في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات التي تهدد أمن الكيان الصهيوني، سواء من قبل الهجمات الفردية التي يشنها الفلسطينيون ضد الجنود وقطعان المستوطنين، أو الحملة الدولية العدائية الموجهة ضد الانتهاكات الصهيونية، أو تلك الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وتمثل تهديد حقيقي للجيش الصهيوني، أو الأسلحة التي يرتعد الكيان من وصولها إلى أيدي محور المقاومة، بات الاحتلال عاجزًا عن مواجهة الجبهات كافة المفتوحة ضده، ليأتي خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ويكون القشة التي قصمت ظهر البعير. خطاب نصر الله يربك الحسابات دق الأمين العام لحزب الله على الأوتار الحساسة لدى القيادات الأمنية الإسرائيلية والمستوطنين، ولا سيما سكان حيفا، خلال خطابه الذي ألقاه الثلاثاء الماضي في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانيةبيروت، وقال نصر الله خلال حديثه: إن إسرائيل تتمسك برواية تقول إنها قادرة على استهداف كل المناطق بالحرب المقبلة، فيما لو وقعت، وليس فقط مناطق محددة، مضيفًا: نحن نشكل هذا المانع وهذا الحاجز وإسرائيل تقوم بحساباتها، وأن خبراء بإسرائيل يعتقدون أن سكان حيفا يخشون هجومًا قاتلًا على حاويات الأمونيا، التي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز، والتي ستؤدي إلى موت آلآف السكان، الشعور هناك صعب جدًّا والحكومة الإسرائيلية تهمل 800 ألف شخص، مشيرًا إلى أن هذا الأمر كقنبلة نووية تمامًا، أي أن لبنان اليوم يمتلك قنبلة نووية، وأن أي صاروخ ينزل بهذه الحاويات هو أشبه بقنبلة نووية. حديث نصر الله أعاد الرعب إلى نفوس مستوطني مدينة حيفا، الذين يحذرون منذ سنوات طويلة من كارثة محتملة بعد أن كانت حرب لبنان الثانية عام 2006 قد أثبتت امتلاك حزب الله صواريخ قادرة على الوصول إلى حيفا وما بعدها، مما يعني أن منطقة خليج حيفا الصناعية التي تضم قرابة 20 منشأة لتصنيع الأمونيا، باتت في مرمى هذه الصواريخ. خطورة المنطقة منطقة خليج حيفا تضم قرابة 20 منشأة لتصنيع الأمونيا، ويتركز فيها العديد من المنشآت البتروكيماوية، ويوجد فيها كذلك منشأة لتخزين غاز الأمونيا بسعة 15 ألف طن، كما يتم تفريغ هذه المنشأة المخصصة للتخزين بشكل شهري، حيث تأتي سفن محملة بهذه المادة وتفرغ حمولتها البالغة 10 آلاف طن، مما يجعل هذه المنطقة الأكثر تلويثًا للبيئة في إسرائيل. بحسب تقارير سابقة فقد ارتفعت كمية المواد الملوثة للهواء في الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة 8%، فضلًا عن زيادة مخلفات الصناعات التي يتم إلقاؤها في البحر المتوسط، كما كشفت مصادر إسرائيلية مؤخرًا عن كون مستودعات الأمونيا التي توجد في خليج حيفا خطرًا محدقًا يهدد حياة آلاف المواطنين، في حال تعرضت للاستهداف، وأن انفجار المستودعات التي تحتوي على آلاف الأطنان من غاز الأمونيا، كفيلة بإلحاق الضرر بما يقارب نصف مساحة إسرائيل، فضلًا من مقتل عشرات الآلاف. تشكل مستودعات الأمونيا بخليج حيفا نقطة صراع بين الحكومة وسكان المنطقة منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، حيث سقطت حينها صواريخ في المنطقة المحيطة بالمصانع من دون أن تصيبها مباشرة، وهو ما دق ناقوس الخطر وأثار رعب المستوطنين هناك، ومنذ ذلك الوقت يخوض سكان حيفا بالتعاون مع الجمعيات البيئية والشعبية هناك مطالب بنقل هذه المصانع من مكانها. وخرجت حينها الأبحاث والتقارير التي أشارت إلى أن إصابة بسيطة لصاروخ يطلقه حزب الله باتجاه مستودعات الأمونيا من شأنه أن يلحق الخطر بحوالى 100 ألف إنسان في شكل مباشر يموت منهم 17 ألفًا، وحوالي نصف مليون إنسان يتضررون في شكل غير مباشر، ولفتت التقارير حينها إلى أن 800 ألف من السكان مكشوفون أمام خطر انفجار هذه الخزانات، بعد أن تبين أنها في مرمى صواريخ حزب الله، وأنه بدلًا من نقل تلك الخزانات إلى مواقع أخرى، فإن هناك مساعي صهيونية لتعزيز صناعة البتروكيماويات، وإضافة المزيد من خزانات الأمونيا القابلة للانفجار. كيف تناول الإعلام الصهيوني الخطاب؟ لم تستطيع وسائل الإعلام الإسرائيلية التغاضي عن أهمية الخطاب، حيث سلطت الضوء على التهديدات التي أطلقها نصر الله خلال خطابه، وكتبت توقعاتها وتحليلاتها لحديثه بالبنط العريض، وفتحت المساحات في صفحاتها الأولى لمناقشة تداعيات خطاب الأمين العام لحزب الله على أمن الاحتلال. اعتبر محلل الشؤون العربية في موقع واللا العبري، آفي إيسخاروف، أن سحر نصر الله ما زال قائمًا، وأنه ما زال يُخيف الإسرائيليين، خصوصًا أنه هدد بضرب الخاصرة الضعيفة في إسرائيل، وهي خليج حيفا، الذي يحتوي على مواد خطيرة جدًّا، وأضافت الصحيفة أن تسرب خُمس غاز الأمونيا الموجود بخليج حيفا كافٍ لمقتل 17 ألف إنسان وإصابة عشرات الآلاف منهم بجراح متفاوتة، وتابعت أن حزب الله يمتلك قنبلة نووية، إذ أنه في حيفا يوجد 15 طنًّا من غاز الأمونيا، وكل صاروخ يصيب هذا الموقع من شأنه أنْ يُحول المكان إلى قنبلةٍ نوويةٍ، مما سيؤدي إلى مقتل عشرات الآلاف، وأكدت الصحيفة أن السيناريو الذي طرحه نصر الله ليس بعيدًا بالمرة عن الواقع. من جانبها قالت صحيفة معاريف: إن نصر الله، بالرغم من أنه لم يقل بشكل مباشر إن المقاومة ستستهدف هذه الحاويات مكتفيًا بنقل ما قاله الخبراء الإسرائيليون، إلَّا أن القلق الشديد الذي تركه كلامه في الأوساط الإسرائيلية حول مخاطر استهداف حاويات الأمونيا وغيرها من المنشآت الاستراتيجية، يبين أن تهديداته ما كانت لتخطر على بال أحد. في السياق ذاته نقلت القناة السابعة عن عضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني، ياعل كوهن بارن، قولها: إن نصر الله يعلم جيدًا ما تحاول الحكومة الإسرائيلية إخفاءه، وأضافت أن سكان حيفا يعيشون في خطر مزدوج، أمني وصحي، في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة في تأخير إغلاق حاوية الأمونيا، متسائلة: هل يتعين وقوع كارثة حتى يستيقظ رئيس الحكومة ويدرك أن خليج حيفا سيشتعل؟ من جانبها نقلت القناة الثانية رأي الإعلامي عوديد بن عامي، الذي أكد أن المشكلة التي تواجهها إسرائيل هي أن نصر الله أثبت في الماضي أنه صادق ولا يكذب، وهو دائمًا يعمد إلى الحديث عن مسائل وأمور تستند إلى حقائق، وأضاف: نعم توجد حاويات أمونيا في حيفا، ونعم هي محاذية لأكثر من مليون شخص، وهي خطيرة جدًّا، فيما لفتت صحيفة هآرتس، إلى أن كلمة الأمين العام لحزب الله وتهديداته باستهداف حاويات الأمونيا في حيفا، وجهت لنظرية رئيس الأركان جادي إيزنكوت، ونظرية الضاحية التي يهدّد بها، مشيرة إلى أن نصر الله يواصل ترسيخ ميزان الردع ضد إسرائيل، من خلال تهديداته. محاولات طمأنة حاولت القيادة الصهيونية كعادتها حصر دور بعض المسؤولين في طمأنة مخاوف المواطنين الإسرائيليين، وهو الدور الذي لعبه هذه المرة وزير الصحة، يعقوب ليتسمان، الذي كان أول من سعى إلى طمأنة الإسرائيليين، حيث أعلن أن الحكومة تعمل منذ أشهر عدة على نقل مستودعات الأمونيا، وقال: لقد بدأنا بنقل المستودعات وفق خطة مدروسة، حتى قبل أن يتحدث نصر الله عن ذلك. أما وزير حماية البيئة، آفي غاباي، فقد أعلن عقب انتهاء خطاب نصر الله، أنه أمر بنقل منشآت تخزين الأمونيا إلى صحراء النقب، فيما وعد وزير المالية، موشيه كحلون، وهو من سكان حيفا، بنقل المستودعات في غضون عامين. في السياق ذاته، سلك القادة العسكريون والأمنيون نهج الطمأنه واختاروا نبرة التعالي واستعراض القدرات، حيث زعم رئيس أركان الجيش، جادي إيزنكوت، أن حالة الهدوء التي تسود الحدود مع لبنان منذ فترة طويلة تأتي نتيجة لقوة الردع الإسرائيلية المستمرة تجاه مختلف الحدود، ولبنان على وجه الخصوص، وتناسى إيزنكوت ما قاله خلال خطابه الأخير في معهد الأمن القومي، بأن حزب الله يمثل الخطر المركزي على إسرائيل وليس إيران كما يقول نتانياهو. المستوطنون ينتفضون الجهود التي بذلها المسؤولون الصهاينة لطمأنة المستوطنين لم تحقق هدفها، حيث امتد الخوف والرعب ليصل إلى عدد من مستوطني مدينة حيفا، الذين طالبوا الحكومة الإسرائيلية بأن تأخذ تهديدات وتصريحات نصر الله على محمل الجد؛ لأنها مُقلقة للغاية، وقال أحد مستوطني المدينة لصحيفة يديعوت أحرونوت: إن التهديد على خليج حيفا، وتحديدًا على مصانع الأمونيا، موجود منذ العام 1991، لكن منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تعمل حكومات إسرائيل المتعاقبة أي شيء لإبعاد هذا الخطر عن المنطقة، وأضاف: للأسف الشديد، المسؤولون لدينا يستفيقون من سُباتهم فقط بعد أن تقع الكارثة.