وصل رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، مساء الجمعة الماضية، إلى العاصمة الإيرانيةطهران، على رأس وفد رفيع يضم عدة وزراء، في أول زيارة لرئيس الوزراء التركي إلى إيران منذ عامين، ويرافقه في زيارته وزراء الاقتصاد والجمارك والتجارة والطاقة والشحن والمواصلات والتنمية، وأعضاء آخرون في الحكومة ورجال أعمال. ويؤكد المراقبون أن تزايد التحديات التي تواجه الدولة التركية داخليًا وخارجيًا دفع القيادة السياسية للتحرك في جميع الاتجاهات؛ لإيجاد طوق نجاة ينقذ اقتصادها الذي أوشك على الانهيار، ومكانتها السياسية التي تراجعت بشكل غير مسبوق بعدما تخلى معظم حلفائها عنها. إيران.. هل تحل العقدة الاقتصادية؟ يحمل الوفد المرافق لأوغلو خلال زيارته لطهران، طابعا اقتصاديا، وهو الملف الذي كان بالفعل على قائمة أولويات الوفد، وبحثا الطرفان التركي والإيراني الأوضاع الاقتصادية وتعزيز التبادلات التجارية بين البلدين، وأعلن نائب الرئيس الإيراني، اسحق جهانغيري، لدى استقباله رئيس الوزراء التركي، أن البلدان تريدان رفع مبادلاتهما من 10 إلى 30 مليار دولار سنويًا في غضون سنتين، وأكد جهانغيري، حددنا هدف ال30 مليار دولار لمبادلاتنا التجارية، سنحاول تحقيقه في غضون سنتين، فيما أكد رئيس الوزراء التركي أن بلاده متفقة مع هذا الهدف، قائلا: نحن مسرورون أكثر من أي بلد آخر لرفع العقوبات عن إيران. زيادة حجم صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا، جاءت على رأس الملفات المطروحة على الطاولة بين الطرفين، حيث شدد أوغلو على أن إيران منتج عملاق للطاقة وتركيا مستهلك عملاق لها، وبحثا الطرفان إمكانية مد خط أنابيب غاز من طهران إلى أنقرة لتعويض الغاز الروسي الذي يشكل أكثر من 60% من احتياطات تركيا. تأتي زيارة رئيس الوزراء التركي إلى إيران في هذا التوقيت ضمن محاولات أنقرة البحث عن مخارج لأزماتها الاقتصادية وتعويضها الخسائر الكبرى التي لحقت به جراء العقوبات التي فرضها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عليها بعد إسقاطها للطائرة الروسية قرب الحدود السورية في 24 نوفمبر الماضي، وهو الحادث الذي أدى إلى حرمان أنقرة مما يقرب من 4.5 مليون سائح سنويًا، ووقف روسيا لكل الواردات من تركيا وانهيار معظم التجارة البينية بين البلدين التي يميل ميزانها لصالح تركيا. تحديات سياسية تركية رغم ارتكاز المباحثات التي تمت بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين على الجوانب الاقتصادية والتجارية، إلا أن ذلك لا يمنع من التطرق إلى الأوضاع السياسية، خاصة وأن تركيا تواجه الآن مأزقا سياسيا كبيرا على المستوى الداخلي والخارجي، فداخليًا تتصاعد تدريجيًا معركتها مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا في تركيا، ويتواصل القصف التركي على الأماكن الخاضعة لسيطرة الحزب في مقابل تصاعد أعمال العنف التي يشنها الحزب، وتتزايد حدة الانفجارات في أنقرة وإسطنبول، خاصة في المناطق السياحية والاستراتيجية، وهو ما يمثل تهديدا أمنيا كبيرا للقيادة التركية. وتواجه أنقرة انتقادات دولية حادة في العديد من المجالات، بداية من اللاجئين الذين تستخدمهم السلطات لابتزاز الدول الأوروبية، وصولًا إلى حرية الرأي والتعبير التي ضيقت تركيا الخناق عليها، ولم تقتصر على التظاهرات أو مواقع التواصل الاجتماعي فقط بل وصلت إلى التضييق على حرية الإعلام، ليصبح كل ما هو معارض لسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان في دائرة المراقبة والاعتقال، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى دعوة تركيا لاحترام حرية الإعلام، وذلك بعد أن سيطرت الشرطة التركية على صحيفة زمان المعارضة والواسعة الانتشار، وقال المكتب الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، إنه على تركيا بوصفها دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد، أن تحترم وتعمل على نشر المعايير والممارسات الديموقراطية العليا بما فيها حرية الإعلام. خارجيًا، تأتي الأزمة السورية على قائمة التحديات التي تواجه السياسة التركية وتمثل تهديدا لمكانة الدولة وأمنها القومي، خاصة بعد أن تخلت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن الحليف التركي واتجهت لدعم الأكراد في معركتهم ضد أنقرة، ورفضت كل مشاريع الأخيرة في إقامة مناطق عازلة داخل الحدود السورية، كما رفضت من قبلها وضع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري على لائحة الإرهاب واستثنائه من الهدنة السارية في سوريا، ومؤخرا اقترحت واشنطن إقامة اتحاد فيدرالي كردي يمتد على طول حدود بلاده من إيران مرورًا بالعراق وانتهاء بسوريا، الأمر الذي وضع تركيا في موقف محرج بعد أن كانت تعتبر أمريكا الحليف الأقرب لها في معركتها مع الأكراد الذين يمثلون التحدي الأكبر للدول التركية وتسعى إلى مواجهتهم والتخلص منهم أو على الأقل تحجيم دورهم. الخلافات السياسية لا تزال قائمة على الرغم من هذا التعاون الاقتصادي ومحاولات تركيا تعزيز علاقاتها مع إيران، إلا أن ذلك لم يمنع الطرفين من الاعتراف بخلافاتهما المتعلقة بمسائل إقليمية، خاصة حول سوريا، حيث قال نائب الرئيس الإيراني، اسحق جهانغيري: إننا مختلفون حول بعض المسائل، لكننا نعمل عليها من أجل تسوية مشاكل المنطقة، فيما أكد داود أوغلو أن التاريخ السحيق وجغرافيا البلدين يتكاملان على رغم هذه الخلافات، وأكد رئيس الوزراء التركي أن العراقيل والعقبات السياسية بين البلدين ستزول باستغلال فرص التعاون بينهما، وأن أمن واستقرار المنطقة يستديم عبر التعاون التركي الإيراني، وأنه على البلدين تطوير منظور مشترك لإنهاء الصراع في المنطقة.