لم تتوقف الدول عن التحرك دفاعًا عن مصالحها، حيث ظهر تحول جديد في الأزمة بين الجزائر والمغرب، بدأت خلاله الدولتان المتنازعتان تتجهان نحو حلفائهما؛ لضغط كل منهما على الأخرى، وهو ما يتضح في اتجاه الجزائر للمحور الروسي السوري الإيراني، مقابل اتجاه المغرب للمحور الخليجي، الأمر الذي يزيد الوضع العربي انقسامًا وتشرذمًا. وصل رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، الثلاثاء الماضي، إلى روسيا في زيارة رسمية، بدعوة من رئيس الحكومة الروسية، دميتري ميدفيديف، وحضر مع رئيس الوزراء وفد رفيع ضم وزير الدولة للشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، ووزير الطاقة صالح خبري، ووزير الصناعة والمناجم، عبد السلام بوشوارب، ووزير التجارة، بختي بلعايب. خلال الزيارة التقى رئيس وزراء الجزائر عبد المالك سلال مع نظيره الروسي دميتري ميدفيديف، على هامش أعمال المنتدى الروسي- الجزائري لرجال الأعمال، الذي استضافته موسكو؛ لتعزيز اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعت بين البلدين عام 2001، ووقعت روسياوالجزائر على عدد من الوثائق الثنائية، من ضمنها مذكرة تفاهم بين مؤسسة "روس آتوم" الروسية للطاقة ومفوضية الطاقة الذرية الجزائرية؛ للتعاون في مجال الطاقة الذرية للأغراض السلمية، فضلًا عن توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة تطوير وتسويق التكنولوجيات الجديدة الروسية والوكالة الوطنية الجزائرية؛ لتعزيز وتطوير المناطق الصناعية، كما وقع الجانبان على مذكرة تفاهم بين وزارة الإعمار والإسكان الروسية ونظيرتها الجزائرية، إضافة إلى اعتماد برنامج للتعاون الثقافي المشترك بين البلدين خلال السنتين من 2016 إلى 2018، وتم توقيع اتفاقية تعاون بين المؤسسة الحكومية الفيدرالية للإعلام "روسيا سيجودنيا"، ووكالة الأنباء الرسمية الجزائرية. زيارة رئيس الوزراء الجزائريلروسيا تأتي بعد أيام قليلة من زيارة وفد جزائري لسوريا، حيث قام وزير الشؤون العربية والإفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، الأحد الماضي بزيارة سوريا، وهي الزيارة الأولى لمسؤول حكومى جزائري منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كما سبق هذه الزيارة أخرى مماثلة قام بها وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، للجزائر، الأمر الذي يشير إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين الجزائري والسوري، والانسجام والتنسيق الجاري بين الحكومتين. يبدو أن الحركة الدبلوماسية الجزائرية النشطة خلال الفترة الأخيرة جاءت ردًّا على ضغوط مغربية خليجية، بدأت تشعر بها الجزائر، حيث سبق النشاط الجزائري تحركات مغربية نحو الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، التي تربطها علاقات قوية مع الرباط، في حين تربطها علاقات متوترة مع الجزائر، الأمر الذي دفع الأخيرة للتحرك نحو المحور المُعادي للسعودية، وهو المحور الروسي السوري الإيراني، ردًّا على تخندق الدول الخليجية مع المغرب؛ في محاولة جزائرية لتأمين نفسها وضمان وقوف حلفائها إلى جانبها في حال التعرض لأي ضغوط خليجية مغربية. لم يعد خافيًا على أحد أن العلاقات الجزائرية السعودية تشهد توترًا غير مسبوق، ظهرت ملامحة خلال العديد من المواقف الأخيرة بين الطرفين، والتي كان أقربها رفض الجزائر الدخول في تحالفات مع الرياض، سواء التحالف العربي الذي يقود عاصفة الحزم أو التحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض في ديسمبر الماضي، كما أن الجزائر نأت بنفسها في الصراع السعودي الإيراني، فلم تظهر أي دعم لمواقف الرياض المعادية لإيران أو حزب الله اللبناني. الأزمة الدبلوماسية بين السعودية والجزائر تأتي في خضم المعارك التي تخوضها المملكة لتصفية حساباتها مع الدول التي تهاجم سياسياتها الخارجية، أو تقيم علاقات متينة مع عدوها اللدود إيران، حيث سبق أن صفَّت الرياض حساباتها مع لبنان والعراق، الأمر الذي أثار قلق الجزائر من أن يكون قد حان وقتها، خاصة في ظل وجود مؤشرات توضح أن المملكة تميل بكل كيانها إلى المغرب في قضية الصحراء المتنازع عليها بين الجزائروالرباط، الأمر الذي يشير إلى أن السعودية ستستخدم هذا الملف للضغط على الجزائر؛ لتغيير مواقفها تجاه سياسة المملكة الخارجية. وظهر هذا الموقف السعودي في القمة الخليجية المغربية الأخيرة، حيث أكد قادة دول الخليج صراحة أن قضية الصحراء هي قضية دول مجلس التعاون، وأنهم يدعمون الرباط في ذلك، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على الالتزام بالدفاع المشترك عن أمن واستقرار دول الخليج والمغرب واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، الأمر الذي شكل إعلانًا صريحًا عن عداوة خليجية جزائرية أو صداقة خليجية مغربية على حساب الجزائر. يبدو أن تصريحات قادة الدول الخليجية التي تصب في مصلحة المغرب قد أقلقت الجزائر، وهو ما دفعها إلى اتخاذ موقف دبلوماسي غير مسبوق من خلال زيارة وزير الشؤون العربية والإفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، لسوريا، حيث جاءت هذه الزيارة الجزائرية المفاجئة؛ لتمثل رسالة إلى الدول الخليجية، فعلى الرغم من أن الجزائر لم تقطع علاقاتها بسوريا في الوقت الذي أقدمت فيه العديد من الدول العربية على هذه الخطوة، إلا أنها ظلت على حياد صامت، يميل إلى تأييد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، لكنها لم توفد مسؤولًا رفيعًا بدرجة وزير إلى دمشق، فأقصى ما ذهبت إليه أن سمحت بزيارة شخصيات عامة ووفود حزبية وإعلامية لدمشق؛ للتعبير عن تضامن الشعب الجزائري مع سوريا، الأمر الذي يشير إلى نية الجزائر توطيد علاقاتها مع سوريا كيدًا في الدول الخليجية.