أنهى رئيس الوزراء التركي داوود أغلو أمس زيارة إلى السعودية استغرقت 3 أيام، عقد خلالها مباحاثات مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، شملت تطورات الأحداث الإقليمية والدولية. وفي هذه المباحثات لم يكن من الملفت وجود ولي العهد محمد بن نايف نائب، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ولا حتى وزير الخارجية السعودية عادل الجبير ونظيره التركي تشاووش أوغلو، لكن الملفت كان وجود رئيس هيئة الأركان العامة التركية أول خولصي أكر، بالإضافة لوزير الدفاع الوطني التركي عصمت يلماز. وخلال اللقاء الذي جمع بين ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان برئيس الوزراء التركي داوود أوغلو في الرياض أمس، تم بحث فرص التعاون المشترك بين السعودية وتركيا في مختلف المجالات، إلى جانب استعراض مستجدات الأوضاع في المنطقة، كان رئيس هيئة الأركان التركية حاضرًا أيضًا وبرفقة وزير الدفاع التركي. بيان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره التركي تشاووش أوغلو كان مقتضبًا، حاولا فيه إعطاء انطباع دبلوماسي، وتجنبا فيه الحديث عن الأبعاد العسكرية لهذا الاجتماع التركي السعودي، حيث اقتصرت تلميحات الجبير على البعد العسكري الذي ينوي كل من البلدين تفعيله عما قريب، بالتوقيع على مجلس التعاون الاستراتيجي في إطار مكافحة الإرهاب والأبعاد الأمنية وغيرها، ولم يخل البيان المشترك بين الوزيرين من مغازلة كل طرف للسياسة الخارجية للطرف الآخر، فانحياز وزير الخارجية التركي لسياسة السعودية في تعاملها مع الجمهورية الإيرانية كان واضحًا، حيث انتقد الوزير التركي طهران ووصف سياستها بالطائفية، فيما اتفق الجبير مع الموقف التركي في تعامله مع القاذفة الروسية، وأكد في الوقت ذاته دعم المملكة لأي رد تركي تجاه اختراقات روسيا للمجال الجوي. وأثار وجود رئيس هيئة الأركان العامة التركي خولصي أكار في هذه الاجتماعات علامة استفهام كبيرة، وجديرة بالملاحظة، خاصة أن هذه هي المرة الأولى التي يرافق فيها مسؤول عسكري رفيع المستوى وفدًا رسميًّا للحكومة التركية في زيارتها للدول. من جانبه أوضح رئيس الوزراء التركي أن سبب وجود "أكار" في المحادثات الرسمية هو رغبة الحكومة التركية باطلاعه على المباحثات الثنائية بين البلدين وبصورة مباشرة، وأن قرار إشراك "أكار" جاء بعد اتخاذ رئيس تركيا رجب طيب أردوغان قرارًا مشتركًا بإنشاء مجلس تعاون استراتيجي، وإقامة تعاون دفاعي بين البلدين، وأضاف أوغلو: بعد الآن سيشارك رئيس هيئة الأركان العامة في مثل هذه المباحثات باستمرار، ومن هنا عليكم ألَّا تستهجنوا الأمر، وألَّا تنظروا إليه على أنه غريب واستثنائي. الشكل العام للزيارة الحافلة بالمسؤولين العسكريين من البلدين، وتوقيتها الذي تزامن مع انطلاقة متعثرة لمحادثات جنيف3 بين وفد الحكومة والمعارضة السورية، قد لا تفضي لحلول سياسية، بالإضافة للأحداث التي تشهدها المملكة وتركيا، تُشير إلى أن احتمالًا لتحرك عسكري ما قد يحصل، خاصة أن المشكلات التي أثارتها تركيا والمملكة في دول الجوار، أصبح لها مردودات داخلية عليهما، وعلى جميع المستويات خاصة العسكرية والأمنية والاقتصادية. السعودية وروسيا السعودية التي تعاني من أزمة اقتصادية نتيجة لهبوط أسعار النفط، الذي دفعها لاتباع سياسة متقشفة في ميزانيتها العامة، أصبح الوضع الأمني فيها في دائرة الخطر، خاصة بعد تطور أساليب القتال لدى الجيش اليمني وحركة أنصار الله، الذين أدخلوا مؤخرًا صواريخ بالستية في معركة مواجهة العدوان السعودي، مما أربك الدفاعات السعودية وعقد من تناولهم للملف اليمني. بالأمس استهدفت قوات من الجيش اليمني واللجان الشعبية بصاروخ بالستي من طراز "توشكا" تجمعًا للقوات السعودية في قاعدة "العند" الجوية بمحافظة لحج الجنوبية، مما أسفر عن مقتل العشرات، ومن أبرزهم هذه المرة القائد الجديد لشركة "بلاك ووتر" الكولونيل الأمريكي نيكولاس بطرس. تركياوروسيا على الصعيد التركي لا يبدو أن اختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي التركي هو الهاجس الوحيد لدى الأتراك، فالمساحات التركية التي كانت تسيطر عليها أنقرة في سوريا بدأت تتلاشى، فالجيش السوري وبغطاء روسي بدأ يلتهم جبال التركمان بريف اللاذقية، ووحدات حماية الشعب الكردية بدأت بالفعل بالتقدم غرب الفرات، مما يقطع الحدود بين تركيا ومدينة حلب السورية. تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه تركيا على لائحة الإرهاب، وتقدم الفصيل الكردي في المناطق التي تشكل عمقًا استراتيجيًّا لتركيا يعتبر تهديدًا لأمنها القومي، ما يقلل من خيارات أنقرة، ويجعل الخيار العسكري أمرًا واردًا يؤجله فقط التواجد الروسي في سوريا. التوافق السعودي التركي في الملف السوري المتمثل في إصرار الطرفين على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وإحجام البلدين عن محاربة داعش، فضلًا عن تقارب الرياضوأنقرة في الملف اليمني للحد من نفوذ إيران، يشير إلى أن الحلول العسكرية ممكنة، وتنسيق السعودية مع تركيا قد يزيد من احتمالات الحرب، خاصة أن الرياضوأنقرة في بيانهما المشترك الأخير ألمح لخصومة ضمنية مع روسيا وحليفها الإيراني.