الأزمة تتجدد وتطل برأسها على المواطن المصري في موسم الصيف، المتمثلة في عودة انقطاع التيار الكهرباء، حيث طالبت وزارة الكهرباء وزارة البترول بتوفير كميات من الغاز تتراوح ما بين 4 إلى 4.2 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًّا؛ حتى تفي باحتياجات محطات إنتاج الكهرباء، لتوليد 37 ألف ميجاوات، مما يفيد بأن أقصى كمية تحتاجها محطات الإنتاج ستكون في حدود 120 مليون متر مكعب غاز، وذلك في شهري يوليو وأغسطس، إلَّا أن الإنتاج المحلي من الغاز أقل بكثير من الكمية التي تطلبها وزارة الكهرباء، مما يشير إلى أن هناك أزمة غاز ستطل برأسها خلال أشهر الصيف، يتحمل فاتورتها المواطن المصري البسيط. وقال الدكتور إسلام ممدوح، خبير الطاقة: إن كمية الغاز التي تطلبها وزارة الكهرباء تتخطى الإنتاج المحلي، الذي يبلغ 3.85 مليار قدم مكعب، وفي حالة سد العجز من هذه الكميات بالاستيراد فإنه بأي حال لا يمكن أن تزيد الكميات الواردة عن 1.2 مليار قدم مكعبة، حيث يتم جلب الغاز من الخارج في صورة سائلة ويتم تحويله إلى صورته الغازية في باخرتين مخصصتين لهذا الغرض سعتهما التخزينية لا تتعدى تلك الكمية، لافتًا إلى أن مصر، في أحسن الأحوال، لا تستطيع توفير أكثر من 5 مليارات قدم مكعبة من الغاز في الصيف. وأوضح الدكتور إسلام أن الغاز يستخدم لثلاثة أغراض، المنازل، والصناعة، وتوليد الكهرباء، مما يضع المسؤولين عن اتخاذ القرار في معادلة صعبة، وسيكون الإيفاء باحتياجات محطات التوليد، حتى لا تتكرر ظاهرة انقطاع الكهرباء، على حساب احتياجات المصانع من الغاز، مما يتسبب في وقف عجلة الإنتاج، الذي يزيد من فاتورة الاستيراد، لتتبعها زيادة في أسعار السلع بشكل كبير. وأشار إلى أنه لابد من مكاشفة الشعب بالحقيقة التي تتلخص في ضرورة قطع الكهرباء المخصصة لإنارة المنازل خلال فترة الصيف بنسبة 25 إلى 30%، وفق خطة تشمل محافظات الجمهورية بكل مناطقها دون تمييز لنوعية السكان، ذلك إذا أراد المسؤولون الحفاظ على القوة الإنتاجية لمصانع الأسمدة والحديد والأسمنت وخلافه من السلع المهمة التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار باقي السلع الاستهلاكية من غذاء ومسكن وملبس، لكن القرارات تتخذ وفق رؤية سياسية، دون النظر إلى الظروف الاقتصادية. وأضاف الدكتور علي عبد العزيز، خبير إدارة الأعمال ومدرس مساعد بتجارة الأزهر: أي زيادة في ضخ الغاز لصالح وزارة الكهرباء سيكون على حساب المصانع، مما يؤثر على إنتاجها، وهو ما يحدث بالفعل منذ عام مضى، وقد يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الغاز المستورد، الذي يبلغ 2.5 مليار دولار ل500 مليون قدم مكعب يوميًّا، مما ينعكس على أسعار المنتجات الصناعية، وارتفاع نسب تضخمها، وتترتب عليه أزمة جديدة في الدولار غير المتواجد أساسًا في السوق، خاصة مع استحقاق دين دولاري على مصر لقطر ودول نادي باريس، بنحو 2 مليار دولار، خلال يوليو المقبل. وأكد عبد العزيز أن الأمر في غاية الخطورة، في ظل عجز الكهرباء عن توفير ألفين ميجاوات يوميًّا، والتي تتطلب 500 مليون قدم مكعب من الغاز لإنتاجها، مضيفًا أن التوجه إلى سد العجز بزيادة الاستيراد لأكثر من 700 مليون قدم مكعب يوميًّا، سيدخلنا في أزمات جديدة، والتي تنعكس على الوضع العام بشكل مباشر في ارتفاع سعر الدولار. وتابع أننا للأسف نسدد فاتورة تفادي غضب الشعب المصاحب لانقطاع التيار الكهربائي، وذلك لتلافي ما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، لذلك فإن حل المشكلة ليس في استيراد الغاز من الخارج، لكن في زيادة إنتاج الغاز المحلي، من خلال حل مشكلات الشركات المستثمرة في إنتاجه، بمنحها مستحقاتها وتوفير مناخ سياسي واقتصادي مستقر، أو ترشيد الاستهلاك أو علاج مشكلات محطات الطاقة، التي تعمل بأقل من 50% من طاقتها الإنتاجية، أو البحث في مصادر أخرى لتوليد الكهرباء غير مكلفة، أو الاعتراف بالكارثة وتحمل عواقب الفشل السياسي والاقتصادي، بانقطاع الكهرباء عن ثلث سكان مصر.