رغم وجود خلافات طفت على السطح مؤخرًا بين أمريكا والسعودية، إلا أن الأخيرة لاتملك خيارات سوى تجاوز الأزمات مع واشنطن، التي تسعى أيضا إلى تقليل حدة التوترات، فقبل وصول أوباما إلى السعودية، أكد أنه يعارض مشروع قانون يسمح بملاحقة حكومة المملكة قضائيًا في المحاكم الأمريكية؛ لتورطها في هجمات 11 سبتمبر 2001. كلام أوباما جاء بعد إعلان الكونجرس أنه يبحث مشروع قانون يحمل المملكة جزءًا من المسؤولية في الهجمات الإرهابية، ويبدو أن هذا الملف الخلافي لن يأخذ مساحة كبيرة من المناقشات، حيث أكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست أمس، أن الرئيس أوباما لن يدعم مشروع القانون، ولن يوقعه، ويثق أن السعوديين يعترفون بالمصلحة المشتركة بين الدولتين. عام 2013، كان محطة مهمة للخلاف السعودي الأمريكي، فبعد تراجع أمريكا عن نيتها التدخل العسكري في سوريا قبل ثلاثة أعوام، إثر التقارير التي تحدثت عن اتهامات باستخدام غاز السارين في الغوطة من قبل النظام السوري، شكل الأمر صدمه على الطرف السعودي، حينها قال عادل الجبير، سفير المملكة في الولاياتالمتحدة آنذاك، للمسؤولين في الرياض "إيران هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط، والولاياتالمتحدة هي القوة القديمة". ويبقى الاتفاق النووي الإيراني أحد أهم المحطات الخلافية بين أمريكا والسعودية، فالأخيرة اعتبرت موقف الولاياتالمتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، مساندة لطهران على حساب الرياض ما ألحق الضرر بنفوذ المملكة في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الجانب الآخر، يرى مراقبون أنه لا يجب تضخيم ملف التوترات بين واشنطنوالرياض، فبمجرد قبول السعودية استضافة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أراضيها بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها أوباما للملكة السعودية في مقابلته مع المجلة الأمريكية "ذي أتلانتك"، يعد بمثابة تنازل سعودي عن أي خلاف من شأنه إثارة المشاكل بين السعودية وأمريكا. زيارة كيري للقاهرة لن تختلف أهداف زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، للقاهرة اليوم، عن أهداف أوباما في الرياض، خاصة أن زيارة كيري لمصر يلحقها مباشرةً زيارة للرياض، ما يجعل من الملفات التي سيناقشها الوسيط الأمريكي مع مصر متقاطعة إلى حد كبير مع مناقشات الرياض، ويبدو أن الجولة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، جاءت لإعادة ترسيم الملفات السياسية في المنطقة، خاصة بعد تعثر المفاوضات "السورية – السورية" ووصلها إلى طريق مسدود في النقطة المتعلقة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي دفع المعارضة السورية لتعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف، ويبدو أيضا أن المفاوضات اليمنية ليست بأحسن حال من السورية، وقد تلاقي المصير ذاته في ظل انعدام الثقة بين الأطراف اليمنية حتى قبل أن تبدأ المفاوضات. زيارة كيري للقاهرة تحمل ملفات سياسية مهمة، فوفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، فإن الوزير الأمريكي سيلتقى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ليتعرف على وجهة النظر المصرية في الكثير من ملفات المنطقة، خاصة سوريا وليبيا وإيران. وحسب صحيفة «يو إس إيه توداي» الأمريكية، سينقل كيري وجهة النظر المصرية إلى الرئيس الأمريكي، الذي سيجتمع مع قادة الخليج، لبحث تلك القضايا معهم أيضًا، وسيكون الملف الإيراني المهيمن على مباحثات المسؤولين الأمريكيين بالمنطقة، سواء في مصر أو السعودية، وسيكون من المهم بالنسبة لواشنطن معرفة موقف مصر من إيران، والتطورات الأخيرة في المنطقة، خاصة أن مصر تبنت موقف دول الخليج تجاه إيران، الأمر الذي خلق مساحة مشتركة بين القاهرةوالرياض في ظل خلافهما على العديد من النقاط حول الملف السوري، وتقارب القاهرة مع موسكو في العديد من النقاط المتعلقة بالشأن السوري، الأمر الذي تسعى الرياض إلى إفشاله، وبالطبع لن تمانع واشنطن المساعي السعودية التي تسير بهذا الاتجاه. كما لا يمكن إغفال تطورات الوضع في ليبيا، حيث يمثل دخول حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج إلى العاصمة طرابلس، فرصة لبداية عمل عسكري دولي لمحاربة داعش الإرهابي، خاصة مع تدفق المسؤولين الغربيين كألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى طرابلس لدعم الحكومة، ويرى محللون بأن الأنظار بدأت تتجه لمصر بعد إجحام معظم الدول الغربية عن التدخل العسكري في ليبيا. ويمكن ربط زيارة كيري إلى مصر، وأوباما إلى السعودية، بالكيان الصهيوني أيضًا، فتوقيت زيارة كيري يتزامن مع إعلان إعادة ترسيم حدود المياه الإقليمية بين مصر والمملكة السعودية، ومن المنتظر أن تنتقل من خلاله السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من القاهرة إلى الرياض، ما دفع البعض إلى التلويح بأن هناك اتجاهًا إلى توسيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والسعودية والكيان الصهيوني برعاية الولاياتالمتحدة. وعلى الصعيد الداخلي ستتطرق المناقشات بين الجانب الأمريكي والمصري إلى موقف قوات حفظ السلام الدولية في سيناء، بعد تلويح أمريكا أكثر من مرة، بخفض عدد جنودها المشاركين في تلك القوات، خاصة أنهم يمثلون القوام الرئيسي لها، ويتولون بصورة فعليه مراقبة اتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب الخطة (ب) والتحالف الإسلامي يحاول أوباما استثمار زيارته للسعودية والتلويح لروسيا بأن لها بعد عسكري، فأوباما اصطحب معه وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، الذي قال إن البلدين يسعيان للتعاون معًا في المجال العسكري والبحري لمواجهة الأنشطة الإيرانية التي تزعزع المنطقة. السعودية تزعم بأن التحالف العسكري الإسلامي، الذي تحت إمرتها، جاهز لتلقف أي إشارة سعودية بالتحرك، خاصًة أن الرياض تحاول مؤخرًا حشد مواقف الدول العربية والإسلامية ضد إيران، في الوقت الذي تتحدث فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية مجددًا عما يسمى بالخطة الأمريكية البديلة (ب) التي يمكن أن تنفذها واشنطن في حال انهيار الهدنة في سوريا، وربما في حال تعثر مفاوضات جنيف أو توقفها. ويرى مراقبون أن الهدف الأساسي لزيارة أوباما للسعودية لن يخرج عن إطار الابتزاز السياسي والعسكري من جهة، والضغط على المتفاوضين سواء في الملف السوري أو حتى اليمني لاتخاذ مسارات وتوجهات معينة، خاصة بأن زيارة أوباما تأتي قبل أشهر قليلة من مغادرته البيت الأبيض مطلع العام المقبل.