأخر دفع المخصصات المالية للمشاريع القائمة. في نفس الوقت أكد الخبراء أن السبب الأساسي في تدهور أحوال المجموعة السعودية لم يكن فقط متعلقًا بانهيار أسعار النقط، ففي العام الماضي منع البلاط الملكي السعودي المجموعة من المنافسة على عقود جديدة، وذلك بعد انهيار رافعة تعود للمجموعة فوق المسجد الحرام بمكةالمكرمة أثناء عاصفة ترابية في حادث أودى بحياة 107 أشخاص في 11 سبتمبر، وأثبت التحقيق الأولي الذي أجرته الحكومة أن الرافعة لم تكن مؤمنة بشكل كافٍ. المتضرر الأكبر المتضرر الأكبر هم العمال الذين يتم تسريحهم بشكل مُتتالٍ في الفترة الأخيرة. فعلى الرغم من أن الشركة فتحت أبوابها للعمالة الأجنبية بطريقة واسعة بتوظيفها 200 ألف عامل مغترب في أوائل القرن الجاري، حتى وصل موظفة الشركة إلى 323 ألف موظف، جاءت الأزمة الطاحنة الأخيرة بالشركة؛ لتكون كالصاعقة على العمال، وتحديدًا الأجانب، حيث اعترفت مجموعة بن لادن بالاستغناء عن مجموعة من العاملين الأجانب رافضة تحديد عددهم، بيد أن الصحف السعودية ذكرت أن عددهم يتراوح بين 50 و77 ألفًا، وأن الاستغناء تم بسبب تأخر الحكومة السعودية في دفع مستحقات للشركة. وتعد العمالة المصرية في هذه المجموعة الأضخم عددًا، حيث يتراوح عددهم من 80 إلى 90 ألفًا. وتضم الشركة عمالة من جنسيات أخرى. وبحسب المصادر سرحت الشركة ما يقرب من 6000 إلى 6500 عامل مصري، علمًا بأن المصريين موزعون في هذه الشركة بين إداريين وفنيين وعمال. وفي الشهور الأخيرة تكررت بشكل واضح احتجاجات عمال الشركة، إثر عدم استلامهم رواتبهم منذ ما يقارب ال 6 أشهر في أعقاب سقوط الرافعة. كما رفض نحو 50 ألفًا من موظفي المجموعة من الأجانب مغادرة السعودية قبل الحصول على رواتبهم المتأخرة؛ مما أدى إلى تجمعات أمام إدارات الشركة المنتشرة بمدن المملكة يوميًّا، حتى وصل الحال بالعمال إلى التعبير عن غضبهم بحرق عدد من الأتوبيسات الخاصة بالمجموعة، وأصدرت المملكة لعمال الشركة المذكورين تأشيرات الخروج النهائي. وتقول الصحف السعودية، على سبيل الطمأنة والمساواة مع بقية العاملين من الجنسيات الأخرى في الشركة، إن المجموعة من المرجح أن تستغني عن خدمات 12 ألف موظف سعودي قريبًا، إلا أن وزير العمل السعودي دخل على خط هذه الأزمة، وحذر الشركة من فصل أي سعودي. وأكد وزير العمل السعودي مفرج الحقباني أنه جارٍ حل أزمة مجموعة بن لادن، التي تواجه صعوبات في دفع أجور عامليها، بغض النظر عن كون العمالة سعودية أو من الوافدين، مؤكدًا أنه تم الاتفاق مع شركة بن لادن على عدم تسريح أي موظف سعودي تتطابق مهامه مع موظف وافد، موضحًا أن الوزارة تتابع بشكل أسبوعي معدل دخول السعوديين وخروجهم من القطاع الخاص. وأشار الوزير إلى أن العقد ضامن لحقوق الطرفين، بحيث يستطيع العامل المرحل لبلاده توكيل ممثل سفارته في المملكة؛ لمتابعة كافة حقوقه. وشدد على أن وزارة العمل لا تسمح لأي شركة بفصل السعوديين، مهددًا أنها ستمنع من الاستقدام والخدمات الأخرى التي تقدمها الوزارة، في حال فصل السعوديين. محاولات الشركة لدفع رواتب العمال في محاولة للمجموعة لدفع رواتب العمال الذين تم تسريحهم، بدأت مفاوضات مباشرة مع اتحاد بنوك المملكة العربية السعودية، يقوده البنك الأهلي التجاري السعودي، ويضم كلًّا من بنوك: الرياض، الجزيرة، السعودي للاستثمار، ساب، دبي الوطني، الكويت، ومصرف الراجحي والبنك العربي الوطني؛ للحصول على قرض بقيمة 100 مليار ريال سعودي. وتستهدف المجموعة تحسين وضعها؛ لدفع رواتب العمال الأجانب، وإنقاذ الشركة من شبح الإفلاس، الذي بات يهددها، على خلفية تراجع الإيرادات إلى ما دون المراحل الحرجة، إلى جانب تعميق جراح خسائرها.