لم يمضِ أكثر من أسبوع على إعلان فرنسا عن نيتها عقد اجتماع دولي في 30 مايو حول مبادرتها للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية، حتى رد الكيان الصهيوني برفضه للمبادرة بشكل كامل، وتمسكه بما وصفه بالمفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة. ورغم هذا تصر السلطة الفلسطينية على دعم المبادرة الفرنسية حتى آخر نفس. ولم يتبعالموقف الصهيوني الرافض للمبادرة الفرنسية أي رد من الجانب الفرنسي حتى الآن حول مصير هذه المبادرة، بعد أن رفضها أحد الطرفين الأساسيين، وفي الوقت نفسه أكدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها تبحث هذه المبادرة مع شركائها ومع أصحاب الشأن؛ ليصبح مستقبل الملف عالقًا، خاصة موقف فرنسا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما تعهدت سابقًا في حال فشل هذه المبادرة. ولكن يبقى السؤال: ما هي خيارات السلطة الفلسطينية؟ وما تداعيات الرفض على الساحة الدولية والعلاقات مع فرنسا؟ كانت الحكومة الفرنسية قد دعت إلى عقد اجتماع دولي في باريس أواخر مايو الحالي، يحضره وزراء خارجية عشرين دولة، ويضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بالإضافة إلى روسياوالولاياتالمتحدة ودول عربية، دون أن تحضره فلسطين وإسرائيل، ويهدف هذا اللقاء كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيروليت إلى خلق ائتلاف دولي واسع لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس أفكار المبادرة الفرنسية. وتنص المبادرة على عقد مؤتمر دولي للسلام؛ لتطبيق حل الدولتين على قاعدة حدود 1967، على أن تكون القدس عاصمة للدولتين، وأن تبدأ مفاوضات مباشرة فلسطينية- إسرائيلية، وتستمر لمدة عامين كحد أقصى، وتكون تحت رعاية مجموعة دولية تضم دولًا عربية والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الأمن. وتتلخص الخيارات الفلسطينية كما يؤكدها سياسيون فيإنهاء الانقسام وتوحد القرارات الفلسطينية والتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، في ظل عدم اعتراض الفلسطينيين على المبادرة الفرنسية؛ لإثبات أنهم لا يريدون سوى السلام. ويرى المحلل السياسي هاني المصري أن المبادرة الفرنسية مجرد محاولة لإشغال الشعب الفلسطيني في الوقت الضائع، مؤكدًا هذا بقوله: «لا تعوّلوا عليها كثيرًا»، مشيرًا إلى أنه يجب على الفلسطينيين التوقف عن «انتظار الوهم بأمريكا وبإسرائيل والمجتمع الدولي»، خاصة في ظل عيشهم حالة من الضعف والانقسام الحالي، مضيفًا «الأفضل لنا أن نرتب بيتنا أولًا، ثم نقوي أنفسنا، ونبتعد عن إضاعة وقتنا بأوهام جديدة، وإعادة إنتاج أخطاء قديمة». وفي الواقع فإن هناك تحفظات فلسطينية قائمة على المبادرة الفرنسية، ولكن لا تصل إلى رفض المبادرة، كما يؤكد مسؤولون بالسلطة، والذين عزوا ذلك إلى أنها المبادرة الوحيدة القائمة في الفراغ السياسي الراهن، وأنها تستند إلى المبادرة العربية للسلام التي أجمعت عليها الدول العربية والإسلامية. ومن بين النقاط المهمة التى يرفضها الجانب الفلسطيني أن المبادرة تشير إلى الاعتراف بالأرض المحتلة كوطن قومي للشعب اليهودي. وتعليقًا على الرفض الإسرائيلي قال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن القيادة الفلسطينية ستعقد اجتماعًا خلال الأيام القادمة، يشمل أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح؛ لمناقشة رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المبادرة الفرنسية وقرار الحكومة الإسرائيلية استمرار اقتحام المدن الفلسطينية في مناطق "أ". وأكد المحلل السياسي طلال عوكل أن نتائج جميع المبادرات الدولية هي صفر ومضيعة للوقت، مضيفًا أنه «لا يوجد أمام القيادة الفلسطينية سوى مجاملة المجتمع الدولي؛ حتى يقتنع بأن الفلسطينيين ليس لهم أي مسئولية تجاه فشل الجهد الدولي لوضع حد للصراع"، متوقعًا الدخول فيما أسماه "الصراع المفتوح" في مجلس الأمن. ويأتي الرفض الإسرائيلي ليعمق بشكل واضح التوتر الراهن ولو بشكل ظاهرى بين الكيان الصهيوني وأوروبا، وخاصة فرنسا. فمنذ أن طرحت باريس مبادرتها حدث توتر في العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي ترى في أي محاولة دولية للتدخل في الصراع تهديدًا لمصالحها وسياساتها القائمة على إدارة الصراع وخلق وقائع على الأرض تحول دون التوصل إلى حل الدولتين المقبول دوليًّا. كما اتهمت إسرائيل فرنسا بأنها تقف وراء مبادرة الاتحاد الأوروبي بشأن وضع علامات مميزة لمنتجات المستوطنات. وقبل الرفض الإسرائيلي حذرت فرنسا بشدة من أن السياسة الإسرائيلية القائمة على الاستيطان ستعمل على تعميق الأزمة، مؤكدة أنها هي العقبة أمام التوصل لتسوية سياسية للصراع. وذهب وزير الخارجية إيروليت إلى أبعد من ذلك عندما قال: «إن البديل للمبادرة الفرنسية هو اختيار مصير الحرب، أي أن إسرائيل إذا رفضت المبادرة فهي ترفض السلام، وتختار استمرار الصراع والمواجهة».